التخطي إلى المحتوى الرئيسي

(41)

حين يبحثُ عنك حسن مطلك

كان أول لقاء مع حسن في يومياته " العين إلى الداخل "، حدث اللقاء الثاني هذا العام في معرض الكتاب .
أنقذني ياحسن إنتشلني من مغارة القنوط الأسود ، فقر الكلمات، وإنحسار الكتابة، قد كانت أحلامي دوماً تساعدني، مذ أن أغرمت بالفيزياء لأول مرة في صفي الثانوي الأول، قفز حل المسألة المستحيلة لي في حُلم ، لستُ أمزح كان الحل هو أن الحل غير ممكن وكان أحد كوابيسي هي المُعين، فعبرها رأيت كافكا وصافحته، شممت رائحة بورخيس وسمعت قرع عصاه بصقت على باموق وكتابه الأسود،دردشت مع ملكة بريطانيا، ذهبت لأسكندنافيا وعُدت، زرت الكويت دون حقائب، ذلك فظيع!
 اليوم أتاني حسن مطلك يدفعني للكتابة من جديد.

***

الدقائق الأخيرة قبل يومين من نهاية المعرض. تقفزُ الساعة للعاشرة تماماً، ٤ أزواج من الأحذية الرياضية تلهث في الممر الخالي .
- " حسناً توقفوا "
أصدر الأمر لأولادي
ـ " هذه الدار "
خاليةٌ علي عروشها، والكتب تتلامع أمامي، تغريني ، ليتني حقاً دودوة أتوسد الصفحات وأقرأ كل حكاية في ألف عام، قلبي سيقفز من صدري لو لم أملك أي حل، سأدس الريالات في أحد الكتب مع رسالة وأبتاع ما أريد، سأسرق، فسرقة الكتب ليست جريمة!  لا لن أسرق لأجل الأولاد فأنا أمٌ صالحة . سألجم تهوري وجنوني تجاه الكتب ..
" عفواً يا سيد "
" هل تساعدني أريد بعض الكتب "
" لستُ بصاحب الدار "
"  لكن صاحب الدار صديقك أليس كذلك ؟ "
" نعم ولكن كيف التسعير "
" لدي الحل هنا عبر تطبيق المعرض توجد الأسعار "
" جيد جداً تعجلي بالله عليك "
التقط المجموعة  القصصية المترجمة للصديقة بثينة، وألمحه:
حسن مطلك قافزاً على شاطيء بحر أو نهر دجلة متفجراً بالضحك والحياة كما تقول الصورة، قفزت صورته إلي صدري
" عفواً أريد هذا الكتاب أيضاً "
أتشبث بالكتابين كصديقين حميمين، أسترق النظر لغلافيهما، تطالعني صورة حسن القافزة من جديد .


الكتابة وقوفاً : تأملات في فن الرواية

قرأت لحسن مطلك أول مرة عبر يومياته : " العين إلى الداخل "، وقبل أن أكتب هذه التدوينة أعدت القراءة، أجتاحني مطلك، من المخيف حقاً أن تجتاحك روحٌ مثل روحه، يناديك لتشتري كتابه تلمحه من بين عشرات الأغلفة المصفوفة فتلتقطه وكأن قوى خفية تُسيطر عليك .
في " الكتابة وقوفاً : تأملات في فن الرواية " يكتب حسن  عن الرواية أو كما يقول أخيه الروائي محسن الرملي : أنت تتجول في جمجمة كاتب و تسمعه يفكر بصوت مسموع . كتابٌ خاص وحميمي يتناول الرواية من وجهة نظر خاصة، آراءه تجاه الفن الروائي ومالذي تعنيه الرواية له، الكتابة والرواية ؟ الفلسفة والرواية القراءة والرواية ... من الجيد حقاً أن تتجول في مخ روائي.
انتصف في الكتاب، تتميز كتب حسن مطلك بحجمها المتوسط إلا أن عمق وحساسية ما بها يدفعك لقراءتين وثلاث وهذا ما أفعله مع يومياته حالياً .

***

 أليس في كتاب العجائب

القصة التي يحلم أن يكتبها كُل كاتب، ويجب أن يقرأها كل القُراء ... يا إلهي المخيلة التي كان يملكها لويس كارول فظيعة حقاً وتدعو للرهبة، القصة المعروفة لا تُعفيك من قراءة العمل الأصلي وحبذا لو كانت مرفقة برسوم السير جون تنيل .
نسختي من دار سمير للناشئة ١٠٠ ص، بها العديد من الأخطاء اللغوية لكن الغلاف والرسوم داخل النسخة هما ماحضني على إقتنائها .

فيزياء الحزن ـ غورغي غوسبودينوف

رواية السيرة الذاتية العجائبية، لكاتب بلغاري يُترجم لأول مرة للعربية .. عبر مايُسمى بتقنية تيار الوعي السردية نسبر غور حياة هذا الكاتب وحيوات أخرى ... أعدكم بقراءة مفصلة في تدوينة خاصة.
إصدار دار أثر

العجوز والبحر ـ أرنست همنجواي

أخيراً أقرأ همنجواي! أتعلمون : الكاتب الحقيقي هو من يحفر قصته داخل رأسك. أقرأ الرواية القصيرة لهمنجواي و ... حسناً أيها الكاتب المغرور ماالجديد في قصتك ؟ عجوزٌ منحوس لا يصطاد لفترة طويلة من الزمن، ثم يصطادد سمكة ضخمة وتلتهمها القروش.
العجيب في هذه القصة البسيطة من وجهة نظري حال الفراغ منها أنها سكنتني بشكل مرعب كاملة التفاصيل بدقة شديدة، صوت الزعانف وهي تخبط المحيط، دوران السمكة حول قارب سانتياجو العجوز، طعم السمك النيءفي فمه، جروحه الفظيعة في كفه اليُسرى جراء تشبثه الطويل بحبل الصيد الخشن، حوارات الصياد مع المارلين الرهيبة ويأسه المخيف حين غدت هيكلاً من الغضاريف في نهاية الرواية .
رغم بساطة القصة إلا أن ٩/٨ من جبل الرواية المخفي حسب نظرية همنجواي النقدية كان مهيباً حقاً .
الرواية في ١٠٧ ص قرأتها في يومين إصدار آفاق المصرية، بترجمة مُعتنى بها للمترجم المصري محمود حسني.

مئة عام من العُزلة : جائحة الأدب

الكتابة بعد قراءة قديمة لعملٍ كثيف هي عملية أشد إرهاقاً وكثافة من قراءة العمل نفسه، هذا ما أستشعره وأنا أحاول الكتابة عن أسطورة ماركيز : مئة عام من العزلة . يُخيل إلي أن سر خلود الروايات هي القدرة الكاملة على الخلق ولكنه طبعاً خلقٌ بالكلمات، لكنه حقيقي جداً كما هي الحياة. الرواية الأسطورة هي الحياة لكن بمنطق الأدب وخيالاته،  وهذا سر خلود الملاحم الروائية: أنها حياة كاملة .
ماركيز يكتب دنيا تُحدث فقط في عالم قرية موكوندو عبر ستة أجيال لعائلة بوينديا، العائلة التي يلاحقها نحسٌ أذناب الخنازير لو تزاوج فردان من العائلة ذاتها، الأم الكبيرة ( الجدة أورسولا ) هي في الحقيقة بطلة هذه الملحمة وأسطورتها، تكافح عبر مئة عام وأكثر أربع جوائح تجتاح عالمها : جائحة الموز، الأرق، المطر، النسيان ...إن كنت ياصديقي مفلساً من الكتابة والكلمات عاجزاً عن الكتابة إقرأ جوائح الأدب . إذن هاهي: لا تكتب ؟ إقرأ جوائح الأدب .
إحرصوا كذلك على قراءة ماركيز بترجمة صالح علماني، وحتى لا تقعوا في خطأ التخبط مثلي بين البوينيدات والأورسولات إطلعوا علي شجرة العائلة الأسطورية في نهاية الرواية .


***
النهاية

شهرٌ كامل بلا تدوينات، أتعشم أنه كمون ماقبل الإنفجار. حدث آنذاك أن قابلت فتاة مختلفة اسمها نور الحياة، وحضرت ورشة عمل عن العمل الحر للكاتبة العبقرية هيفاء القحطاني، ووضعتُ تصميماً مبدئياً لحجرة آمالي وقراءاتي والإنقطاعات الطويلة للكتابة، وإشتريتُ فقط ٩ كتب هذا العام من معرض الكتاب.




تعليقات

  1. اتصال آمن مع أنظمة الاتصال الداخلي للمنازل والشركات

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

( سرير الأشباح ) ... قصة قصيرة

أحسّ بموجة هواءٍ حارة ، عرف أن النافذة جواره فُتَحت لثانية ثم غُلَقت ، حاول أن يرفع رمشيه الباردين ، حاول أن يقاوم ثِقَل المرض الماكث في خلايا جفنيه ... ، حاول ولم يفلح ، تمنى أن يرى الدنيا من نافذة السيارة المُسجّى على مرتبتها .. كان رأسه يقع تحت كوتها مباشرة ، مرة ثانية أحس بشيئٍ حار يلسع وجهه دون أن يشم الهواء ، عَرَفّ أن الشمس نجحت في مقاومة غيمة وتبديد ظلمتها الرمادية . أعياه الإحساس المشلول بالأجساد والأشياء حوله ، تمنى لو يُقَطِعُ جسده ، يفتته إلى قِطّع صغيرة ، ثم يبعثر ذاته في الفضاء عبر النافذة حتى لا يبقى منه سوى دُفقة نور ... روحه المُنهكة ! حينها قد تفضحه رائحة المرض والسرطان الذي سكن هيكله المسكين بضع سنين ، ودمّر حياته ، حتى أنه ذاق الموت أو كاد مراتٍ عديدة... أصطدمت رأسه بالمرتبة الأمامية بفعل القصور الذاتي _ حين توقفت المركبة _ ... ماذا قُلت ؟؟ قصور ذاتي ؟؟ لازالت العلوم الطبيعية تحفر عقلي ، وتُذَكرني بأني كنت مُدرساً محبوباً لمادة العلوم ..احترق جفنّاي، لابد أن الدموع تثابر لمقاومة الصمغ المتلبد بين الرموش .. أحسست بيديّ إبني سعيد وهو يتحسس قدميّ ليطمئن عل...

نجار في رأسي (47)

أقرأ النباتية(١) الآن. كُنت قد قطعت شوطاً طويلاً حتى وصلت إليها مُعتبرة قراءتي لها الآن احتفاء بمثابرتي كما يجب: ١٥ كتاباً خلال ٥ شهور بواقع ٣ كتب شهرياً. *** تنتمي هذه الرواية لأدب الكارثة، وهي ثاني رواية  كارثية أقرأها خلال الفترة السابقة بعد رواية خرائط يونس للروائي المصري محمود حسني. في كل مرة أحاول التدوين تفترسني رغبة الحديث عن الخمسة عشر كتاباً! فأتبلبل وأضيع، تجاوزت معضلتي هذه بصعوبة في رمضان، ورغم التدوينة الرمضانية المحشورة محاولة مني لنفض غبار رأسي واستئناف الكتابة إلا أنها أتت كمن يطهو للمرة الأولى  ديك رومي ليلة الميلاد! لم أطهو ديكاً رومياً ولا مرة، إلا أن مشاهد ليلة رأس السنة  في الأفلام والمسلسلات جعلتني أقيس التجربة بخيالي وأقيم صعوبتها العظيمة، والتي لا يمكن مقارنتها بأي طبقٍ محلي أو عالمي أعرفه، ومارأيت من لذة في تلك الليلة من تناول لحمٍ طري كالزبد قد جعلتني ألمس صعوبته وتطلب إحساس الطاهي الرقيق في صنع الطبق... ليلة عيد وطبق مستحيل وثلج! معضلة متشابكة تشبه المشاريع الكتابية التي أؤجلها كل مرة، تدوينات ومقالات أحلم بتدوينها. أنا نجار فقد مهارة قطع...

أَكتُبْ كما لو كُنتْ في التاسع والعشرين من مايو (34)

هذه التدوينة عبارة عن مسودة ، كنت أشطب وأكتب وأضيف فيها طوال شهر مايو، ولمّ تُنشر إلا الآن ... العجيب ما حدث في مايو ! حيث تضاءلت كتاباتي وتدويناتي اليومية الخاصة فيما تصاعدت وتيرة قراءاتي، لتكن العلاقة بين القراءة والكتابة عكسية، لكن الأهم أن يبيقيان ضمن إطار علاقةٍ ما ...هذه التدوينة عبارة عن ماحدث مع القراءات في شهر مايو.. في هذا الشهر واللذي يصادف شهر رمضان ستكون قراءتي مرتكزة على كتابين : أسطنبول: الذكريات والمدينة لباموق، ومن شرفة إبن رشد للكاتب المغربي عبد الفتاح كيليطيو . *** خمسة أصوات ـ غائب طعمة فرمان قرأت هذاه الرواية بتدفق وإنهماك ثم توقفت قرابة الشهر .. لماذا ؟ لقد ضاع الكتاب في سيارة أحد إخوتي، لأجده بشكلٍ غرائبي داخل درج خزانتي .. صحيح أن رعدة سريعة مرت بي وأنا أتأكد من أن الكتاب هو ذاته كتابي ... لكنني إبتهجتُ جداً حين تأكدت من أنه هو : كتابي البنفسجي الضائع . قراءةٌ أولى لغائب، لقد أهداني أحد الأصدقاء هذه الرواية، طوال القراءة كان يمر بي طيف نجيب محفوظ، إنه يشبه سرد محفوظ إلى حدٍ ماـ خاصة في رواية ميرامار ـ حيث تتعدد أصوات الرواة كما فعل غائب متنقلاً بين خمسة ...