التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المشاركات

عرض المشاركات من يوليو, ٢٠١٢

عن أحاديث الحمام

" كلِ الأشياء يُمكن مطْ زمن فعلها  بالتأجيل إلا ثلاثة : الموت، العمل، والكتابة ! "   هيفا   تنقرُ أصواتُ العصافير، والقطة، وجملة مانغويل * ذاكرتها . أنا : تدوينتها هذه : " رصاص العصافير " ، وصوتُ الحمامات اللجوجات في المطبخ يجعلً ذاكرتي تسيلُ بالأحداث، والألوان، والروائح، وطعم قرص البرّ المدهون بزبد الغنم الذي تصنعه جدتي .. لازالت رائحة قرص البرّ ذاك يحتفظ بعبقه في أنفي، حين تضع جدتي قدر الألمنيوم على الأرض وبجانبه صينية الأكواب وإبريق الحليب، كنتُ فتاةً كسولة أحبُ النوم لذا غالباً لا أظفرُ إلا بقرصٍ وحيد غطته أمي لي بورق الألمنيوم قبل أن تتناهشه الأيدي، أتناوله مع عددٍ كبير من حبات التمر من صحن تمر قهوة جدي  رحمه الله. يحصلُ أن أسبق الجميع  للإفطار اللذيذ إن نمتُ الليلة السابقة في السطح فيتكفلُ ضوء الشمس ولزوجة الذبابات اللاعقات لوجهي البارد بإيقاظي ،لا تفلح خيوط الشرشف الوردي الواهية في درأها عن وجهي، فأستيقظ لأجد خالي الذي يكبرني بأربعة أعوام أسفل السلم متعلقاً بأعمدته وهو يقول : ( أحسن، صحاك الذبان !). كنتُ الحفيدة الأولى في بيتِ أخوالي، أ

14

عيناي تحرقاني بسبب الجفاف، وأغسطس اللاهب لم يبدأ بعد. تقولُ امي نقلاً عن جدتي بأن هذا نجم " طباخ الرطب ".. لمّ يكونوا فارغين ليهرعوا لثقافات وتقاويم غيرهم كما نفعل نحن، حين نؤمن بأن شدة الحرّ تقدمت او تأخرت وفقاً للشهر الميلادي .. كانت لهم نجومهم وتسمياتهم، وأمثالهم، كانوا غنيين جداً رغم بعدهم عن الآخر.. الآن نحن ممتزجين بكل العلوم والحضارات ونبدو كما لو كنا بيض الهوية، نهرع لثقافت غيرنا وننسى ماقالته الجدات بحمكتهن، ننسى سعد الذابح والمربعانية، وطباخ الرطب .. ونتعلق بحبال الأبراج الصينية، ونؤرخ أحداثنا الصيفية والشتوية وربيعنا وخريفنا وفقاً لأغسطس اللاهب وأعياد ليلة الميلاد ! ***  كنتُ في دبي قبل شهرٍ ونصف تقريباً ... دخلتُ مكتبة عالم الكتب " Kinokuniya  " في مجمع دبي مول التجاري، عبر بابها الصغير قياساً بالعالمِ داخلها .. لستُ أدري كيف مشيتُ بين آلاف الكتب هكذا ببرودٍ آلي .. العجيب أني أتجهتُ في البداية لقسم الكتب الإنجليزية، كُنتُ أبحثُ عن كتاب لصنع وصفات إفطار شهية قرأتُ عنه في أمازون، لستُ أدري لم أتخذ عقلي هذا  الكتابُ خياراً أولاً، هل رأيتُ في

13

 يقولُ آلبرتو مانغويل أنه أمضى سنتين في ترتيب مكتبته... ليس ملوماً حين فعل ذلك، فأنت حين ترتب مكتبك تُمارسُ إكتشافاً مبهوراً بذكريات قراءاتك، وكتبٍ غاصت في الأكياس والصناديق لتقفز بين يديك كهديةٍ من السماء حين تكتشف أنك لم تقرأها .. أنت تكتشفُ إحساساً لذيذاً بالفخر حين تهمس لنفسك : انا قرأتُ كُلَ هذا ! *** وانا أرتب الكتب في رفوفي الجديدة أكتشفت إمتلاكي لمجلدي الجريمة والعقاب لدستويفسكي، كنتُ أحسبهُ حُلماً ! *** الفترة التي لم أكتب فيها عن قراءاتي كنتُ بطيئة جداً في القراءة، أو أن الكتاب لا تفيه قراءةٌ سريعة ... حيرتني رواية أوريل 1984 ولم أكتب عنها بل كتبت ماتلاها من الكتب المقروءة..قبل البدء في الرواية قرأت عن جورج أوريل مقالاً مثيراً في جريدة المدى، في هذا المقال المترجم عن جريدة الغارديان كُتبت قصة كتابة جورج لهذه الرواية، لن انقل أية تفاصيل من المقال فمن الأجدى قراءته كاملاً هنا ا   جورج أورويل .. و عذابات "1984" القاتلة حين عرفتُ بموت أوريل مباشرة بعد كتابته لتلك الرواية في عزلته البعيدة بـ أسكوتلندا تسرب لحلقي بعض المرارة، وأكبرتُ إخ

مواطنة متلبسة بالقراءة *

وسيفيضُ فمي بالكلام وأنا لا أعلم، إن لم أدونه على ورقة حقيقية كانت أم إفتراضية .. تحكي الحكاية عن صورةٍ ساذجة لإمرأةٍ خالية من الزينة شعرها قصير، وترتدي بنطالاً من الجينز تقفف دون إبتسامة بعينين ضاحكتين أمام مكتبة، القميص القطني الأصفر الذي ترتديه سيقفز من الصورة لولا تكة فلاش الكاميرا .. الصورة جمدت تلك اللقطة قبل أن تستدير المرأة وتهرب بكتاب ! تحملُ معها رواية لكاتبٍ تركي ، بعد أن أنهت رواية " البحث عن وليد مسعود " .. تعودُ لتلتقط من رف المجلات مجلة قرأت فيها بيتاً لفاطمة قنديل : " إيه .. وأخيراً اصطدتُ الألم ! " .. تصرُ أسنانها ببعض، تهرع لتبتلع مسكناً من الثلاجة وأسنانها تصرخ، تعود لأريكتها وفي يديها رواية وبجانبها مجلات ومذكرة صغيرة وقلم.. تحت المجلات يقبع كافكا مثل حلم منتصف الليل، بشفتيه الرفيعتين المتلاشيتين، وجبينه الدائري الواسع، وأذنيه النافرتين للخارج... يناديها لتقرأ ماكتبه ذات يومٍ سابق وركبتيه تحتكان بطاولة الكتابة، تفتح بعشوائية على الصفحة 263، تقرأ : ( الخامس عشر من آب.. آلام السرير قبيل الصباح. كنت أرى الحل الوحيد في القفز من الناف