التخطي إلى المحتوى الرئيسي

شتاء بلا بطانية، التحول من خفاش لعصفور (40)

أسعى لتغيير عاداتي، حتى أتمكن من إستغلال وقتي جيداً، عدد ساعات قراءة أكثر، الجري يومياً والنوم في الليل ..
 يبدو ذلك مستحيلاً إذا ماعلمتم أنني كائن ليلي عتيق، كان الليل رفيقي في تقليب الصفحات ، والتأمل الصامت وحتى الرياضة، كان محفزي دائماً ووقت مخاض القصص الموحش ... كان سفري الأخير تجربة : هل أستطيع أن أتحول لكائن صباحي ؟
حسناً لأحكي لكم ذلك :
كُنتُ أتبعُ نمطاً ثابتاً طيلة ٢٠ يوماً، أستيقظ صباحاً، تكون ساعة الإستيقاظ الأولى هي الأنسب لتسجيل يومياتي، حيثُ الذهن صافٍ كصفحة نهر .. والهدوء لايقطعه سوى تغريد العنادل، تبدو لحظة الفراغ تلك، المتجلية بوضوح فورة الإستيقاظ لحظة جلاء وتدفق، حتى أننني حين أراجع ما كتبته في الليل أتعجب ، وأتساءل عبر نصيحة يوسا  : " إبحث عن أسلوبك الخاص  !" هل هذا أسلوبي الخاص بعيداً عن قوالب الكتب التي أقرأها أثناء الكتابة ؟
بالمحصلة كانت تلك تجربة ناجحة، أنام في الليل وأستيقظ صباحاً، مرة أيقظتني رائحة الخَبز في مراكش، كان ذلك منبهاً عجيباً ولذيذاً وله رائحة طرية، قرأت عبر مقال للإستيقاظ باكراً أن توقيت آلة القهوة لتصنع لكَ كوباً أحد الحلول المُجدية ، ضجيج الآلة و عبق القهوة كفيلان بمهمة إيقاظك... إذن الرائحة مُنبهٌ جيد .
علمتُ لما كانت تلك الفترة مجدية في محاولة جسدي وعقلي للتخلي عن عادة السهر وإستبدالها بالصحو مبكراً، وإيجاد تلك اللحظة الغريبة صباحاً لولادة الأفكار ... فقد علمت أن ٢١ يوماً كافية لخلق وكسب عادة جديدة حسب علماء السلوك الإنساني .. وقد إستغرقت رحلتنا حينذاك ٢٠ يوماً .

نهايات الأسابيع هي تحديي الخاص ... الإلتزام بساعة النوم في الليل والإستيقاظ قبل الشروق، لا أستطيع القراءة أبداً وأنا في بيت العائلة أسبوعاً خلف أسبوع، إحدى النصائح : البحث عن روتين مابعد الإستيقاظ يُبقيك يقظاً! يبدو الإنغماس في الكتاب فوراً حلاً لطرد النوم، إنه خطتي لطرد النعس نهايات الأسبوع المزدحمة والإستمرار دون إنقطاع في القراءة ..
البرد الشديد  يدفعك للبحث عن الدفء وراء الأغطية لينسف دماغك أي فكرة للصحو في الصباح ، ينتهي ديسمبر وأنا أنام دون لحاف ثقيل  كما جرت العادة كل سنة، مالذي يحصل ؟ لا أدري لكننا الآن في يناير و قسوة الشتاء بلغت الذزوة ولا زلت أنام بغطاء خفيف يسهل إنتزاعه، والتخلي عنه لإنك ببساطة لن تجد العش الدافيء تحته ... هل كان ذاك مُجدياً ؟ نعم كان ذلك جيداً جداً دون تخطيطٍ مسبق مني .. الخطوة التالية : تخلّ عن الألحفة هذا الشتاء خصوصاً لو كنتم مدمنين للغطس تحت طبقات الأقمشة ـ مثلي ـ في الصباحات الباردة .

***

أبلغ منتصف " موبي ديك " ولم يقتل آخاب بعد الحوت الأبيض المهيب الهائل، أشعرُ أحياناً أنني أقرأ موسوعة تاريخية عن صيد الحيتان وليس رواية، لكن مايدفعني للتقدم  هو المشهد الأخير : لقاء آخاب بموبي ديك الأسطورة  ... غرس حربة الصيد في جثته الملساء الرهيبة ... نوافير الدم وخطوات آخاب الحَجَلة وهو يقهقه بجنون ويشرب خمر الحواتين الشهير وأشداقه تسيل بفوضى سعيدة ... ثُم من إسماعيل الراوي ؟ وماذا ستكون ردة فعل إسطب ؟ وكيف سيبرهنون على مقتل الحوت الآتي من عالم الغيب حينما يصلون لنانتوكت ؟ ... إنني أستمرُ في القراءة الموسوعية لأجل ذلك .
 عشيقات ماضي بينيديتي البعيد .. أقرأها مصاحبة مع موبي ديك ، أُمرن عضلاتي الوهمية القرائية لإبتلاع موسوعة صيد الحوت الضخمة، أقرأ وكأني أبتلعُ الهواء ... لاشيء يبقى في دماغي أبداً من هذه القصص، كُل شيء يذوب كالدخان ويضمحل، قصص كثيرة وقصيرة فعلاً لا تتجاوز ال ٥ صفحات كحدٍ أقصى ، ؤأكثرها صفحةٌ واحدة، أقتربُ من النهاية  ... أكتشفُ وأنا أقوم بعملي من المنزل وأنهي واجبات المطبخ في آن أني أصبحت أكثر تعقلاٍ، متساهلة مع مجريات الحياة الكثيرة الرهيبة والتافهة، أفكر ببساطة أكثر وأتصالح معها وأمضي .

من رواية : "صيف ذلك العام "


قبلها قرأتُ رواية طاهرة علوي " صيف ذلك العام " تتميز طاهرة  ـ كما لاحظت من النبذة المدونة خلف الرواية الصادرة عن دار المتوسط / إيطاليا ـ بعناوين جذابة لكتبها، بسيطة وبها حٍسٌ أنثوي لطيف وعميق ... الرواية  عن فتاة إيرانية  تدرس في باريس تسكن في نزل لعجوزٍ أسباني ، يقتحمُ حياتها قاريءٌ أفغاني ضئيل، يعيشان في حجرة مشتركة بجمود وكراهية مبطنة، حكايتها مع نعيم الأفغاني، حياتها في باريس، حكاياتها مع سكان النزل المهاجرين لفرنسا، عملها في مقبرة الموتى ، ومضات من العودة لماضيها.
  تلك تفرعات الرواية ، سبكٌ جيد، ترجمة ممتازة، طباعة رائعة، ألا أن شيئاً لم أحدد ماهيته تفتقده الرواية . ولذا منحتها نجمتين حسب تصنيف الغودريدز. لعله عدم وضوح الهدف في الرواية، أو تشتت البطلة التي هي راوية القصة في أكثر من محور، ربما كان أيهما السبب .

***

 "كُنت أنام في المكتبات العامة وتوقظني أمينة المكتبة وأمامي أكوام الكتب ومجلات القافلة والفيصل، والحكايات المقطومة التي قطعها نومي ولمّ أكمل قراءتها .. قبل عدة أيام عدتُ لمكتبة الكُلية العامة ... العجيب أننا في الليل!!
و كما هي عادتي أغفو وأنا أقرأ و أسقط في بحرٍ أسود ... يوقظني العجوز المجنون شارب الأدمغة ذو النقط السوداء الراقصة علي وجهه يسألني بنعومة عمّا أقرأ، أتلعثم وقلبي في حلقي ، أجيبه بأني أقرأ وصفة عن تحضير مرقة الشومر، أقفز في المطبخ وأرى نفسي أقطع الشومر بساطور وأقطع العصافير حية ... أصرخ وأستيقظ وأنا متكومة كقطة "
هذا ليس مقطعاً من قصة هذه حقيقة كابوس زارني بعد القصة الطويلة لموراكامي " المكتبة الغريبة " ... هل يكفيكم هذا الحلم لالتهام هذه القصة الفظيعة بترجمة المبدع  يونس بن عمارة ؟

***


أقرأ مئة عام من العزلة أخيراً كنتُ بحاجة لمن يدفعني لإلتقاطها وقد كان ..

تعليقات

  1. اتصال آمن مع أنظمة الاتصال الداخلي للمنازل والشركات

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

( سرير الأشباح ) ... قصة قصيرة

أحسّ بموجة هواءٍ حارة ، عرف أن النافذة جواره فُتَحت لثانية ثم غُلَقت ، حاول أن يرفع رمشيه الباردين ، حاول أن يقاوم ثِقَل المرض الماكث في خلايا جفنيه ... ، حاول ولم يفلح ، تمنى أن يرى الدنيا من نافذة السيارة المُسجّى على مرتبتها .. كان رأسه يقع تحت كوتها مباشرة ، مرة ثانية أحس بشيئٍ حار يلسع وجهه دون أن يشم الهواء ، عَرَفّ أن الشمس نجحت في مقاومة غيمة وتبديد ظلمتها الرمادية . أعياه الإحساس المشلول بالأجساد والأشياء حوله ، تمنى لو يُقَطِعُ جسده ، يفتته إلى قِطّع صغيرة ، ثم يبعثر ذاته في الفضاء عبر النافذة حتى لا يبقى منه سوى دُفقة نور ... روحه المُنهكة ! حينها قد تفضحه رائحة المرض والسرطان الذي سكن هيكله المسكين بضع سنين ، ودمّر حياته ، حتى أنه ذاق الموت أو كاد مراتٍ عديدة... أصطدمت رأسه بالمرتبة الأمامية بفعل القصور الذاتي _ حين توقفت المركبة _ ... ماذا قُلت ؟؟ قصور ذاتي ؟؟ لازالت العلوم الطبيعية تحفر عقلي ، وتُذَكرني بأني كنت مُدرساً محبوباً لمادة العلوم ..احترق جفنّاي، لابد أن الدموع تثابر لمقاومة الصمغ المتلبد بين الرموش .. أحسست بيديّ إبني سعيد وهو يتحسس قدميّ ليطمئن عل...

نجار في رأسي (47)

أقرأ النباتية(١) الآن. كُنت قد قطعت شوطاً طويلاً حتى وصلت إليها مُعتبرة قراءتي لها الآن احتفاء بمثابرتي كما يجب: ١٥ كتاباً خلال ٥ شهور بواقع ٣ كتب شهرياً. *** تنتمي هذه الرواية لأدب الكارثة، وهي ثاني رواية  كارثية أقرأها خلال الفترة السابقة بعد رواية خرائط يونس للروائي المصري محمود حسني. في كل مرة أحاول التدوين تفترسني رغبة الحديث عن الخمسة عشر كتاباً! فأتبلبل وأضيع، تجاوزت معضلتي هذه بصعوبة في رمضان، ورغم التدوينة الرمضانية المحشورة محاولة مني لنفض غبار رأسي واستئناف الكتابة إلا أنها أتت كمن يطهو للمرة الأولى  ديك رومي ليلة الميلاد! لم أطهو ديكاً رومياً ولا مرة، إلا أن مشاهد ليلة رأس السنة  في الأفلام والمسلسلات جعلتني أقيس التجربة بخيالي وأقيم صعوبتها العظيمة، والتي لا يمكن مقارنتها بأي طبقٍ محلي أو عالمي أعرفه، ومارأيت من لذة في تلك الليلة من تناول لحمٍ طري كالزبد قد جعلتني ألمس صعوبته وتطلب إحساس الطاهي الرقيق في صنع الطبق... ليلة عيد وطبق مستحيل وثلج! معضلة متشابكة تشبه المشاريع الكتابية التي أؤجلها كل مرة، تدوينات ومقالات أحلم بتدوينها. أنا نجار فقد مهارة قطع...

أَكتُبْ كما لو كُنتْ في التاسع والعشرين من مايو (34)

هذه التدوينة عبارة عن مسودة ، كنت أشطب وأكتب وأضيف فيها طوال شهر مايو، ولمّ تُنشر إلا الآن ... العجيب ما حدث في مايو ! حيث تضاءلت كتاباتي وتدويناتي اليومية الخاصة فيما تصاعدت وتيرة قراءاتي، لتكن العلاقة بين القراءة والكتابة عكسية، لكن الأهم أن يبيقيان ضمن إطار علاقةٍ ما ...هذه التدوينة عبارة عن ماحدث مع القراءات في شهر مايو.. في هذا الشهر واللذي يصادف شهر رمضان ستكون قراءتي مرتكزة على كتابين : أسطنبول: الذكريات والمدينة لباموق، ومن شرفة إبن رشد للكاتب المغربي عبد الفتاح كيليطيو . *** خمسة أصوات ـ غائب طعمة فرمان قرأت هذاه الرواية بتدفق وإنهماك ثم توقفت قرابة الشهر .. لماذا ؟ لقد ضاع الكتاب في سيارة أحد إخوتي، لأجده بشكلٍ غرائبي داخل درج خزانتي .. صحيح أن رعدة سريعة مرت بي وأنا أتأكد من أن الكتاب هو ذاته كتابي ... لكنني إبتهجتُ جداً حين تأكدت من أنه هو : كتابي البنفسجي الضائع . قراءةٌ أولى لغائب، لقد أهداني أحد الأصدقاء هذه الرواية، طوال القراءة كان يمر بي طيف نجيب محفوظ، إنه يشبه سرد محفوظ إلى حدٍ ماـ خاصة في رواية ميرامار ـ حيث تتعدد أصوات الرواة كما فعل غائب متنقلاً بين خمسة ...