التخطي إلى المحتوى الرئيسي

يومياتي في المغرب(٢)

١٧ أغسطس / ١٤ ذو القعدة :
بعد نومة خفيفة ولذيذة كالعسل .. يستقبلني بهو الفندق بالإفطار، وصوت ماجد الرومي وبطبطة البط ... في المغرب تجد ريش الطيور في كل مكان، أجده في السيارة، وفي باطن فردة الحذاء وعلى رأس ولدي ... المغرب بلد الكائنات المهاجرة، اللاجئة نحو الجمال، نحو الحياة الغضة، البسيطة، اللذيذة بإكتشاف لذة بكارة الأشياء .
ننطلق نحو غابة إفران الوطنية، القرود البربرية النادرة الشقراء حولنا في كل مكان، أبحث عن سنجاب وأنا أتبع أسرتي الراكبين فوق الخيل، أجدُ فراشة صفراء... خنافس روث صغيرة... العالم يبدو لي كخطوط اليد لكل منها تعرج، سائسو الخيول يهزجون بالأمازيغية، لغة جبلية متوحشة، نصل لعمق الغابة ... شعورٌ غريب كأني وحدي في هذا العالم، الغابة الفسيحة الخالية إلا منا، تُلح علي فكرة القتل في هذه الغابة، يستطيع هولاء السائسون قتلنا أو على الأقل سرقتنا وتركنا نهيم على وجوهنا .. لكننا لم نخف ولم أحس أنهم سيفعلون هذا الشيء لماذا نشعر بالأمان معهم ؟
نصلُ لأكبر شجرة أرز في إفريقيا، أقتني كوخاً من الصنوبر كهيئة بيوت إفران، نتجه بالسيارة لبحيرة عين أربال، نبحث عن البطات البعيدة الخائفة، يكفينا صوتها، نكمل الجولة بالسيارة في مدينة أزرو أشاهد الريف وصبية الريف على سطوح المنازل الواطئة، ونشاهد أعداداًكبيرة من طائرٍ أبيض شبيه بالبط قال لنا السائق أنه يُدعى بطائر الدود البقري، لأزرو رائحة الطين والورد والخزامى .. مدينةٌ غضة .
ليلاً :
نزور مقهى شعبي داخل مدينة إفران، في صدر المقهى عُلقت صورة بالأبيض والأسود لشاب ذو ملامح موريسكية غاية في الوسامة... تأتِ النادلة، إنها تشبه الشاب في الصورة، الفتاة غاية في الملاحة ببشرتها الصافية وشعرها وعينيها الأسودين، أسألهاعن الصورة ـ الذي حدست من كونه أباها أو قريبها من الشبه الواضح... تقول لي وهي تشير للصورة : "نعم، هو جدي مؤسس المقهى " .
أتعشى فوندو وآيسكريم، و أشرب شاي اللويزة المرخي للأعصاب وأغرق في الظلام .                  


١٨ أغسطس / ١٥ ذو القعدة :
١٠صباحاً :

خارج الزمن، في حجرة الحمام المغربي والمساج .                                              

***

نتجه لمكناس، أتوق لزيت الزيتون المكناسي والجلديات، تحظى هذه المدينة بسحرٍ غريب مابين السلع والأسواق والمآثر التاريخية، لذا حجزنا ليلة أقضيها في رياضٍ *بمكناس، نصلُ بعد عناء، الرياض يقع في بطن أزقة مريعة في المدينة القديمة، بيتٌ مغربي صغير يملكه فرنسي وتعيش فيه عائلة مغربية، الأم والأب وابنتهما، يصل الأب المخول بالنزلاء، يرتدي ثوباً ناصع البياض... حسناً ياصديقي لم يفلح بياض ردائك ليخفي وجهك الكامد المتجهم ! أتوجس .. أطفالي معي وعلى ظهري حقيبة رياضية ... الرياض بيتٌ طيني يعبق برائحة غريبة غامضة، حسناً نرفض السكن ونشتكي للشرطة ... فوضعهم لنمرة هاتف في فرنسا وعدم إجابتهم لنا مما تسبب في ضياعنا وضياع الوقت خطأ تعاقب عليه هيئة السياحة، الشرطي مربوعٌ قصير.. يقترب من الرجل يحاوره بخشونة ويرد عليه بخشونة يدفعه الشرطي في باصٍ صغير للمحتجزين ... نغير وجهتنا بعد غداء سريع في ماكدونالد مكناس، ونتجه للرباط ..

***
مساءا ً :
الليل ياشكري... ليل الرباط البارد ... فندقٌ صغير حارسه رجلٌ عجوز طيب، نستريح حتى أرغمنا الجوع  على الخروج، ذهب صاحبنا السائق لعائلته في ضاحية تمارا قرب الرباط، نبحث في ليل الرباط الرطب عن عشاء، أشتاق لطبق الحمص الشامي ... نتخبط حتى كُنا أن ندلف كازينو صغير، وبكل ذعر يأتي صاحبه ليدلنا علي مطعمٍ لذيذ في زاوية الشارع ... غاصاً بالعائلات المغربية التي تتناول عشاء الخميس خارج البيوت ... طبقٌ مشويات لذيذ، الأهم روح النادل الرفيع، سريع الحركة كسعدان كانت مشجعة لنا لتناول المشويات الرباطية ونسيان الحمص مؤقتاً .


١٩ أغسطس / ١٦ ذو القعدة :

العودة للرياض مرة أخرى !
نغادر الرباط بعد الإفطار في حديقة الفندق، البيض لذيذٌ جداً، و لو عُدت يوماً للرباط فسأفطر في هذا الفندق الصغير ذو النجمات الأربع .... نصلُ مراكش، مدينةٌ هائلة، تبدو كحوتٍ أحمر يبتلع الناس، إقامتنا المفروض أنها في رياض ضمن الخطة المسبقة للرحلة قبل شهرٍ تقريباً، قبلنا التحدي مرة ثانية متوجسين بعد تجربة رياض مكناس، نصلُ لساحة الفنا، الرياض في زقاقٍ بعيد... يصل مندوب النزل بعربة صدئة وقذرة يدفعها حمالٌ عجوز، " أهمس في عقلي " عيشي التجربة كاملة يافاطمة "،  أبتلع توجسي وأستجمع أحاسيس المغامرة المُكدسة فيّ منذ الطفولة... المندوب شابٌ بشرته محروقة نظرته عابثة ويهرش بطنه عند الشعور بالحرج، لكنه مبتسم ... حسنا ً هذه شارة طيبة، نتبعه عبر الأزقة، شوارع وبيوتٌ صغيرة طوبية اللون، قططٌ مفقؤة الأعين، وأخرى كالجثة يسيل منها سوائل المخاض وبالقرب قطيطات كقطع اللحم، روائح ساخنة وكريهة، أعاود الهمس في عقلي : " إنها مغامرة، لنصل للنهاية" نصل المكان، بابٌ قاتم، معدني عتيق .. يفتح محمد الباب بالمفتاح، تستقبلنا رطوبة منعشة وروائح صابون الغار الجميلة، بهوٌ خافت الضوء رغم أن الشمس لم تغرب بعد ... تخرج من العدم السيدة البلجيكية الضئيلة " سابيينا "، أمرأةٌ كهلة رقيقة في الخمسين، عينيها ملونتين و وجنتيها ورديتين وسط بشرتها الملوحة بشمس مراكش، ترحب بنا بالعربية، وترينا مكان السكن، أنا خائفة ... خائفة من أرواح القطط المريضة، وعيون البائعين الحمراء في الأزقة، أصف ُ لمدام سابيينا مخاوفي... تُطمئنني بنبرة صادقة، تقول لي لاتخافي من أعينهم فهم مساكين ولا حيلة لهم سوى النظر .. فقط تحذرني من الخروج بعد الواحدة... أقبل التحدي وأسكن في رياض مدام سابيينا، ذو التقييم العالي في بوكنج ... وصديق البيئة حامل المفتاح الأخضر معلقاً في البهو .

٢٠ أغسطس / ١٧ ذو القعدة :
وجوه مغربية
تجتاح المرء أحاسيس ملحة لكتابة اليوميات كلما تقدم في العمر، يبدو أني سأكون صديقة لدفاتر اليوميات. في الأمس قرأت قصة لشكري بعنوان " أزرو" من الجيد حقاً أن تقرأ عن أماكن زرتها وأناسٍ شاهدت من يشبههم أو يماثلهم، أزرو بالأمازيغية تعني الحجر، وهي بلدةٌ غضة بالقرب من مدينة إفران**، يكتب شكري عن نساء أزرو اللواتي يملكن وجوهاً حسنة وروحاً حجرية غير مبتسمة، قابلتُ في إفران إمرأةً حلوة في بهو أحد الفنادق، إبتسامتها متحجرة ومغتصبة، تنامى لدي شعور أنها تحاول خلق إبتسامة من العدم، ويكأنها لا تملك عضلات للإبتسام في وجهها وتجاهد لصنع مايشبه البسمة.

***
أُنهي كتاب شكري أثناء الطريق لشلالات أوريكا، منذ بداية الرحلة وأنا أصطدم بوجوه المغاربة، وجوهٌ لم أرى مثلها ولا أعرفها، كوجه فتاة في أوريكا، وجهٌ ساهم، إن معنى السهوم غيرُ دقيق أبداً، إناه وجه مملوء بالقرف والسأم ممزوجاً بمرارة العيش والريق والفقر، شفتاها يابستان، تكادُ تبصق على الحياة متى التقت عيناها بعيني أي أحد، بنطالها الجينز ينزلق عن خصرها النحيل وبطنها الضامرة ..
اشتريتُ من فتى أمازيغي زعتراً برياً، إن جفني الصبي المرتخيان نحو الأسفل وشفتيه البيضاوين تعرفني إلى شكلٍ من أشكال حياة البشر لم أرها سوى في المغرب، إنه وجهٌ من وجوه الشقاء والتفكير من أنه لايشغل تفكيرك وحياتك أي شيء، ليس هناك سوى الفراغ والفقر، والمطر والحب، والمستقبل من أنه سيكون مرشداً سياحياً جيداً في جبال الأطلس ... صوت الفتى مجروح ولغته الأمازيغية بائسة، إنه وجه من وجوه المغرب.

مساءاً :
في فيرساتشي هناك مغربي يمتد كرشه أمامه بقرف، يسأل البائعة عن رأيها في قميص فيرساتشي، الموظفة منقرفة من حياتها لكنها تجيد الإبتسام كما تجيد مدام سابيينا صاحبة الرياض البسمة بمهارة، إنها تملك القدرة لتقنعني أنها تبتسم من أعماق قلبها فيما قد تكون تحمل في الحقيقة قلباً متحجراً لا يبتسم أبداً !


٢١ أغسطس / ١٨ ذو القعدة :
الفطور اليوم رائع ومختلف، لحومٌ باردة، عنب وفواكه في عصيرٍ حلو، قطع جبن بلا طعم وقهوة، قبل أن أغادر الوطن أخذتُ معي كسرات من البخور الشرقي، سأترك في كل مدينة كسرة.. في الرباط : أعطيتها مليكة الطباخة في نزل الصخيرات الريفي، في طنجة تركتها في أيدي طباخات فندق طنجة،شفشاون تركت ثلاث كسرات في أيدي ثلاث أمهات قابلتهن في ساحة المدينة، أزرو في يد بائعة زيت الأركان في البازار الشعبي، أما في مراكش فقد تركتها في يد أمٍ وأبنتها على سبيل الشكر حين تركنني أصورهن وهن يخبزن خبز الملوي اللذيذ في مرتفعات أوريكا .


مساءاً :
أزرق ماجوريل
نطوف حديقة ماجوريل المزينة بالأزرق والأحمر الطوبي، أفكر أثناء ذلك في السبب الذي دعا الرسام الفرنسي لشراء هذه الحديقة في مراكش ... لقد قال عن هذه المدينة مفكرٌ أمريكي : " أنها المدينة الأغرب " إنها مدينةٌ غريبة حقاً، طوبها محمر وفي كل بقعة منها واحة أو حديقةٌ غناء ....ساحة الفنا عامرةٌ بكل شيء، بالأزرق والأحمر، والأصفر والأخضر، حتى ألوان الناس فيها ... هناك إفريقي أسود تمسك بيده أجنبيةٌ شديدة البياض حتى أن شمس مراكش نمشت يدها بقسوة، ترى الحواة وراقصي الأفاعي والحكواتية، عالمٌ مبعوث من ألف ليلةٍ وليلة ماضية، مصابيحُ علاء الدين تقابلنا في كل حانوت... يقابلها مخبز فرنسي ذو مظهر أرستقراطي يدخله رجالٌ كروشهم بارزة قليلاً ويلبسون ربطات عنق أنيقة، على الجانب الآخر رجلٌ ممزق سكران يتوسد الأرض... الميريديان يقابله في نقطة سوداء قصر البديع والباهية الأثريان، الرولزرويس بالقرب من عربة التوك توك " عربة الفقراء "، أو بجانب دراجة نارية تنفث دخاناً مريعاً ... حتي أنا منحتني هذه المدينة شيئاً من تناقضها، فأحببتها وكرهتها، مدينةٌ خلابة وبغيضة ....


٢٢ أغسطس / ١٩ ذو القعدة :
أستيقظ في الثامنة صباحاً، مشيت لقصر الباهية وعدت للإفطار في النُزل، وفي طريق عودتي أدوس صرصاراً يابساً، حتى صراصير هذه المدينة واهنة وشبه ميتة، القطط مشوهة، الناس مريضة ومعلولة ... رأيت في مراكش وجوهاً جميلة وطيبة، العاملاتان فوزية ولطيفة في الرياض كان وداعهما لنا حاراً، نفذت كسرات العود ... أعجبت لطيفة بدهان علاجي بالأعشاب فأهديتها إياه عوضاً عن العود. الإبتسامة اللطيفة من مدام سابيينا تُودعنا، إنها تعرفُ كافكا وقرأت الإنمساخ، أنصحها بقراءة شكري ومنيف ومحفوظ... قالت بضحكة حسناً لكن قد أموت قبل ذلك، لم يبق لي الكثير من الوقت .

ـ في الطريق للدار البيضاء ... الثانية مساءاً ...

٦ مساءاً :
العناء الكثيرُ من العناء والضياع مرة أخرى... وصلنا أخيراً للفندق، قالوا لنا أن صاحبه أسباني، الفندق ذو خمسة نجوم وطرازٍ عال لكن بخدمة غير فندقية أبداً ... لن أستطرد، لكني أتذكر خدمة مدام سابيينا الفندقية في الرياض الجميل كجنة، مختبئاً في أزقة مراكش الوسخة، النادل العجوز " محسن الطنجي " وهو يشعل لنا الشموع على طاولة العشاء ويلفظ المفردة المغربية : ( واخا )*** بصوتٍ مبحوح أنيق، كان يتكلم بعربية خالصة ولحنٍ فرنسي : ( واخا، واخا، واخا سيدي .... ) ... لو التقطت له صورة لأتذكره أبداً، لأحنط اللحظة.. كان حضوره لنا يحمل الأطباق إلى شقتنافي طنجة بأحاديثة المحسوبة المرفقة بتنهيدة تعب طويلة ومدروسة قد أعطت إقامتنا حميمية خاصة .. ليحفظك الله ياعم محسن العجوز، الطنجاوي الأنيق .


٢٣ أغسطس / ٢٠ ذو القعدة :
يوم النهاية، العودة للجذور ... أريدُ أن أغدو طيراً مهاجراً، بط الغرير والنوارس، أريدُ أن أغدو لقلقاً على بيوتات المغرب الفقيرة العتيقة، لكنها مبانٍ حقيقية ولها ذاكرةٌ عظيمة وخاصة، لم أستطع أن أترك شيئاً منّا في كازا عدا زخم الذكريات المتعبة الجميلة .

أثناء قياس الحقائب طلبوا منّا تفريغ بعضها .. لقد أثقلتها الكُتب.


طنجة





مراكش

أزرق ماجوريل




هذه النبذة معلقة في الحمام التقليدي المغربي في رياض مراكش



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* الرياض : عبارة عن مباني تقليدية منتشرة في جميع أنحاء المغرب.
** أزرو الحجر بالبربرية، وإفران تعني الكهوف.
*** بمعنى حسناً

تعليقات

  1. أعاود الهمس في عقلي : " إنها مغامرة، لنصل للنهاية"
    جميل واكثر من رائع يافاطمه ابدعت الوصف 💖

    ردحذف
    الردود
    1. شكراً لك ياوردة ولقراءتك وتواجدك الجميل

      حذف
  2. أهم 30 مصطلح مستخدم في مجال الكول سنتر او مركز الاتصال
    لمزيد من التفاصيل يمكنك تصفح مدونة مدن التقنية | https://modn.com/ar/most-commonly-used-20-network-terminologies-and-abbreviations

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بحر وكتاب وقمر

" لتبدأ الحياة كل يوم كما لوأنها بدأت للتو " غوته ( 1 ) الإجازة فرصة لتغوص أكثر في ذاتك ، تجربة جديدة لأرضٍ جديدة تزورها.. تكتشفها ، تبحث عن تاريخها المدون على سمائها وفي أوراق حشائشها . الإجازة تعني لي لذةً جميلة تتناسل كل عام للتوحد مع كتاب وإتمامه في أيامٍ معدودات على ضوء قمر وشاطيء ورائحة ملح ، أو تحت ظل شجرة وهدوء ظهيرة باردة ، الإجازة محاولة للتحرر من الضغوط و الإلتزامات السخيفة المكبلة لي .. الإجازة حرية مؤقتة تُهديها نفسك ، وعلاقة تجددها مع الروح لتكون روحك هي صديقة روحك .. الإجازة أنت وأنا ولا شيء آخر . ( 2 ) البدايات صعبة و القراءة كأي بداية متعثرة متخبطة غير ثابتة كخطى الطفل الرضيع ، بداياتي كبداياتكم جميعاً قصص المغامرات والألغاز، شُغفت بها اقتنيت كل ما قدرت عليه .. المغامرون الخمسة ، رجل المستحيل ، ملف المستقبل ،( حتى الروايات العاطفية جاء عليها الدور بس ما طولت فيها ).. انغمست في أدب آجاثا حتى النخاع ، غمرني محفوظ ابو روايتنا بحنانه وقوته الروائية ، بدأت أتنوع ... أحرص على أن استفيد من الكُتب ومن القراءة .. قبل أن اقتني أي كتاب ابحث عنه وأصنفه وأق

هل ننجو من لعنة الفراعنة؟ إليكم ماحدث ..

مقولة مثل كل المقولات ! رماها أحدهم في الفضاء وتلقفتها الأفوه؛ لاكتها، عجنتها، تندرت بها، توجست منها، ثمّ: صدقتها . تلك هي حكاية لعنة الفراعنة باختصار ! منذ أن افتتح كارتر مقبرة توت غنع آمون وهناك من يؤمن بتلك اللعنة، وهناك من يضحك على من يؤمن بها … لعل ضحكه يدفع شراً ما، لكن الجميع يتفق على أنها ظاهرة غريبة ليس لها تفسير، أو قد تحمل تفسيراً أُوري في الخفاء كما يحدث مع ظاهرة موت لاعبي كرة القدم بالسكتات القلبية هذه الأيام :) ! لم يمت أحدٌ ممن اكتشفوا مقبرة (واح ـ تي) في نوفمبر  2018 ، وهو مسؤول كبير _ كاهن للسلالة الخامسة من أسرة الفراعنة _ ، حوت المقبرة عدة موميات لوالدة هذا الكاهن وأولاده وزوجته، إضافة لموميات لبوة وشبل أسد، حوت المقبرة قصة حياة " واح تي " وتاريخاً آخر لصراعٍ عاشه مع مواطن فرعوني آخر أراد أن يطمس حضوره بعد الموت واستولى على المقبرة عله يحظى بجنة (واح - تي) بعد الموت ! خلال ساعتان مركزة من السرد المرئي لاكتشاف غرفة  

ورطة القارئ في الأعياد: نصائح لقراءة منعشة خلال أيام الإجازة القصيرة

  تبدو عطل الأعياد بمثابة شهيق طويل نلتقط فيه أنفاسنا، بعد مسيرة الأعمال المحمومة، ودائرة الروتين اليومي، نخلد فيها للوسائد باطمئنان، نلتهم السعادة مع سكاكر الصغار وحلويات العيد. حتى تداهمنا تلك اللحظة الفارغة!  تلك اللحظة التي تقع وسط نهر الزمن اللاهث وتتجمد العقارب فيها فتبحث داخلك وحولك عن ما يمكن أن يملأها: فيلم؟ كتاب؟ أم نزهة مختلفة؟ بالنسبة لي تكون هذه العطل القصيرة  بمثابة احتفال قرائي أختار فيه كتاباً بعشوائية تلائم نمط فوضى هذه الأيام، أسميه كتاب العيد وأغوص فيه بكل حواسي. مررت بعشرات الأعياد، عشت فيها تجارب مختلفة مع كتب عديدة: منها ما كان اختياره في هذا التوقيت موفقاً ورسخ داخلي قراءة لا تنسى، ومنها ما كان اختياره مروعاً! وتحول لزومبي يزورني ليالي العيد الساكنة السوادء وأثناء غيبوبات نعاس العصر الطويل. في هذا المقال سأستعرض معكم بعض هذه التجارب، ولن أنسى إضافة بعض النصائح المركزة للفوز حقاً بقراءة منعشة في هذه الإجازة القصيرة. فرانكشتاين في بغداد: اخترت فرانكشتاين في بغداد دون الاعتبار لتنافر موضوع الرواية الرهيب مع توقيت (العيد).  بدأت بها مساء يوم العيد بعد إرهاق التقبيل ا