التخطي إلى المحتوى الرئيسي

33



أريدُ أن أطير

كاد أن يحترق البيتُ بالأمس .... حينما قالوا لي أن المنزل تعرض لماسٍ كهربائي فكرتُ في صندوقٍ أسود مستطيل أحفظُ داخله مفكراتي القديمة، ودفتر كشكول الصف الثالث الثانوي، ومذكرة صغيرة فيها حلي الخاص لبعض معادلات التكامل، ومجلدات كافكا الثلاث المهداة لي من الكويت .

****
تُلحُ علي فكرة طيران الساحرات على المكانس، صورة الساحرة ذات السن المهتز الوحيد في الفيلم الكرتوني " توم وجيري " وهي طائرة علي مكنستها المهترئة كانت تجعلني وأنا طفلة الثامنة أو السابعة سعيدة جداً ومستغرقة في فكرة الطيران مثلها يوماً ما . ألم أحكي لكم في أحد التدوينات عن قصة قراءتي لأساطير شعبية للجهيمان ؟
 أثناد قراءتي للأساطير تقفز فكرة الطيران مرة أخرى وأنا بوعيٍ أكبر، ساحراتان عربيتان في قرية صحرواية ـ تُشبه الرياض ـ تركبان جذع نخلة خرب ومجوف بمهارة، يتمتمان بطلاسم سحرية وتطيران! هذه الفكرة تدغدني، الطيران الحر بأي شكل ... أتأمل بالونات الهيلوم وفقاعات الصابون وأتمنى لو تصبح مرافقتي لها حقيقة ولو على سبيل الخيال أو الأحلام، أو ضربٌ من المستحيل بمقابلة ساحر مثلما حدث لنيلز حين مسخه الساحر لمخلوقٍ ضئيل وتعلق  بقدم الإوز وطار  .

****
 بورخيس رجلٌ كفيف ،معلول ولذا كان يطير عبر أحلامه، كانت أحلامه ضرباً من المستحيل أو من الكابوسية المرعبة يقول انه يحلم و يحاول كتابة شيء بدقة الحُلم ....حلمي الأزلي هو  نزول درجات لا نهائية ، أو التوهان في سرداديب قصرٍ مهجور .... في كتاب بورخيس ذاك سلط مانغويل الضوء علي بورخيس من مجالٍ آخر، يبدو ككاتب مستهتر بفكرة الكتابة.. يطرح أحلامه الحقيقية في هذا الكتاب وطريقته في الجلوس والكلام وسخريته المُرة من الأدباء الثقلاء ... زارني ذات مرة في حلم وسمعت قرع عصاه على البلاط، كان حُلماً مهيباً... كتبتُ عنه هُنا

****
بلا نهاية سأكتب عن الأحلام والطيران،  ـ إنها العوالم التي تعلقت بها منذ طفولتي وحتى الآن وأنا في الثانية والثلاثين ـ إضافة للقراءة التي غدوت لا أنفك عن الحديث عنها، بصوت لا مسموع بيني وبين ذاتي كعقلين منفصلين، والحديثُ عنها هُنا كتابة في المدونة، وأوراق العلكة، ودفتر المذكرات السخيف المرمي بإهمال جوار السرير على المنضدة.
حققت لي القراءة : الطيران بشكلٍ مختلف وغير محسوس ومثير ، سفرٌ عقلي بين الورقات الصفراء المغبرة وبين عيون بورخيس البيضاء ونظارة محفوظ السوداء والفم المزموم لشافاق وبينديتني، إنني أقلع بلا صوت أرتفع رويداً رويداً كل ليلة حتي أغادر عالمي المحاط دائماً بالجدران ... لن أبالغ اذا قلت لكم أن  حفيف الأشجار أثناء طيران هاري بوتر في رواياته قد سمعته فعلاً ، ولنّ أحكي لكم عن الخفة أثناء إمتطائي المكنسة مع هيرميون . لقد مارستُ الطيران بكل تواضع ... إنني لا أكذب ! ففي عالم الأدب لايوجد كذب ولا واقع ولا حقيقة هناك المتعة اللانهائية المحسوسة كُلياً بكل صدق .

****
في شهرِ مايو مارستُ التحليق جيداً عبر قراءاتي المتنوعة، قرأتُ للقاص العراقي حسن بلاسم مجموعته القصصية معرض الجثث وسافرتُ معه لعوالمه الشنيعة التي لا تطاق، لقد كان صادقاً بشكلٍ جارح وقاتل أثناء الكتابة ولذا منحته ثلاث نجمتات في تصنيف الجودريدز بكل راحة، كانت فجاجته تلك قد جعلت فمي يفيض بمرارة كالعلقم حتي إنتهيت من بلاءه القصصي الفظيع، لكنه كاتبٌ حقيقي وجديرٌ بكل الإحتفاء الذي حظي به ... سأكتب عنه تدوينة خاصة إن شاء الله .
إضافة لكتاب مانغويل القصير " مع بورخيس " الصادر عن دار الساقي ـ والذي يمكنكم إنهائه في جلسة قراءة واحدة! ـ سوف أحكي لكم بالتفصيل بالطبع عن حكاية جوناثان الأسود والنورسة محظوظة وعن دموعي أثناء قراءتي لقصة لويس سيبوفيلدا " قصة القط والنورس الذي علمه الطيران" في تدوينة قريبة ، وبين يدي يقبع كتاب يوسا الحذق " رسائل إلى روائي شاب " بقطعه المكافيء ودودته الوحشية في صفحاته الأخيرة ، وتبقى محظيتي إيزابيل بكتاب إفروديت كفاكهة حلوة مابين كتابٍ وآخر . أما رفيق حقيبة اليد : منقذ الإنتظارات الطويلة في صفوف المشافي، وأرتال السيارات المرتصة الساكنة في شوارع الرياض المكتظة، صديق رحلة الأسواق " لاتهتم بصغائر الأمور فكل الأمور صغائر " فتبدو قراءته كمنح إبتسامة صادقة وحقيقية مساء صيفٍ رطب .

تعليقات

  1. عزز مستوى حماية الشبكة الخاصة بك باستخدام حلول جدار الحماية
    لمزيد من التفاصيل يمكنك زيارة متجر مدن الاتصالات | https://modn.com/ar/firewall

    ردحذف
  2. توفر شركة مدن الاتصالات العديد من الحلول التقنية لحماية تهديدات أمان الشبكة
    https://modn.com/en/network-solutions?utm_source=falsfaglam&utm_medium=organic&utm_id=N-101

    ردحذف
  3. تهيئة حلول الاتصالات VoIP في السعودية وأهميتها للشركات

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

( سرير الأشباح ) ... قصة قصيرة

أحسّ بموجة هواءٍ حارة ، عرف أن النافذة جواره فُتَحت لثانية ثم غُلَقت ، حاول أن يرفع رمشيه الباردين ، حاول أن يقاوم ثِقَل المرض الماكث في خلايا جفنيه ... ، حاول ولم يفلح ، تمنى أن يرى الدنيا من نافذة السيارة المُسجّى على مرتبتها .. كان رأسه يقع تحت كوتها مباشرة ، مرة ثانية أحس بشيئٍ حار يلسع وجهه دون أن يشم الهواء ، عَرَفّ أن الشمس نجحت في مقاومة غيمة وتبديد ظلمتها الرمادية . أعياه الإحساس المشلول بالأجساد والأشياء حوله ، تمنى لو يُقَطِعُ جسده ، يفتته إلى قِطّع صغيرة ، ثم يبعثر ذاته في الفضاء عبر النافذة حتى لا يبقى منه سوى دُفقة نور ... روحه المُنهكة ! حينها قد تفضحه رائحة المرض والسرطان الذي سكن هيكله المسكين بضع سنين ، ودمّر حياته ، حتى أنه ذاق الموت أو كاد مراتٍ عديدة... أصطدمت رأسه بالمرتبة الأمامية بفعل القصور الذاتي _ حين توقفت المركبة _ ... ماذا قُلت ؟؟ قصور ذاتي ؟؟ لازالت العلوم الطبيعية تحفر عقلي ، وتُذَكرني بأني كنت مُدرساً محبوباً لمادة العلوم ..احترق جفنّاي، لابد أن الدموع تثابر لمقاومة الصمغ المتلبد بين الرموش .. أحسست بيديّ إبني سعيد وهو يتحسس قدميّ ليطمئن عل...

نجار في رأسي (47)

أقرأ النباتية(١) الآن. كُنت قد قطعت شوطاً طويلاً حتى وصلت إليها مُعتبرة قراءتي لها الآن احتفاء بمثابرتي كما يجب: ١٥ كتاباً خلال ٥ شهور بواقع ٣ كتب شهرياً. *** تنتمي هذه الرواية لأدب الكارثة، وهي ثاني رواية  كارثية أقرأها خلال الفترة السابقة بعد رواية خرائط يونس للروائي المصري محمود حسني. في كل مرة أحاول التدوين تفترسني رغبة الحديث عن الخمسة عشر كتاباً! فأتبلبل وأضيع، تجاوزت معضلتي هذه بصعوبة في رمضان، ورغم التدوينة الرمضانية المحشورة محاولة مني لنفض غبار رأسي واستئناف الكتابة إلا أنها أتت كمن يطهو للمرة الأولى  ديك رومي ليلة الميلاد! لم أطهو ديكاً رومياً ولا مرة، إلا أن مشاهد ليلة رأس السنة  في الأفلام والمسلسلات جعلتني أقيس التجربة بخيالي وأقيم صعوبتها العظيمة، والتي لا يمكن مقارنتها بأي طبقٍ محلي أو عالمي أعرفه، ومارأيت من لذة في تلك الليلة من تناول لحمٍ طري كالزبد قد جعلتني ألمس صعوبته وتطلب إحساس الطاهي الرقيق في صنع الطبق... ليلة عيد وطبق مستحيل وثلج! معضلة متشابكة تشبه المشاريع الكتابية التي أؤجلها كل مرة، تدوينات ومقالات أحلم بتدوينها. أنا نجار فقد مهارة قطع...

أَكتُبْ كما لو كُنتْ في التاسع والعشرين من مايو (34)

هذه التدوينة عبارة عن مسودة ، كنت أشطب وأكتب وأضيف فيها طوال شهر مايو، ولمّ تُنشر إلا الآن ... العجيب ما حدث في مايو ! حيث تضاءلت كتاباتي وتدويناتي اليومية الخاصة فيما تصاعدت وتيرة قراءاتي، لتكن العلاقة بين القراءة والكتابة عكسية، لكن الأهم أن يبيقيان ضمن إطار علاقةٍ ما ...هذه التدوينة عبارة عن ماحدث مع القراءات في شهر مايو.. في هذا الشهر واللذي يصادف شهر رمضان ستكون قراءتي مرتكزة على كتابين : أسطنبول: الذكريات والمدينة لباموق، ومن شرفة إبن رشد للكاتب المغربي عبد الفتاح كيليطيو . *** خمسة أصوات ـ غائب طعمة فرمان قرأت هذاه الرواية بتدفق وإنهماك ثم توقفت قرابة الشهر .. لماذا ؟ لقد ضاع الكتاب في سيارة أحد إخوتي، لأجده بشكلٍ غرائبي داخل درج خزانتي .. صحيح أن رعدة سريعة مرت بي وأنا أتأكد من أن الكتاب هو ذاته كتابي ... لكنني إبتهجتُ جداً حين تأكدت من أنه هو : كتابي البنفسجي الضائع . قراءةٌ أولى لغائب، لقد أهداني أحد الأصدقاء هذه الرواية، طوال القراءة كان يمر بي طيف نجيب محفوظ، إنه يشبه سرد محفوظ إلى حدٍ ماـ خاصة في رواية ميرامار ـ حيث تتعدد أصوات الرواة كما فعل غائب متنقلاً بين خمسة ...