ليلة أن حلمتُ ببورخيس !
ما الذي أريده في مثل هذه الليلة وانا أستجدي حيلتي للكتابة؟!... المطر يقرع الأسطح بعنف وصوت غطيط أطفال رضع يقتحمني، رائحة الحليب المتجبن تفوح مني ومن ثيابي وأحلامي ... أحلامي التي غدت واقعاً فيما تحول واقعي لحلمٌ مسحوق لأمٍ مهدودة ، أم لثلاثة أطفال، الطفلُ الثالث ضيفٌ جديد، إنه أول أطفالها اللذين سمعت صرخته، فيما الأثنين الآخرين وُلدوا تحت تأثير نومة عظيمة من المخدر الكامل ..
أنا أكتب وأنا خائفة، متوجسة، متحفزة، كقطة بليلة على قارعة رصيفٍ مكسور، خائفة أن تهرب الكلمات مني ولا تعرفني، خائفة من إستيقاظ رضيعي المتوتر بصرخة تجزُ حبل أفكاري، خائفة من أن لا أعرف كيف أكتب ما يزدحمُ بهِ رأسي .
سأوجز ما أريدُ كتابته، لإن البطء نمط حياة يجب أن أودعه للأبد .... في تلك الليلة حلمتُ ببورخيس، حلمٌ عظيمٌ ذاك الذي يزوركَ فيه بورخيس، بعينه الوامضة وبياضها المخترق لظلمة حلمي، كان معه عصا أشار بها للفراغ الأسود خلفه فأضاءت الرفوف الكثيرة التي إمتلأ بها الحلم، كان صامتاً، فقط يشير بعصاه إشاراتٍ مبهمة فتضيء الرفوف ... رفوفٌ عظيمة متربة ، عناوينها مبهمة .. لكنه يشير بعصاه بلا نهاية لمكتبته الممتدة كـ الكون وأنا ابتلع دهشتي وشبقي لتلك الرفوف كل مرة ... عالمٌ بلا نهاية .. كتب، كتب، كتب. أستيقظ و وميض عيني بورخيس لايفارقني ويلحُ علي لأقرأ له، ألتقط كتاب الرمل، أقرأ قصة "ثمة أشياء أخرى " يخامرني بعدها شعورٌ معقد، مزيجٌ هو من الخوف واللذة ... تقفز لذهني فكرةُ هذه التدوينة .. أبحث عن بورخيس في الشبكة العنكوبتية، أقرأ عنه.. أقرأ : "إن بورخيس هو من عثر على الحلقة المفقودة بين الأدب والفيزياء"... مقولة عجيبة !
أقرأ ما كتبه مانغويل عنه في كتبه التي تحتلها مكتبتي.. يتسرب بعض الفهم لكتابات هذا الأعمى إلى رأسي بعد أن كنت أعجزُ عن هضمها داخله . أعيدُ قراءة كتابه المرايا و المتاهات... أغلقه وانا أنتفض، لسحر كتاباته ، ألتهم الكتاب الثاني .. أبحث عن أي أثرٍ له داخل مكتبتي ..لقاءات ، صور، قصص ، مجلات ... أتنهد وأمسح أصابعي الوسخة، أفتقدت هذه الحماسة وذلك الشغف مُذّ ما يقارب الحول الكامل.. أستلقي بجانب طفلي المتململ، وأدعو الله ان يبارك تلك الليلة التي زارني فيها بورخيس .
حلول الشبكات أختيارك الامثل في عالم الأعمال
ردحذفلمزيد من التفاصيل يمكنك تصفح مدونة مدن التقنية | https://modn.com/ar/network-solutions