عاجزةٌ عن الكتابة، وعضلاتي متيبسة إزاء الأوراق . لابأس لأقرأ كثيراً أو لأكتبُ ما أريدُ كتابته ... أو لا أكتب شيئاً أبداً ..
من كتاب: " لماذا نكتب؟ " إصدار الدار العربية للعلوم كتبت إيزابيل اللندي تصف حالها بعد وفاة بُنيتها الشابة باولا : " إذن بت أعرف بأنني إذا ما أُصبتُ بحبسة الكاتب، فيمكنني أن أكتب في غير الخيال. كتابة المذكرات لها إيجابياتها، فأنا أعرف بأنه لايمكن إبتزازي، لإنني لا أخفي أية أسرار .
ولكنني لا أزال خائفة من امتناع قدرتي عن الكتابة، الأمر أشبه بإبتلاع الرمل إنه مروع . "
****
كتبت بضعة سطور في الأيام الفائتة، مخافة ان تهرب مني الكلمات حين يكون الوقتُ والمزاج مهيئان تماماً للكتابة .. إنه درسٌ وعيته جيدً من قراءة سير الكُتاب وأسلوب حياتهم، موراكامي، ماركيز، إبراهيم العريس، ونجيب محفوظ والقائمة بلا نهاية ...
.. أُكتُب كل يوم .. يجب ان يكون هناك وقتٌ يومي تخصصه للكتابة، أكتب أي شيء ولكن لا تجلس خالي الوفاض أماما شاشة حاسوبك أو أوراقك ... أكتُب أي شيء !*
****
أعيشُ في الصفحات الأخيرة من روايتيّ : زوربا وخمسة أصوات .. كانت إحداهما تسابق الأخرى وسأنهيهما في يومٍ واحد، كذلك قرأت مجموعة الصديق عبد الله ناصر فن التخلي ليلة البارحة والتهمتها في ذات الليلة ..
****
سطوة النصوص
هناك نوعٌ مختلف من الكتب، أسميها الكُتب المتعدية ، يمارسُ فيها نص الكتاب نوعاً من السطو والتجاوز على القاريء.. فلا يكتفي بأثره المحدود المُتمثل في حركة رموش العينين أثناء القراءة، بل قد تفرُ السطور من بينِ أصابعك كغولٍ مسعور! كما حدث معي في تلك الليلة ..
قرأتُ لأمير تاج السر مقالاً بعنوان : " النصوص الطغاة " تحدث فيه عن إستبداد النصوص العظيمة للكاتب والقاريء على حدٍ سواء .. فالكاتب لابد وان يكون قارئاً، وبعض الكتب تمارس ضغطاً لامرئياً ـ ولكن محسوس بدرجة كبيرة ـ على الكاتب .. حكى عن إنعتاقه من عدم قراءة أمبرتو إيكو في المقال وأنه تنفس الصعداء حين قرأ اسم الوردة أخيراً، لتبدأ السلسة اللامنتهية من الكتب العظيمة المستبدة التي لم يقرأها .. والتي قرر في نهاية المقال أن يزعق في الناس ويقول نعم لم أقرأها .. أروني ماذا تفعلون !المقالُ لا يُفوت هنا كاملاً .
قرأت الأخوة كرامازوف لدستوويفسكي أثناء أشهر الوحم العصيبة، وكان تأثيرها وسطوتها علي شيئاً لايُصدق وضاراً تماماً .. لقد تجاوزتني خالدة دستو لتدخل لمعدتي ومصاريني، فأرتفعت حموضة المعدة وعانيتُ من القرحة الفظيعة، وكوابيس حامضة أثناء النوم إضافة لدوار البحر الذي يعرفنه كلُ من مرت بتجربة الحمل .. كنتُ طوال القراءة بتلك الحال ولم أتنبه أن دستو هو السبب، قاربت على إنهاء ثلثي الجزء الأول من الأخوة كارامازوف وتوقفت قسرياً عن القراءة لتهدأ معدتي، ويعود حالي لما أعتدته .. القراءةٌٌُ أحياناً خطرة، وقد تكون مميتة!
مع كافكا كان نصٌ الحكم متعدياً بشكلٍ مغاير، لقد زارني بعد الإنتهاء منها كابوسٌ من أروع الكوابيس في حياتي .. زارني جيورج بنفسه بطل القصة قصة الكابوس كتبتها سابقاً في تدوينة هُنا .
باتريك زوسكيند في روايته القصيرة الحمامة كان مُتعدياً بشكلٍ مختلف، فقد قفزت حمامة جوناثان نويل خفيةً للحمام الذي اتخذ نوافذ حجرات نومنا مأوى، فلبثت الحمامات يهدلن طوال يومين بشكلٍ حزين،مُلح ومتواصل .. وحين أنتقلتُ لكتابٍ آخر سكن الصوت .
مجموعة عبد الله ناصر القصصية المعنونة بفن التخلي تنتمي لذلك النوع من الكتب، في إحدى الليالي القريبة بدأتُ قراءتها
منذ أعلن عبد الله عنه وأنا أتلهف لقراءته كاملاً.. صحيح ان تلك اللهفة تببدو بلا تبرير إن كُنت قد أطلعتُ على نٌبذٍ منها قبل الطباعة والنشر .
الذي قفزأمام عيني : بعد نهاية القراءة كيف يُمكن أن يكتب كاتبٌ ما بهذا الشكل ؟
يغمس جمله في الإستعارات والكنايات بمهارة صانع حلوى، يغمس الأعواد في عجينة السكر لتخرج بأشكلٍ متماثلة، أما عبد الله ناصر يٌخرجها من مصنع عقله مملؤة بدهشة حد الشهقة، باردة حد الموت، صناعة مثل هذا الكتاب عملٌ مميت ومُرهق_ وقراءته كذلك لكثافة الصور في القصص _ ... أتخيل لو كتبت شيئاً مماثلاً أن مُخي سيذوب بعد الفراغ منه كما لو وضع في كوب خل، تخيل عملية كتابته مرهقة ومرعبة تماماِ، عدا عن قراءته التي قد تهوي بك للجنون والخوف لتخرج من قراءته مُرهقاً جداً .
ربما ذلك هو المأخذ الوحيد كقارئة بسيطة وذلك لاينقص من عملٍ مبهر شيئاً، بل قد أكون قارئة أبسط من هكذا كتاب .لغة عبد الله واضحة وجزلة جداً.. يبدو كموسيقي يكتب نوتة بالكلمات أو يروي قصة حياته بالنغمات ببطء .. الكتابة عن كاتبٍ تعرفه شخصياً ليس سهلاً كما كُنتُ أظن، إنه صعبٌ جداً ومفاجيء لطبيعتك البشرية التي تريد التملق بوقاحة وبين دهشتك بكاتبٍ حقيقي يتحدث كلغتك ولهجتك، ويعرف ماتعرفه لإنكما تعيشان أماكن وبيئاتٍ متشابهة ، في النهاية إنني اتساءل : هل عبد الله شخصٌ حقيقي ؟
حسناً لأصف لكم تصوري بعد القراءة، في البداية انتقل عقلي لتخيل كاتب العمل الصديق عبدالله تخيلته كشبح غير حقيقي كتب هذه السطور، أو يبدو كإمرأة مكسورة تكتب بإسم رجولي مخافة المجتمع، او كشخصٍ حياته على الحافة بسبب مرض الإيدز ... أنا مجنونة نعم عذراً ياعبد الله ولكني أحاول أن أكون صادقة لأقصى حد وأنا أكتب إنطباعي ... كتابٌ مذهل ..لو سُئلتُ عنه سريعاً سأجيب بصدق وبساطة : إنها نصوص شعرية نادرة، كُتبت بمزاج قناصٍ قاص .
من كتاب: " لماذا نكتب؟ " إصدار الدار العربية للعلوم كتبت إيزابيل اللندي تصف حالها بعد وفاة بُنيتها الشابة باولا : " إذن بت أعرف بأنني إذا ما أُصبتُ بحبسة الكاتب، فيمكنني أن أكتب في غير الخيال. كتابة المذكرات لها إيجابياتها، فأنا أعرف بأنه لايمكن إبتزازي، لإنني لا أخفي أية أسرار .
ولكنني لا أزال خائفة من امتناع قدرتي عن الكتابة، الأمر أشبه بإبتلاع الرمل إنه مروع . "
****
كتبت بضعة سطور في الأيام الفائتة، مخافة ان تهرب مني الكلمات حين يكون الوقتُ والمزاج مهيئان تماماً للكتابة .. إنه درسٌ وعيته جيدً من قراءة سير الكُتاب وأسلوب حياتهم، موراكامي، ماركيز، إبراهيم العريس، ونجيب محفوظ والقائمة بلا نهاية ...
.. أُكتُب كل يوم .. يجب ان يكون هناك وقتٌ يومي تخصصه للكتابة، أكتب أي شيء ولكن لا تجلس خالي الوفاض أماما شاشة حاسوبك أو أوراقك ... أكتُب أي شيء !*
****
أعيشُ في الصفحات الأخيرة من روايتيّ : زوربا وخمسة أصوات .. كانت إحداهما تسابق الأخرى وسأنهيهما في يومٍ واحد، كذلك قرأت مجموعة الصديق عبد الله ناصر فن التخلي ليلة البارحة والتهمتها في ذات الليلة ..
****
سطوة النصوص
هناك نوعٌ مختلف من الكتب، أسميها الكُتب المتعدية ، يمارسُ فيها نص الكتاب نوعاً من السطو والتجاوز على القاريء.. فلا يكتفي بأثره المحدود المُتمثل في حركة رموش العينين أثناء القراءة، بل قد تفرُ السطور من بينِ أصابعك كغولٍ مسعور! كما حدث معي في تلك الليلة ..
قرأتُ لأمير تاج السر مقالاً بعنوان : " النصوص الطغاة " تحدث فيه عن إستبداد النصوص العظيمة للكاتب والقاريء على حدٍ سواء .. فالكاتب لابد وان يكون قارئاً، وبعض الكتب تمارس ضغطاً لامرئياً ـ ولكن محسوس بدرجة كبيرة ـ على الكاتب .. حكى عن إنعتاقه من عدم قراءة أمبرتو إيكو في المقال وأنه تنفس الصعداء حين قرأ اسم الوردة أخيراً، لتبدأ السلسة اللامنتهية من الكتب العظيمة المستبدة التي لم يقرأها .. والتي قرر في نهاية المقال أن يزعق في الناس ويقول نعم لم أقرأها .. أروني ماذا تفعلون !المقالُ لا يُفوت هنا كاملاً .
قرأت الأخوة كرامازوف لدستوويفسكي أثناء أشهر الوحم العصيبة، وكان تأثيرها وسطوتها علي شيئاً لايُصدق وضاراً تماماً .. لقد تجاوزتني خالدة دستو لتدخل لمعدتي ومصاريني، فأرتفعت حموضة المعدة وعانيتُ من القرحة الفظيعة، وكوابيس حامضة أثناء النوم إضافة لدوار البحر الذي يعرفنه كلُ من مرت بتجربة الحمل .. كنتُ طوال القراءة بتلك الحال ولم أتنبه أن دستو هو السبب، قاربت على إنهاء ثلثي الجزء الأول من الأخوة كارامازوف وتوقفت قسرياً عن القراءة لتهدأ معدتي، ويعود حالي لما أعتدته .. القراءةٌٌُ أحياناً خطرة، وقد تكون مميتة!
مع كافكا كان نصٌ الحكم متعدياً بشكلٍ مغاير، لقد زارني بعد الإنتهاء منها كابوسٌ من أروع الكوابيس في حياتي .. زارني جيورج بنفسه بطل القصة قصة الكابوس كتبتها سابقاً في تدوينة هُنا .
باتريك زوسكيند في روايته القصيرة الحمامة كان مُتعدياً بشكلٍ مختلف، فقد قفزت حمامة جوناثان نويل خفيةً للحمام الذي اتخذ نوافذ حجرات نومنا مأوى، فلبثت الحمامات يهدلن طوال يومين بشكلٍ حزين،مُلح ومتواصل .. وحين أنتقلتُ لكتابٍ آخر سكن الصوت .
مجموعة عبد الله ناصر القصصية المعنونة بفن التخلي تنتمي لذلك النوع من الكتب، في إحدى الليالي القريبة بدأتُ قراءتها
كنتُ منهمكة في قصته المعنونة ب " حياة سريعة "، والتي تُصنف ضمن نوعية القصص القصيرة جداً _ كحال بقية الكتاب من نوعية قصص ال ق.ق.ج _ .. أثناء تسابق السطور كانت ركبتيّ بلا مبالغة تصطكان رعباً، ولمّ أُنهيها إلا وقد قفزت مستوية جالسة بتحفز ورأسي ينبضُ بشدة، أُعيدُ القراءة رغم كُل هذا التوتر.. النص المجنون يمارس سطوته علي، في منتصف القصة تماماً قفزت السطور مني وتعدتني لتسطو على فراش طفلي، لتشق صرخته الخائفة الليل بعد أن تحولت السطور لغولٍ فر مني وأيقظ طفلي المسكين .
منذ أعلن عبد الله عنه وأنا أتلهف لقراءته كاملاً.. صحيح ان تلك اللهفة تببدو بلا تبرير إن كُنت قد أطلعتُ على نٌبذٍ منها قبل الطباعة والنشر .
الذي قفزأمام عيني : بعد نهاية القراءة كيف يُمكن أن يكتب كاتبٌ ما بهذا الشكل ؟
يغمس جمله في الإستعارات والكنايات بمهارة صانع حلوى، يغمس الأعواد في عجينة السكر لتخرج بأشكلٍ متماثلة، أما عبد الله ناصر يٌخرجها من مصنع عقله مملؤة بدهشة حد الشهقة، باردة حد الموت، صناعة مثل هذا الكتاب عملٌ مميت ومُرهق_ وقراءته كذلك لكثافة الصور في القصص _ ... أتخيل لو كتبت شيئاً مماثلاً أن مُخي سيذوب بعد الفراغ منه كما لو وضع في كوب خل، تخيل عملية كتابته مرهقة ومرعبة تماماِ، عدا عن قراءته التي قد تهوي بك للجنون والخوف لتخرج من قراءته مُرهقاً جداً .
ربما ذلك هو المأخذ الوحيد كقارئة بسيطة وذلك لاينقص من عملٍ مبهر شيئاً، بل قد أكون قارئة أبسط من هكذا كتاب .لغة عبد الله واضحة وجزلة جداً.. يبدو كموسيقي يكتب نوتة بالكلمات أو يروي قصة حياته بالنغمات ببطء .. الكتابة عن كاتبٍ تعرفه شخصياً ليس سهلاً كما كُنتُ أظن، إنه صعبٌ جداً ومفاجيء لطبيعتك البشرية التي تريد التملق بوقاحة وبين دهشتك بكاتبٍ حقيقي يتحدث كلغتك ولهجتك، ويعرف ماتعرفه لإنكما تعيشان أماكن وبيئاتٍ متشابهة ، في النهاية إنني اتساءل : هل عبد الله شخصٌ حقيقي ؟
حسناً لأصف لكم تصوري بعد القراءة، في البداية انتقل عقلي لتخيل كاتب العمل الصديق عبدالله تخيلته كشبح غير حقيقي كتب هذه السطور، أو يبدو كإمرأة مكسورة تكتب بإسم رجولي مخافة المجتمع، او كشخصٍ حياته على الحافة بسبب مرض الإيدز ... أنا مجنونة نعم عذراً ياعبد الله ولكني أحاول أن أكون صادقة لأقصى حد وأنا أكتب إنطباعي ... كتابٌ مذهل ..لو سُئلتُ عنه سريعاً سأجيب بصدق وبساطة : إنها نصوص شعرية نادرة، كُتبت بمزاج قناصٍ قاص .
عزز مستوى حماية الشبكة الخاصة بك باستخدام حلول جدار الحماية
ردحذفلمزيد من التفاصيل يمكنك زيارة متجر مدن الاتصالات | https://modn.com/ar/firewall