على الكتاب أنّ يكون الفأس التي تكسر البحر المتجمد فينا _ فرانز كافكا
أخبرتها اليوم عن ذلك الحلم ، ونَبَشَت في داخلي تلك الرغبة الملحة بالكتابة، المشكلة أن تلك الرغبة لا يصحو ماردها إلا في وقتٍ يكون تحقيقها صعباً ويتطلب مغامرة مجنونة، أو أحياناً تصرفاً خائناً نذلاً ..
أعلمُ أنّ ما أكتبه مستفز، ويثير عواصف الحُنق التي تجتاحكم وأنتم تقرأون ما أكتبه الآن .. لذا سأبدأ برواية القصة دون مقدماتٍ حمقاء مُتحذلقة .
في ليلة من ليالي 2011، الثالث من ديسمبر تحديداً. أذكر كذلك أن اليوم كان الأحد، بدأتُ في قراءة المجلد الأول، كان المترجم يوقع ب الحرفين أ . و ،عرفتُ ذلك من أولِ صفحة .. من صفحة الإهداء طبعاً، لابد أنكم ستصلون إلى هذا الاستنتاج بسهولة إن كنتم قُراءاً مجانين مثلي، أما إن كنتم غير ذلك فوصولكم إلى تلك النتيجة يتطلب مجهوداً بسيطاً .. يشبه مجهود استخراج المميز من المعادلة الرياضية الشهيرة ! ..
لا زلتُ أتحذلق ! .. سـ ابدأ بالحكاية فوراً، وسـ أحاول الخلاص من كائن الحذلقة هذا المحتك بي دوماً ...
كانت ليلةً باردة، الساعةُ تقترب من الثانية ليلاً .. ولا زالت أصابعي المُثلجة بسبب الماء المخلوط بالصابون تُصدر صريراً خافتاً عند احتكاكها ببعض، وانا أنشرُ القمصان القطنية البيضاء، والسراويل البيضاء الطويلة على اللوح المعدني .. أنتهي من عملي هذا، افركُ كفي بمرطبٍ غني بفيتامين أ ، أُشعل المدفأة ، اتكوم أمامها ولحافي الأحمر يغطي رأسي ، يدي اليُمنى ترفع كوب الشاي واليسرى تقلب الصفحة لألج أولى قصص المجلد .. كنتُ أرتجف بصمت، ليس لإن هذا الكتاب وصلني من بلادٍ بعيدة ، وليس لأجل تلك الرائحة _ التي تفوح من الصفحات _ الساخنة القادمة من كمبوديا على هيئة ما نسميه " دهن عود " ،ولا بسبب ذلك البرد الذي يطرق النافذة بصفيرٍ قوي، بل بسبب أن بطل القصة قفز إلى داخلي وتغلغل، أصبحتُ هوَ، وهو أنا....
كنتُ أحملُ الرسالة مكانه، أُخبئها في جيبي الأيسر ، أذهبُ إلى الوالد .. نتبادل الحقد بصمت .. نتجادلُ بهدوء .. يصرخ، اتظاهرُ بأنيّ الأقوى.بينما العكس هو الحقيقة أنا الضعيف وهو القوي .. أرتبك، تأتي لحظة الصفر أجذب الرسالة من جيبي ثم أتكلمُ عن بطرسبورغ ويسألني بحدة عن المدينة، فأترك الرسالة تنزلقُ ثانية إلى جيبي، نتكلمُ عن الصديق وعنّ الخطوبة، تبدأ المسرحية حين قال الوالد : " ليس لديك أي صديق في بطرسبورغ لقد كنتَ دائماً مهرجاً .. ! " .. أترنح .. يمتدُ الحديثُ عن الفساتين والجونلات القصيرة، يصبحُ صوتي مهزوزاً رغماً عني وانا أقولُ : " ممثل هزلي ! " .. يحاولُ أن يستوي على السرير أفكر : " ليتهُ يقع ويتحطم " .. يبدأ بجَلّدِي بلسانه : " ابق حيثُ انت إنني لا أحتاجُ إليك . تظنُ انك ما زلت تمتلك القوة للمجيء هُنا ولا تُحجم إلا لأنك لا تريدُ ذلك. إنك لمخطئ ! إنني مازلتُ الأقوى بكثير.. " تتردد جُمَلهُ في ذهني : " لقد كتبتُ له لأنك نسيت ان تنتزع مني أدوات الكتابة ...إنه أفضل منك ..أنا أراقبك .. كنتَ في الحقيقة طفلاً بريئاً، لكن الأكثر حقيقة أنك إنسانٌ شيطاني ... لهذا فأنا أحكُمُ عليك.. أحكمُ .. أحكمُ ..أحكمُ عليك الآن بالموت غرقاً ! "
أهوي في بئرٍ ظلماء، صوت وقوع جثة يصلُ إلي، طرطشة ماء .. تصرخ الخادمة :" يا عيسى ! "، سوادٌ محبط.. يُضاءُ بشعلةٍ صغيرة، حمراء، إنّها نار ..عود كبريت أشعله شخصٌ نحيل أمامي، يقترب .. إنه كافكا!
ألحظُ عينيه .. إنهما خضراوين خلاف الصورة التي تُظهر سوادهما، أقولُ له ذلك ، يقولْ: : ( أعرف ) يقولها بالعربية، أندهش ! يتحدث بها ، يُتابع : (.. إذهبي إلى براغ ، وأسألي عن نهر مولداو_ فلتافا _ .. وافعلي ما فعله جيورج، اقفزي من ذاك الجسر ... انتِ النسخة الأنثى من جيورج، انتِ جيورج .. انتِ جيورج )
أفيق! والعرق يغطيني، يصلُ إلى فمي من رأسي المبتل تماماً .. دهشةٌ مرعبة تجتاحني، أمسح لعاباً سال .. وانتبه للتو ان المدفأة مُطفاة، أُحاولُ تشغيلها .. ولا تشتغل، أهزها ... يترجرج سائلٌ ما بداخلها،أحقدُ على كافكا وأشتمه في سريّ،أذهبُ إلى الحمام وأفكرُ في الجسر .. .. أكتشفُ في الحمام أنني مُبللةٌ تماماً !
_________________
* ما بين القوسين " " من قصة الحُكم لكافكا
كل ما تحتاج معرفته عن تأسيس كول سنتر-Call center
ردحذفhttps://modn.com/ar/all-what-you-need-to-know-about-settingup-a-call-center?utm_source=falsfaglam&utm_medium=organic&utm_id=V-103