التخطي إلى المحتوى الرئيسي

25























ليلة أن حلمتُ ببورخيس !


ما الذي أريده في مثل هذه الليلة وانا أستجدي حيلتي للكتابة؟!... المطر يقرع الأسطح بعنف وصوت غطيط أطفال رضع يقتحمني، رائحة الحليب المتجبن تفوح مني ومن ثيابي وأحلامي ... أحلامي التي غدت واقعاً فيما تحول واقعي لحلمٌ مسحوق لأمٍ مهدودة ، أم لثلاثة أطفال، الطفلُ الثالث ضيفٌ جديد، إنه أول أطفالها اللذين سمعت صرخته، فيما الأثنين الآخرين  وُلدوا تحت تأثير نومة عظيمة من المخدر الكامل ..
أنا أكتب وأنا خائفة، متوجسة، متحفزة، كقطة بليلة على قارعة رصيفٍ مكسور، خائفة أن تهرب الكلمات مني ولا تعرفني، خائفة من إستيقاظ رضيعي المتوتر بصرخة تجزُ حبل أفكاري، خائفة من أن لا أعرف كيف أكتب ما يزدحمُ بهِ رأسي .
سأوجز ما أريدُ كتابته، لإن البطء نمط حياة يجب أن أودعه للأبد .... في تلك الليلة حلمتُ ببورخيس، حلمٌ عظيمٌ ذاك الذي يزوركَ فيه بورخيس، بعينه الوامضة وبياضها المخترق لظلمة حلمي، كان معه عصا أشار بها للفراغ الأسود خلفه فأضاءت الرفوف الكثيرة التي إمتلأ بها الحلم، كان صامتاً، فقط يشير بعصاه إشاراتٍ مبهمة فتضيء الرفوف ... رفوفٌ عظيمة متربة ، عناوينها مبهمة .. لكنه يشير بعصاه بلا نهاية لمكتبته الممتدة كـ الكون وأنا ابتلع دهشتي وشبقي لتلك الرفوف كل مرة ... عالمٌ بلا نهاية .. كتب، كتب، كتب. أستيقظ و وميض عيني بورخيس لايفارقني ويلحُ علي لأقرأ له، ألتقط كتاب الرمل، أقرأ قصة "ثمة أشياء أخرى " يخامرني بعدها شعورٌ معقد، مزيجٌ هو من الخوف واللذة ... تقفز لذهني فكرةُ هذه التدوينة .. أبحث عن بورخيس في الشبكة العنكوبتية،  أقرأ عنه.. أقرأ : "إن بورخيس هو من عثر على الحلقة المفقودة بين الأدب والفيزياء"... مقولة عجيبة !
 أقرأ ما كتبه مانغويل عنه في كتبه التي تحتلها مكتبتي.. يتسرب بعض الفهم لكتابات هذا الأعمى إلى رأسي بعد أن كنت أعجزُ عن هضمها داخله . أعيدُ قراءة كتابه المرايا و المتاهات... أغلقه وانا أنتفض، لسحر كتاباته ، ألتهم الكتاب الثاني .. أبحث عن أي أثرٍ له داخل مكتبتي ..لقاءات ، صور، قصص ، مجلات ... أتنهد وأمسح أصابعي الوسخة، أفتقدت هذه الحماسة وذلك الشغف مُذّ ما يقارب الحول الكامل..  أستلقي بجانب طفلي المتململ، وأدعو الله ان يبارك تلك الليلة التي زارني فيها بورخيس .

تعليقات

  1. حلول الشبكات أختيارك الامثل في عالم الأعمال
    لمزيد من التفاصيل يمكنك تصفح مدونة مدن التقنية | https://modn.com/ar/network-solutions

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

( سرير الأشباح ) ... قصة قصيرة

أحسّ بموجة هواءٍ حارة ، عرف أن النافذة جواره فُتَحت لثانية ثم غُلَقت ، حاول أن يرفع رمشيه الباردين ، حاول أن يقاوم ثِقَل المرض الماكث في خلايا جفنيه ... ، حاول ولم يفلح ، تمنى أن يرى الدنيا من نافذة السيارة المُسجّى على مرتبتها .. كان رأسه يقع تحت كوتها مباشرة ، مرة ثانية أحس بشيئٍ حار يلسع وجهه دون أن يشم الهواء ، عَرَفّ أن الشمس نجحت في مقاومة غيمة وتبديد ظلمتها الرمادية . أعياه الإحساس المشلول بالأجساد والأشياء حوله ، تمنى لو يُقَطِعُ جسده ، يفتته إلى قِطّع صغيرة ، ثم يبعثر ذاته في الفضاء عبر النافذة حتى لا يبقى منه سوى دُفقة نور ... روحه المُنهكة ! حينها قد تفضحه رائحة المرض والسرطان الذي سكن هيكله المسكين بضع سنين ، ودمّر حياته ، حتى أنه ذاق الموت أو كاد مراتٍ عديدة... أصطدمت رأسه بالمرتبة الأمامية بفعل القصور الذاتي _ حين توقفت المركبة _ ... ماذا قُلت ؟؟ قصور ذاتي ؟؟ لازالت العلوم الطبيعية تحفر عقلي ، وتُذَكرني بأني كنت مُدرساً محبوباً لمادة العلوم ..احترق جفنّاي، لابد أن الدموع تثابر لمقاومة الصمغ المتلبد بين الرموش .. أحسست بيديّ إبني سعيد وهو يتحسس قدميّ ليطمئن عل...

نجار في رأسي (47)

أقرأ النباتية(١) الآن. كُنت قد قطعت شوطاً طويلاً حتى وصلت إليها مُعتبرة قراءتي لها الآن احتفاء بمثابرتي كما يجب: ١٥ كتاباً خلال ٥ شهور بواقع ٣ كتب شهرياً. *** تنتمي هذه الرواية لأدب الكارثة، وهي ثاني رواية  كارثية أقرأها خلال الفترة السابقة بعد رواية خرائط يونس للروائي المصري محمود حسني. في كل مرة أحاول التدوين تفترسني رغبة الحديث عن الخمسة عشر كتاباً! فأتبلبل وأضيع، تجاوزت معضلتي هذه بصعوبة في رمضان، ورغم التدوينة الرمضانية المحشورة محاولة مني لنفض غبار رأسي واستئناف الكتابة إلا أنها أتت كمن يطهو للمرة الأولى  ديك رومي ليلة الميلاد! لم أطهو ديكاً رومياً ولا مرة، إلا أن مشاهد ليلة رأس السنة  في الأفلام والمسلسلات جعلتني أقيس التجربة بخيالي وأقيم صعوبتها العظيمة، والتي لا يمكن مقارنتها بأي طبقٍ محلي أو عالمي أعرفه، ومارأيت من لذة في تلك الليلة من تناول لحمٍ طري كالزبد قد جعلتني ألمس صعوبته وتطلب إحساس الطاهي الرقيق في صنع الطبق... ليلة عيد وطبق مستحيل وثلج! معضلة متشابكة تشبه المشاريع الكتابية التي أؤجلها كل مرة، تدوينات ومقالات أحلم بتدوينها. أنا نجار فقد مهارة قطع...

أَكتُبْ كما لو كُنتْ في التاسع والعشرين من مايو (34)

هذه التدوينة عبارة عن مسودة ، كنت أشطب وأكتب وأضيف فيها طوال شهر مايو، ولمّ تُنشر إلا الآن ... العجيب ما حدث في مايو ! حيث تضاءلت كتاباتي وتدويناتي اليومية الخاصة فيما تصاعدت وتيرة قراءاتي، لتكن العلاقة بين القراءة والكتابة عكسية، لكن الأهم أن يبيقيان ضمن إطار علاقةٍ ما ...هذه التدوينة عبارة عن ماحدث مع القراءات في شهر مايو.. في هذا الشهر واللذي يصادف شهر رمضان ستكون قراءتي مرتكزة على كتابين : أسطنبول: الذكريات والمدينة لباموق، ومن شرفة إبن رشد للكاتب المغربي عبد الفتاح كيليطيو . *** خمسة أصوات ـ غائب طعمة فرمان قرأت هذاه الرواية بتدفق وإنهماك ثم توقفت قرابة الشهر .. لماذا ؟ لقد ضاع الكتاب في سيارة أحد إخوتي، لأجده بشكلٍ غرائبي داخل درج خزانتي .. صحيح أن رعدة سريعة مرت بي وأنا أتأكد من أن الكتاب هو ذاته كتابي ... لكنني إبتهجتُ جداً حين تأكدت من أنه هو : كتابي البنفسجي الضائع . قراءةٌ أولى لغائب، لقد أهداني أحد الأصدقاء هذه الرواية، طوال القراءة كان يمر بي طيف نجيب محفوظ، إنه يشبه سرد محفوظ إلى حدٍ ماـ خاصة في رواية ميرامار ـ حيث تتعدد أصوات الرواة كما فعل غائب متنقلاً بين خمسة ...