التخطي إلى المحتوى الرئيسي

هل ننجو من لعنة الفراعنة؟ إليكم ماحدث ..


مقولة مثل كل المقولات! رماها أحدهم في الفضاء وتلقفتها الأفوه؛ لاكتها، عجنتها، تندرت بها، توجست منها، ثمّ: صدقتها. تلك هي حكاية لعنة الفراعنة باختصار! منذ أن افتتح كارتر مقبرة توت غنع آمون وهناك من يؤمن بتلك اللعنة، وهناك من يضحك على من يؤمن بهالعل ضحكه يدفع شراً ما، لكن الجميع يتفق على أنها ظاهرة غريبة ليس لها تفسير، أو قد تحمل تفسيراً أُوري في الخفاء كما يحدث مع ظاهرة موت لاعبي كرة القدم بالسكتات القلبية هذه الأيام :) ! لم يمت أحدٌ ممن اكتشفوا مقبرة (واح ـ تي) في نوفمبر 2018، وهو مسؤول كبير_ كاهن للسلالة الخامسة من أسرة الفراعنة_، حوت المقبرة عدة موميات لوالدة هذا الكاهن وأولاده وزوجته، إضافة لموميات لبوة وشبل أسد، حوت المقبرة قصة حياة "واح تي" وتاريخاً آخر لصراعٍ عاشه مع مواطن فرعوني آخر أراد أن يطمس حضوره بعد الموت واستولى على المقبرة عله يحظى بجنة (واح - تي) بعد الموت!


خلال ساعتان مركزة من السرد المرئي لاكتشاف غرفة  (واح ـ تي)، كشفت جدران مقبرته كم كان هذا المصري رقيقاً ومراعياً، وكيف خاض مأساة خاصة حين مات هو وعائلته وأمه بمرضً غامض ـ رُجح أنه الملارياـ  وكيف حاول اللصوص الاستيلاء على قصته الوحيدة التي أراد أن ينقلهالنا: حياته وتنقله من واحدٍ من العامة لأحد الكهنة، وكيف خطف الموت أولاده قبل أن يخطفه هو. (واح ـ تي) أبى لهذه القصة أن تموت، فنجح فريق التنقيب بجسارة وحدس غريب في الوصول له وكأنما كان المنقبون يعلمون عما خبأه (واح ـ تي)، وكأنما نوى (واح ـ تي) أن يزعق بقصته للعالم وإن أصم العالم أذنيه!


***



أنهيت رواية ياسمين الرشيدي أخيراً! نعم سأضع علامة التعجب لأعبر عن تنهيدة الراحة التي جعلتني أُنهي هذه الرواية، راحتي يالتركيز في هذا السرد الشخصي الممتع الممتلئ بزخم اليوميات و بذكريات ياسمين الخاصة، قد يتسائل قارئٌ ما: لما امتط زمن القراءة لرواية ممتعة كهذه؟ فقد درج على أن السرد الشخصي دوماً مايكون أكثر إمتاعاً وسلاسة، ذلك لا علاقة له بياسمين وأسلوبها وروايتها، ذلك يتعلق بي أنا.. لذا كنتُ منزعجة على نحوٍ ما لما سبق ولكون الرواية من القطع الصغير… فلم التطويل واستهلاك الزمن؟

عرفت ياسمين الرشيدي من خلال مقالة مترجمة على مدونة أحمد شافعي؛ كاتبة وروائية وصحفية مصرية تعيش ما بين القاهرة ونيويورك،  تكتب ياسمين بالإنجليزية في أكثر من مكان: كـ النيويورك تايمز و مجلة نيويورك ريفيو أوف بوكس، تكتب مقالات وأقصوصات معبأة بالسرد الشخصي والسياسي لما تمر به مصر، وانعكاس ذلك عليها وعلى من حولها من ناس وحيوان وشجر وجمادات.

تعكس ياسمين ماتمر به من أحداث على سردها وإبداعها ووجودها، بمهارة ودقة وكأنها توارثتها من أسلافها الفراعنة حين ينقلون حياتهم السابقة  لغرفة الدفن عبر رسومات دقيقة ومفصلة بالهيروغليفية، مثلما فعل السيد (واح ـ تي) في أول التدوينة.

عشت مع ياسمين في روايتها هذه حقبات ثلاثة:

  • القاهرة صيف 1984 
  • القاهرة صيف 1998
  • القاهرة صيف 2014 

في الحقبة الأولى: تُحدثنا الطفلة ياسمين؛ تروي انطباعاتها بدقة جعلت طيف الكاتب إبراهيم أصلان يطوف بي وأنا أقرأ. تفاصيل منمنمة كثيرة، أفكر كيف تذكرت ياسمين كل هاته التفاصيل؟ لابد وأنّ ذاكرتها هائلة.

الحقبة الثانية: ياسمين غدت في الجامعة، تسجل التغيرات في مصر بدقة: المشهد السياسي ومبارك، تغير الشواراع ومسمياتها، يرافقها ذات الشخوص : ماما، ديدو، عمها، لكن تيتا تموت وتحضر ذكرياتها بكثافة، تحضر كذلك في أحلام الأم، يبقى الأب غائباً يحفر تساؤلاً هل هو ميت؟ هل هو أصلاً موجود؟ ياتُرى مالذي حدث؟

الحقبة الثالثة: يعود الأب، يغيب ديدو، تتخانق معه ياسمين ثم تتصالح، الشعب يسقط مبارك! يفوز مرسي! يقتحم الأخوان مصر، تبدو الحيرة متشبعة بروح ياسمين ..الثورة تسقط مرسي..يفوز السيسي لكن لازال هنا تصلحيات في الشوارع بلا مغزى، ولازال الناس يعتقلون لأنهم شجعان ولازالت ياسمين تنتظر غائباً أن يعود ..

(رواية حدث ذات صيف في القاهرة، تأليف ياسمين الرشيدي نشر دار الشروق ترجمة أحمد شافعي 149 صفحة من القطع المتوسط)


تعليقات

  1. كيفية تهيئة وتركيب سنترالات IP-PBX بالمملكة العربية السعودية
    لمزيد من التفاصيل يمكنك تصفح مدونة مدن التقنية | https://modn.com/ar/the-ultimate-guide-to-install-an-IP-PBX-system-in-2022

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

( سرير الأشباح ) ... قصة قصيرة

أحسّ بموجة هواءٍ حارة ، عرف أن النافذة جواره فُتَحت لثانية ثم غُلَقت ، حاول أن يرفع رمشيه الباردين ، حاول أن يقاوم ثِقَل المرض الماكث في خلايا جفنيه ... ، حاول ولم يفلح ، تمنى أن يرى الدنيا من نافذة السيارة المُسجّى على مرتبتها .. كان رأسه يقع تحت كوتها مباشرة ، مرة ثانية أحس بشيئٍ حار يلسع وجهه دون أن يشم الهواء ، عَرَفّ أن الشمس نجحت في مقاومة غيمة وتبديد ظلمتها الرمادية . أعياه الإحساس المشلول بالأجساد والأشياء حوله ، تمنى لو يُقَطِعُ جسده ، يفتته إلى قِطّع صغيرة ، ثم يبعثر ذاته في الفضاء عبر النافذة حتى لا يبقى منه سوى دُفقة نور ... روحه المُنهكة ! حينها قد تفضحه رائحة المرض والسرطان الذي سكن هيكله المسكين بضع سنين ، ودمّر حياته ، حتى أنه ذاق الموت أو كاد مراتٍ عديدة... أصطدمت رأسه بالمرتبة الأمامية بفعل القصور الذاتي _ حين توقفت المركبة _ ... ماذا قُلت ؟؟ قصور ذاتي ؟؟ لازالت العلوم الطبيعية تحفر عقلي ، وتُذَكرني بأني كنت مُدرساً محبوباً لمادة العلوم ..احترق جفنّاي، لابد أن الدموع تثابر لمقاومة الصمغ المتلبد بين الرموش .. أحسست بيديّ إبني سعيد وهو يتحسس قدميّ ليطمئن عل...

نجار في رأسي (47)

أقرأ النباتية(١) الآن. كُنت قد قطعت شوطاً طويلاً حتى وصلت إليها مُعتبرة قراءتي لها الآن احتفاء بمثابرتي كما يجب: ١٥ كتاباً خلال ٥ شهور بواقع ٣ كتب شهرياً. *** تنتمي هذه الرواية لأدب الكارثة، وهي ثاني رواية  كارثية أقرأها خلال الفترة السابقة بعد رواية خرائط يونس للروائي المصري محمود حسني. في كل مرة أحاول التدوين تفترسني رغبة الحديث عن الخمسة عشر كتاباً! فأتبلبل وأضيع، تجاوزت معضلتي هذه بصعوبة في رمضان، ورغم التدوينة الرمضانية المحشورة محاولة مني لنفض غبار رأسي واستئناف الكتابة إلا أنها أتت كمن يطهو للمرة الأولى  ديك رومي ليلة الميلاد! لم أطهو ديكاً رومياً ولا مرة، إلا أن مشاهد ليلة رأس السنة  في الأفلام والمسلسلات جعلتني أقيس التجربة بخيالي وأقيم صعوبتها العظيمة، والتي لا يمكن مقارنتها بأي طبقٍ محلي أو عالمي أعرفه، ومارأيت من لذة في تلك الليلة من تناول لحمٍ طري كالزبد قد جعلتني ألمس صعوبته وتطلب إحساس الطاهي الرقيق في صنع الطبق... ليلة عيد وطبق مستحيل وثلج! معضلة متشابكة تشبه المشاريع الكتابية التي أؤجلها كل مرة، تدوينات ومقالات أحلم بتدوينها. أنا نجار فقد مهارة قطع...

أَكتُبْ كما لو كُنتْ في التاسع والعشرين من مايو (34)

هذه التدوينة عبارة عن مسودة ، كنت أشطب وأكتب وأضيف فيها طوال شهر مايو، ولمّ تُنشر إلا الآن ... العجيب ما حدث في مايو ! حيث تضاءلت كتاباتي وتدويناتي اليومية الخاصة فيما تصاعدت وتيرة قراءاتي، لتكن العلاقة بين القراءة والكتابة عكسية، لكن الأهم أن يبيقيان ضمن إطار علاقةٍ ما ...هذه التدوينة عبارة عن ماحدث مع القراءات في شهر مايو.. في هذا الشهر واللذي يصادف شهر رمضان ستكون قراءتي مرتكزة على كتابين : أسطنبول: الذكريات والمدينة لباموق، ومن شرفة إبن رشد للكاتب المغربي عبد الفتاح كيليطيو . *** خمسة أصوات ـ غائب طعمة فرمان قرأت هذاه الرواية بتدفق وإنهماك ثم توقفت قرابة الشهر .. لماذا ؟ لقد ضاع الكتاب في سيارة أحد إخوتي، لأجده بشكلٍ غرائبي داخل درج خزانتي .. صحيح أن رعدة سريعة مرت بي وأنا أتأكد من أن الكتاب هو ذاته كتابي ... لكنني إبتهجتُ جداً حين تأكدت من أنه هو : كتابي البنفسجي الضائع . قراءةٌ أولى لغائب، لقد أهداني أحد الأصدقاء هذه الرواية، طوال القراءة كان يمر بي طيف نجيب محفوظ، إنه يشبه سرد محفوظ إلى حدٍ ماـ خاصة في رواية ميرامار ـ حيث تتعدد أصوات الرواة كما فعل غائب متنقلاً بين خمسة ...