حينما قررت كتابة قراءة عن رواية المكتباتي لليبي شكري الميدي أجي انبثق هذا العنوان من أرشيف المدونة، وقبل هذا كله هيأت رواية المستر جيكل ومستر هايد لاختياري التالي ولما أغراني هذا العنوان بأن استأنف هذا الموضوع أخذت أنبش موقع البنترست لأجل صورة مناسبة، حتى ظهرت صورة معنونة بـ: مابين فرانكشتاين ومستر هايد!
كانت هذه بداية مثيرة، و تراتيبية جيدة للانطلاق بحماسة للكتابة عما أراد شكري الميدي أن ينقله في رواية المكتباتي بطريقة فريدة ـ وأراه قد نجح في ذلك ـ عبر أجواء قوطية نقلتني لوهلة لإحدى قصص جيمس جويس، وأسلوب بو، إلا أن شكري أعادني باقتدار لصوته هو، ورذاذ المتوسط في بنغازي وطرابلس، و لحركة المسن المكتباتي بين الرفوف المتحجرة كحيوانات ما قبل التاريخ.
أراد شكري أن يكتب التاريخ، تاريخ هذه الأرض التي مادت من تحت أقدام المكتباتي الطفل وصولاً لزمن المكتباتي الشيخ، الأراضِ: أزمنة تُخَلد بذكرى أناسها، لذا كانت هذه الحكاية.
يبدأ السرد بصوته هو، نعم صوت المكتباتي العجوز ذو الحركة السلحفائية الميتة، ذو البشرة الثلجية المنقطة بالنمش وسط الصحراء الليبية والرجال الزرق، وسط نبذ الناس له و لأصله المنحدر من قبطانة اليونان، ممزوجاً بالعرق الشركسي الأقن ...لذا لم يشعر سوى مرات معدودات بليبيته، كما كان يفيض بدموع كلماته الليبية، هنا نجد صراع الهوية والأرض والانتماء في مكتباتي عجوز بدأ حياته قارئاً بعد أن اجتذبه سحرٌ ما من مسن ليبي آخر في زمن كان هو وقتها صبياً مكتنزاً برفقة صهباء إنجليزية، القاريء بدأ يبدل جلده ليكون كاتباً أيضاً، ثم صحفياً، ثم سياسياً، ليعود مكتباتياً.
تبرز هذه الإشكالية وترجع للاختباء لكنها تبدو أساساً، حول سؤال يطرح ضمنياً: من هو الليبي؟ هل هو البربري المتجذر؟ أم شهادة عمر المختار؟
هل هو من يتحدث الإيطالية إضافة للعربية والأمازيغية؟ هل هو من يلمع ضرسه المذهب وهو يعقد اتفاقات العشائر مع المحتل؟ أو هو ذاك الشاب الذي يحييه صوت الأطلسي وملحه وزقاقات بن غازي؟ وتمارين المصارعة الحرة؟ أو هو من يجلس على مقاعد القهوة الليبية كأنه متجذر من ألف سنة؟ أم هو من امتدت أصابعه حبراً يكتب عن كل شيء يقع في هذه الأرض بأسلوب أصيل؟
هل الليبي هو ابن هذه الأرض؟
أو من ولد عليها؟
أو من كانت سيمفونية الحياة فيها أوكسجيناً له؟
أو لا يوجد أصلاً ليبي، هذه أرض الكل باختلافاتهم؟
و ليبيا صحراء والصحراء لمن خبر طروقها وعاشها.
تاه التساؤل وضاع لكنه يقفز بين الصفحات في دموع المكتباتي، انهياره وكتاباته، وذكرياته
يحاول أن يرسخ وجوده بعدما سقط منهاراً وسط حلف الستة بأصبع يثقله خاتم حجر كريم، فيستقطب الكاتب الشاب الذي مزج قصته بقصة الشيخ بقصة الأرض والبحر.
"لذا كانت سنواته غير سلسة أبداً من مولده وحتى نهايته"*
التبدلات والتحولات تدور بشكل كروي بهذه الرواية، والزمن فيها ينمو تاركاً الماضي ورائه، الزمن هو ذكرى داخل عقل المسن، والذي كان الصحفي الشاب يحاول أن يسترجعه بشتى الطرق من منافذ هذا الأحفور.
ينظر لعينيه: فيرى زمناً سحيقاً، تبدأ خيوط الكلام بالانثيال من فيه: فلا يلحق القلم الشاب تلك الدفقة الصبية المتوهجة، يسمع الخطا بين دروب المكتبة: فتقوده لمذكراته مكتوبة في مجلدات مرتكزة على رفوف سرية أخفاها عنه العجوز المريض.
لشكري لغة متفردة رغم أن هذه قراءتي الأولى له ـ عدا بعض القصص والمقالات ـ لكن أجزم بأني سأعرف قلم شكري إن قرأت له مجدداً، فلغته استطاعات نسج الحكاية بصوت وعي الأبطال دون أن تنحل خيوطها أو تتلكك، بدأ الحكاية و بالبداية أنه الرواية، عرفت المسن وأحسب أني أراه وأرى الصحفي الشاب أمام عيني، أرى حياته كاملة، خالدة، كتفاصيل جسد محفوظ بالفورمالدهيد.
صدرت الرواية في ١٨٤ صفحة من القطع المتوسط عن دار سؤال
#ذكرى_مُحنطة
7 فبراير 2019
37 يوماً دون قراءة كتاب ولا كتابة، لم أعتقد قبلاً بأن العمل والكتابة قد يتناقضان
بهذه الهيئة الفجة بالنسبة لي، أحلم بشراء عقار للاستثمار والتقاعد،ادخار مبلغ للتعليم
والسفر، بيت مزرعة صغير، وسيارة فيات (بعد أن أجيد القيادة طبعاً:) .
تحتشد الأفكار في رأسي قبل ساعة، أقرأ جملة مترجمة وتومض في رأسي السعادة:
(دماغ أينشتاين يسبح في الفورمالدهيد)
أمامي حقيبة بلاستيكية مستفزة لمتجر الكتب مملؤة بالثياب الخليجية لولدي فيصل، تنتظر الانتقال لمالكٍ جديد بعد أن تقلصت على جسده، فنحن نستعد للانتقال لمكان جديد.
أفكر في اللحظة التي ستأتي للانتقال الأخير بإذن الله لبيتنا الجميل، وكيف ستكون
حياتي حينذاك؟ كنت قد رسمت تفاصيل دقيقة لما قد يأتي : الأمومة للمرة الرابعة،
مسودة كتاب شبه نهائية، إكمال الدراسة، القراءة المتمكنة بالإنجليزية، القيادة، وترن الكلمة
المتعارف عليها عند الانتقال لسكن جديد: العفش!
يأتِ الفعل عَفَشْ في اللغة: بمعنى جمع، ابتسم وأجد هذا موضوعاً جيداً لاستئناف
التدوين.
أريد تجديد اشتراك مايكروسوفت على الحاسوب، الراتب لم يبق منه إلا القليل،
أطور أدواتي في كتابة السيناريوهات، أمام عيني صورة سوزان سونتاغ بقصة شعرٍ بالغة القصر،
تبدو مثيرة وحرة.. سأقطم شعري مثلها.
خمس دروس سباحة متبقية، ترتيب ملفات الكمبيوتر، تثبيت البرامج، الكتابة عن
نقل العفش والكتب باستفاضة، الصمت والقراءة، القرآن والصلاة والنوم.
أتمنى أن أبتعد قليلاً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* اقتباس من الرواية ص٥: "السنوات لا تمر بسلاسة...."
أزال المؤلف هذا التعليق.
ردحذفراقية جدا
ردحذفسلمت يداك
4 حلول ذكية من مدن لكسب ولاء العملاء في قطاع الخدمات الطبية
ردحذفلمزيد من التفاصيل يمكنك تصفح مدونة مدن التقنية | https://modn.com/ar/tips-to-increase-customer-satisfaction-medical-field
أهم 30 مصطلح مستخدم في مجال الكول سنتر او مركز الاتصال
ردحذفلمزيد من التفاصيل يمكنك تصفح مدونة مدن التقنية | https://modn.com/ar/most-commonly-used-30-call-center-terminologies-and-abbreviations