التخطي إلى المحتوى الرئيسي

38

عين السمكة!


















البدايةُ دائماً المشكلة، ولكن لسببٍ ما تذكرتُ لغز عين السمكة للمغامرين الخمسة، ووجدته عنواناً وبدايةٍ جيدتان لتدوينة جديدة... الخواء والجمود اللذان يملآني جعلا صورة رئيس العصابة في لغز عين السمكة تتتسلل إلي وأنا لا أدري، لتتراجع الذاكرة بعيداً إلى الوراء ماقبل ٢٠ عاماً أو يزيد ... كل التفاصيل حاضرة وملونة بشكلٍ مذهل، يتساءل صوتي لماذا أتذكر هذا ولا أنساه ؟ صغيرةٌ أنا أحمل الثلاثين ريالاً في يدي المعرقة ... ولهفتي تسبق يدي ... يفض البائع المصري بالمكتبة في السوق الجديد شرق الرياض كيس النايلون لتنفرج عن مهرجان ورقي ملون، شوقي يتصاعد ووجيب قلبي يعلو كالطبول ... أسأله بكم اللغز ؟ ب ٣ ريال .... إذن أمامي ثلاثين خياراً للإختيار، أختارُ بطريقتي الخاصة التي نمت وأنا لا أدري  ككائن غض .....لازلت أختار الكتب بحدسٍ أتعجبه وكأن الكتب تناديني ، أذكر كيف ناداني " لغز عين السمكة ".
عين السمكة باردة وخاوية وميتة، مفتوحه على إتساعها ، لا رموش لها ولا أجفان ... كان زعيم العصابة في اللغز يحمل عيون سمكة و .... لأكتفي من هذا الحديث، إقرأوا اللغز هُنا فهو مشوقٌ حقاً !

***
مات جمال قطب أحد رفاقي القدماء إضافة للمغامرين الخمسة، نجيب محفوظ، عبد الحميد جودة السحار، محمد عبد الحليم عبدالله، يوسف السباعي ... كانت ذاكرتي الخاصة بهم مصنفة بهيئة أغلفة صممها جمال قطب .... رواية ميرامار أحد الأغلفة الحية للآن في ذهني، الشعر الطويل للبطلة، كتفها العاري، نظرة الرجل القذر ورائها والنظارة السوداء الغامضة للرجل الثاني ... كيف يمكن أن يموت قطب فينا ؟

****

ما الذي قدمه شكري للأدب ؟
أدركتُ في أحد الأوقات أن الكتابة تعني الإنسلاخ من كل شيء، ثم معاودة التظاهر بإرتداء ما سلخناه ... لقد كتب محمد شكري الخبز الحافي وسائر ما كتب لينسلخ من نفسه .

***
٦٠ يوماً بعد العودة من المغرب ....ولازلت أقرأ في الأدب المغربي وأعاود ماقرأته في الماضي، ثلاثية السيرة المنحطة لمحمد شكري، رسائله ورسائل محمد برادة له،  ثم قراءة أولى لمحمد زفزاف في " الأفعى والبحر "، ثم الزبير بن بو شتى ومسرحيته المستوحاة من السيرة الحافية لشكري " رجل الخبز الحافي " نصٌ مسرحي جميل وقوي ... لم أكن  أتخيل أني سأستمتع يوماً بقراءة المسرحيات ...  وأخيراً أتصفح الكتب البديعة المصورة لشكري وطنجته،  وكتاب النصوص والصور : " مراكش في ظل الطفولة " لنيكول دو بونتشارا وتصوير إيزابيل لآني .

***

أنتشل نفسي من مأساة شكري، يقذف القراء شكري بالحجر واللعنات والسباب، يتقيأون قرفهم مماكتب، لكن مالم يستطع قرفهم وعفونة حياة محمد شكري أن يجعلهم يروه هو أن هذا الرجل المنحط  كاتبٌْ حقيقي، يحاول أن ينسى نفسه، ويتصالح معها، لقد باع أكثر من نفسه ليأكل الخبز، ثم أنفتحت شهوات بطنه وفرجه ليستمر  فيما هو قد كُتب عليه ... حتى تنازعت روح الأديب في ذاته ودخل مشفى الأمرض النفسية بتطوان كما كتب برادة له، لستُ أدافع عن شكري لكني أقول لكم ماينبغي لكل قاريء له أن يقوله : هذا الرجل أديب وأديبٌ فذ . لاتقرأوه بل إقرأوا رسائله مع محمد برادة وستفهمون ما أعني...

***

أقرأ الأمير الصغير . الحقيقة أن هذه القراءة كانت لعبة بدأتها مع ولدي ليمسكني ثعبان البوا الذي رسمه أنطوان سانت أكزوبيري لآخر صفحه وأقرأه في ليلة واحدة، دهشتنا مشتركة أنا و أولادي وهم يقرأون مغامراته الصغيرة ويشيرون لرسومه المميزة ... ياترى من أي مغارة مسحورة تأتِ أفكار الكُتاب ؟

***

تجارب القراء في قراءة البومة العمياء وعنوان الرواية الغريب الجذاب هما مادفعاني بداية لشراء كتابه الرحلات " أصفهان نصف الدنيا"  وفي النهاية قبل فترة قليلة حين أمسكت بالكتاب الأزرق ذو الغلاف المزخرف بزخارف فارسية وقررتُ قراءته .
أنهي الكتاب وفي نفسي إمتعاض من عنصرية هدايت ضد العرق العربي، لكن هذا الشعور السيء لايمحي أثره كأديب وقاص وشاعر متمكن ... الكتاب من إصدار دار مسارات الكويتية، حوى رحلته لأصفهان في ٨٠ صفحة مليئة بالوصف الدقيق لتفاصيل رحلته بالسيارة، عرضه السخي لهذه المدينة العجيبة المسماة بنصف الدنيا " نصف جهان" بالفارسية، ثم نصٌ قصير عن الموت، فلسفي ببساطة ... وقصتان قصيرتان رائعتان .... صادق هدايت يملك الأدوات كلها ليكتب نصاً مذهلاً كالبومة العمياء .

***
إكتشاف كاتب لمّ تسمع به قط !
في التطبيق الخاص بالهاتف لموقع القراء الأول "جود ريدز " يضعني كل مرة في تحدٍ للسرعة لقراء مقولة لكاتبٍ ما أثناء رفع التطبيق .... أكتشفتُ عبر هذه الخاصية المتلاشية " زادي سميث "  وهي كاتبة تهمني، شكراً لجود ريدز !


***

أنتهي من " المحاكمة " لكافكا أخيراً، النص الروائي الثاني الذي أقرأه بعد " الإنمساخ " ... نصٌ عجيب ككابوس ثقيل، ببطله القانوني يوزف ك ، غالبية أبطال قصص كافكا يحملون هوية المحامي مثله ... إننني في الحقيقة لا أفهم النص لكن لايمكنني نسيانه، ولا أنفي أثر يوزف ك في حياتي وتسلط صورته علي وهو يتلقى الحكم الأخير في قضيته في إستسلام تام  وإيمان خالص بمصيره، وكأن في ذلك خلاصاً ما أو حتمية .... ما المحاكمة ؟ هل هي قضية رمزية للحياة كما كتب مفسروها ؟ هل هي رؤية عبثية سودواية لإنسان العصر الحديث المطحون تحت مطرقة الآلات والقوانين المميتة لروح البشري الأصيلة المرهفة ؟ هل هي نصٌ أسود وحسب كتبه شاعرٌ رقيق غارق في متطلبات العمل والأسرة والكتابة ؟
إنّ خيرُ ما يتسلح به قاريء كافكا مقولة رفيقه وناشر أعماله " ماكس برود " :


مع كافكا نفسه لم يكن في مقدور المرء طبعاً أن يتحدث أبداً عن تفسيرات، حتى لدى أكبر مودة وألفة. وهو نفسه كان يفسر بطريقة تجعل التفسيرات بحاجة إلى تفسيرات جديدة . *


ــــــــــــــــ

* الآثار الكاملة مع تفسيراتها الجزء الثاني : المحاكمة، فرانز كافكا، ترجمة إبراهيم وطفي دار الحصاد .

تعليقات

  1. مزايا متعددة لرفع كفاءة العمل عند تحول مركز الاتصال إلى تقنية الكلاود كول سنتر
    لمزيد من التفاصيل يمكنك زيارة متجر مدن الاتصالات | https://modn.com/ar/why-you-should-consider-cloud-solution-for-shipping-call-center

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بحر وكتاب وقمر

" لتبدأ الحياة كل يوم كما لوأنها بدأت للتو " غوته ( 1 ) الإجازة فرصة لتغوص أكثر في ذاتك ، تجربة جديدة لأرضٍ جديدة تزورها.. تكتشفها ، تبحث عن تاريخها المدون على سمائها وفي أوراق حشائشها . الإجازة تعني لي لذةً جميلة تتناسل كل عام للتوحد مع كتاب وإتمامه في أيامٍ معدودات على ضوء قمر وشاطيء ورائحة ملح ، أو تحت ظل شجرة وهدوء ظهيرة باردة ، الإجازة محاولة للتحرر من الضغوط و الإلتزامات السخيفة المكبلة لي .. الإجازة حرية مؤقتة تُهديها نفسك ، وعلاقة تجددها مع الروح لتكون روحك هي صديقة روحك .. الإجازة أنت وأنا ولا شيء آخر . ( 2 ) البدايات صعبة و القراءة كأي بداية متعثرة متخبطة غير ثابتة كخطى الطفل الرضيع ، بداياتي كبداياتكم جميعاً قصص المغامرات والألغاز، شُغفت بها اقتنيت كل ما قدرت عليه .. المغامرون الخمسة ، رجل المستحيل ، ملف المستقبل ،( حتى الروايات العاطفية جاء عليها الدور بس ما طولت فيها ).. انغمست في أدب آجاثا حتى النخاع ، غمرني محفوظ ابو روايتنا بحنانه وقوته الروائية ، بدأت أتنوع ... أحرص على أن استفيد من الكُتب ومن القراءة .. قبل أن اقتني أي كتاب ابحث عنه وأصنفه وأق...

إنني لا أقرأ يا أمي

إنني لا أقرأ يا أمي، لم اعد أملك القدرة على فتح كتاب، غدا مخي يرسم خيالاتٍ حامضة في كل صفحة أقلبها.. توقفت عن الأخوة كارامازوف بعد أن ضقتُ ذرعاً بحديث الأب زوسيما الرتيب المنخفض، وعيون ألكسي المتسعة في إستنكارٍ صامت. ونقاشات الأخ إيفان و والسيد ميوسوف. أردتُ قراءة أهالي دبلن، ولم أقدر سوى على ثلاث قصص تحديداً .. مليئة برائحة السعوط والكهنة، مزاج جويس مخيف وقاتم لكنه حقيقي تماماً لدرجة ان رائحة موت الكاهن العفنة تسللت لأنفي وأنا أقرأ قصة "الأخوات" ، ورأيتُ بعينيّ ظلام سوق آرابي وهو يقفل مطفأً انواره في القصة الكاملة " سوق آرابي ". إنني لا أقرأ يا أمي، ونفسي بلونِ الكُحل، وجسدي واهن وضعيف كورقة مثقوبة، ولا أحد يتحمل شكاية بلا حجم سوى قلبك الممتد حباً، أعلمُ أن ما أكتبه وما كتبته قد لاتقرأه عيناكِ يا أمي، لكن ربما هذا السبب الذي يجعلني أكتب لك، لإن أحدثك دون أملأ قلبكِ بحزني ، وقلقلي ، ونزقي، ومزاجيتي ، وأحلامي، وثرثرتي.. حاولتُ مرة أن أحتويك وأن ألصقَ صدركِ بصدري حين بكيتي في المرات القليلة التي رأيتكِ تبكين فيه، حاولتُ إحتضانك، وإذ بكفيك المكورتين كقبضة لينة ت...

ورطة القارئ في الأعياد: نصائح لقراءة منعشة خلال أيام الإجازة القصيرة

  تبدو عطل الأعياد بمثابة شهيق طويل نلتقط فيه أنفاسنا، بعد مسيرة الأعمال المحمومة، ودائرة الروتين اليومي، نخلد فيها للوسائد باطمئنان، نلتهم السعادة مع سكاكر الصغار وحلويات العيد. حتى تداهمنا تلك اللحظة الفارغة!  تلك اللحظة التي تقع وسط نهر الزمن اللاهث وتتجمد العقارب فيها فتبحث داخلك وحولك عن ما يمكن أن يملأها: فيلم؟ كتاب؟ أم نزهة مختلفة؟ بالنسبة لي تكون هذه العطل القصيرة  بمثابة احتفال قرائي أختار فيه كتاباً بعشوائية تلائم نمط فوضى هذه الأيام، أسميه كتاب العيد وأغوص فيه بكل حواسي. مررت بعشرات الأعياد، عشت فيها تجارب مختلفة مع كتب عديدة: منها ما كان اختياره في هذا التوقيت موفقاً ورسخ داخلي قراءة لا تنسى، ومنها ما كان اختياره مروعاً! وتحول لزومبي يزورني ليالي العيد الساكنة السوادء وأثناء غيبوبات نعاس العصر الطويل. في هذا المقال سأستعرض معكم بعض هذه التجارب، ولن أنسى إضافة بعض النصائح المركزة للفوز حقاً بقراءة منعشة في هذه الإجازة القصيرة. فرانكشتاين في بغداد: اخترت فرانكشتاين في بغداد دون الاعتبار لتنافر موضوع الرواية الرهيب مع توقيت (العيد).  بدأت بها مساء يوم العيد ...