التخطي إلى المحتوى الرئيسي

يومياتي في المغرب (١)

٩ أغسطس / ٦ ذو القعدة :
أنا في المغرب، . الجو هنا لطيف والناسُ طيبون، مكثنا سبع ساعات محلقين بلا أجنحة، علي متن طائرة ضخمة ... خلال هذه الساعات شاهدتُ وثائقياً عن المكملات الغذائية، الفيلم البريطاني : "٢٥ عاماً "، قرأت نصف المجموعة القصصية : الخيمة ، لمحمد شكري، وصلنا لفندقنا الريفي الواقع في ضاحية الصخيرات في العاصمة الرباط، بيتٌ ريفي مظلم، لأصواتنا صدى غريب وسط العتمة والصمت، الشبابيك فيه بلا سياج، نسمع أصوات الكلاب، وأصواتٌ أخرى غامضة، ومخيفة .. كُنا جائعين فطلبنا عشاءاً،أحضروا لنا طبقاً من الكفتة الساخنة اللذيذة، ورغم طنين الحشرات في الخارج والأصوات الأخرى نُمنا بعمق و راحة ....


١٠ أغسطس / ٧ ذو القعدة :
أستيقظتُ وعيناي لازالتا تحملان لوناً قرمزياً، كان فضولي هو منبهي لأستيقظ و أرى الفندق الذي حاز علي تقييمٍ عال في بوكنج، والذي أكتشفنا حال وصولنا أنه عبارة عن نُزل ريفي، شيءٌ أشبه بالبنسيون الذي شاهدناه في أحلام الفتى الطائر ولكن ليس كشقة، بل كبيت كبير وسط مزرعة ..شبابيكه عبارة عن شُرفات رائعة تُطل على بركة السباحة، وأرض معشوشبة خضراء، أتهيأ للخروج لأكتشف الإفطار في نزلٍ بكر وصافي وغير ملوث، أقرب للبدائية المنعشة الغضة، لا أنوار زائدة لا ضوضاء مدينة ولا عوادم سيارات، فالمزارعون يجوبون الطرقات القريبة بالدراجات .
كان الإفطارُ في الباحة السفلية، فطورٌ رائع وشهي بشكلٍ لا يوصف، حليب طازج ساخن محلوب للتو، فطائر ريفية لذيذة، خبز مغربي،تين، وتمر، وبطيخٌ وشمام .. عصير برتقال من مزارع البرتقال القريبة، قهوة محبوكة بإقتدار، موسيقى تانغو أسبانية ... ما الذي أريده أكثر هذا الصباح ؟

***
مساءاً :

جولة في مدينة الرباط، زيارة آثار رومانية في مدينة شالة قبل قرنين من الميلاد. ثم : حديقة الحيوانات وتناول المثلجات.. تناولنا عشاءنا في مطعمٍ شعبي، بجواره عربة يُباع فيها ثمار التين الشوكي، كانت هي حلوانا بعد العشاء .

***

١ صباحاً :
منهوكة جداً، والصمت عميقٌ و مريح، الهواء بارد .. نباح كلب الحراسة وغطيط النائمين بعد جولة اليوم المنهكة كانا يوقظان في الصمت الذي أفتقدته في حياتي... قرأت قبل السفر عن فندق في مدينة الصويرة المغربية يُسمى بفندق الصمت، فأنت تسمع صوت سقوط الدبوس على الأرض الخشبية، وصوت تنفس النزيل الساكن فوقك !
حسناً : ما أجمل العيش مختبئين عن الأصوات ولو أياماً ...


١١ أغسطس، ٨ ذو القعدة :
سافرنا براً من الصخيرات إلى طنجة، طنجة مدينة جميلة ذات طابع أوربي، نظيفة وكبيرة، لقد أحببت هذه المدينة بفتياتها الحسناوات وصبيانها المشاكسين. 
كنا منهكين للغاية عقب ٤ ساعات في السيارة كان الماء المثلج أقصى أمنياتي، استقبلتنا الرياح الشديدة في طنجة، أغتسلنا و أسترحنا قليلاً ثم ذهبنا لمطعم  الفندق، وعلى ضوء شموع حمراء تناولنا الزيتون المغربي اللذيذ مطهواً عبر طبق الطاجين. أيضاً كانت نوافذنا المشرعة على المتوسط بلا سياج، فيما كان طنين الحشرات وطرقات النزلاء في الأعلى موسيقى تهددنا للنوم .

١٢ أغسطس / ٩ ذو القعدة :
أفكر في زيارة مقهى الحافة، المقهى الذي زاره شكري و بولز وكتاب آخرون.. وقد أصبح ملاذاً لخوان غوتسوبيلو ودافع عنه وكافح ليعود من  من بؤر المخدرات والحشيش والجاسوسية ليعود كمكان لإلهام الكتاب والسياسين وحتي الإنسان العادي الباحث عن نفسه ...
أيام السفر ترسم خطواتها بنفسها... إستغرقنا وقتاً للوصول لمغارة هرقل، إستغرقنا الذهول حين دلفنا داخلها ... كُنت مأخوذة بالكُلية داخل الكهوف العميقة، كُنت أريد الهرب عبر المغارة والغطس في البحر والتعلق بسفينة مارة واضياع .
يحرص المغاربة على تناول وجبة الكسكس في غداء الجمعة، بعد رحلة المغارة طلبنا على الغداء طبقين من الكسكس بالدجاج واللحم، وطبقي المغربي الحلو المالح : البسطيلة .

***
٩ مساءاً :
التجول في المول وتناول الزبادي المثلج..

***
٢ صباحاً :
أغفو وأستيقظ، ولدي الصغير نام كثيراً أثناء تجوالنا في السوق، كُنت متعبة وتركته يلعب بجانبي ونمت.. خاف من طنين الحشرات بالقرب من نافذتنا ونام  متعلقاً برقبتي . 

١٣ أغسطس/ ١٠ ذو القعدة :
أستيقظت في التاسعة، موعدي مع إيمان الحادية عشرة، صباح هذه المدينة العاصفة لا يُفوت.. قهوة الإفطار في البوفيه لذيذة وغليظة،أشرب الكوب الثاني، والثالث.... أتفقت مع إيمان على أن تكون نقطة اللقاء في سوق المعكازين(١) قرأت عن هذا السور ، سورٌ يتمطى فيه الرجال، صغارهم وكبارهم في إنتظار سائح لإلتقاطه .... نتقابل أنا وإيمان، أتفقنا أن تكون علامة التعارف الكتب، أنا حملت كتاب شكري ذو الغلاف الخلفي الأخضر" الخيمة " ، فيما هي حملت كتاباً أصفر لمفكر فرنسي باللغة الفرنسية... تقابلنا وسلمنا بحرارة، كُنت مدوشة، فلم أكن وحدي كما هي ، كانت عائلتي معي ... وبلا تفاصيل زائدة أو مقدمات أنطلقنا بالحديث، كانت مباني طنجة في شارع باستور مبنية على الطراز الأوربي، بيضاء وذات نوافذ مشغولة، عتيقة ومتسخة، إلا أن المدينة و أهلها كانت تريد لهذه البيوت ألا تندثر، مررنا بمكتبة خاصة لعبد الله كنون،مؤرخ ورجلٌ موسوعي كما قالت إيمان، إفتتح مكتبته للعامة، تحتل طابقاص كاملاً من مبنى عتيق في شارع باستور، للأسف أنها في يوم السبت تغلق لذا لم نستطع زيارتها ...تُشيرُ إيمان لمتجرٍ صغير على الطراز الأوربي، أبوابه من الزجاج بأعمدة طويلة معدنية باللون البُني المحمر، ظننته متجراً لبيع الحلوى، تستدرك إيمان : هذه مكتبة، أحاول تهجئة الكلمات الفرنسية لابببرري، ( إنها مكتبة الأعمدة، أسست هذه المكتبة سيدتان فرنسيتان في أربعينات القرن الماضي، صمدت هذه المكتبة تحت رعاية هاتان السيدتان لتُغلق لفترة وتكاد تتحول لمخبز، أعيد إفتتاحها على يد بيير بيرجي وناشطين مثقفين..
ندلف المكتبة عبر بابها الزجاجي المقفص بالخشب اللامع، لم أعتد دخول مكان كهذا ...حسناً لستُ مبهورة إن شعوريا تعدى الذهول والدهشة حتى غدوت مجنونة وخرقاء، فمي مفتوح وعيناي تترددان بحيرة وضياع في عوالم المكتبة الممتدة إلى السقف، البائع سحنته أوربية، صوته مميز ثقيل و واضح، يرطن بالفرنسية مع الزبائن، تحادثه إيمان ويرد بالمغربية الدراجة، صوته باللهجة المغربية رائع..
رائحة المكتبة غريبة، لارائحة كتب، إنها رائحة أرواح، لوركا وبيكت وشكري، محمد برادة، بنجلون تنسي ويليامز وجان جينيه وبولز ....
كتبٌ بكل اللغات: فرنسي، أسباني، إنجليزي، أمازيغي، عربي.. يدي تلتقط الكتب بهبل وشغف طفل لم يتذوق الحلوى سوى مرة واحدة، وبين تصفح الكتب وإلتقاطها كُنت أصور بلا تركيز، يلكزني زوجي : أنظري لرفيقتك إنها تأخذ الكتب منك، نبهيها نحن من سيدفع.. نسير للبائع الضخم ذو الصوت الرائع الوقور، وبالفعل تساومه إيمان على ما التقطته من كتب، وفي حرجٍ غريب يعترض زوجي على ذلك .. وأنا ساهمة أراقب الموقف كأني في مسرح! تُصر إيمان، تدفع وتكدس بكيسي الورقي مطويات مجانية وجرائد، ينقد زوجي البائع ثمن الكتب الباقية و أرواح المكتبة التي لاتكفيها قطعاً زيارة واحدة تُحلق داخلي، وصوت الجرس الذي يتأرجح حال الدخول والخروج يرن في مخي .

***

اليوم بلا نهاية، ونحن نستأنف جولتنا في طنجة، عُمق طنجة ... إيمان خير رفيقة صوتها حلو وطيب، وتمشي معي بذاكرة متدفقة مستمدة من مدينة عاشتها وعاشت فيها، لذا لا يمكنك أن تتعرف على طنجة المدينة الحقيقية الغائصة إلا عبر الطنجاوين (٢)...
الحمد لله يا إيمان أنك من طنجة! فقد كانت أزقة المدينة الداخلية ورائحة السمك المشوي بأكشاك الخوص تثير خيالي بعد قراءتي لها في عوالم محمد شكري، السوق الداخلي، مقهى طنجيس، سور المعكازين، وشارع باستور، فندق باريس وسينما الريف، عوالم عرفتها عبر الورق ورأيتها كما هي ... رأيت الجرسونات، ولمحت نظرات الحشاشين في النهار، رأيت النساء القرويات بأرديتهن الملونة، والنساء الأوربيات الجميلات، اللاتي لم يستطعن التغلب على جمال الطنجاويات الممسوح بمسحة فقر عابث كما رأيتهن في السوق الداخلي، عالم، عالم، عالم ... لستُ بصدد أن أكتب شيئاً مبهراً، ولكنني أريد أن أستعيد هذه المناظر والوجوه كلما قرأت هذه اليوميات.. إنني أسعى لئلا أنساها أبداً.. 

***
 ينتهي يومي المتفجر بالدهشة مع إيمان.. نتناول القبلات والهدايا والكتب ووعود بزيارة طويلة لطنجة، المدينة التي تحمل ألف وجه، وألف رائحة .


١٤ أغسطس / ١١ ذو القعدة :
يوم أزرق !
نُغادر طنجة.. الوداع ياشكري، الوداع أيتها المدينة العابثة الجميلة.
ننطلق براً بإتجاه مايُسميه المغاربة بالدراجة: " الشاون" وهي تعني بالأمازيغية : القرون، أي مدينة القرون لإنها تُطل على رأس جبل.. شفشاون مدينة زرقاء  دُهن غالبها بالأزرق المبهج، تقع هذه المدينة تحت حماية الجبال.. نصلُ إلى الفندق، يافطة الفندق مكتوبة بافرنسية، وفي الداخل كُتب بالعربية : " نُزل الإقامة عند عزيز " ... فندقٌ أزرق، وفي البهو آرائك زرقاء قاسية ولكن مريحة، صورٌ فوتغرافية، ولوحات ملونة وجدران مرسومة، مصابيح من الزليج الفندق كبيتٍ أندلسي سلمه مكسو بالزليج.. تقدم الإفطار إمرأة شاونية تقوم بالخدمة كذلك، لايوجد مصاعد لذا قلصنا عدد حقائبنا وانضغطنا نحن الأربعة في حقيبة واحدة ... لا دلال، هُنا السكن الحقيقي العامر بروح الموريسكيون القدماء ، في الغد سأحاول أن أتزود بحكاية هذا النُزل من الموظفين.. نرتاح قليلاٍ في شقتنا المذهلة ذات الألوان، وأيضاً هُنا نوافذ حُرة، لاشبك معدني ولا سياج، فقط أعمدة مشغولة برقة ونوافذ خشبية عتيقة.
نشرب الأتاي ونستريحُ قليلاً.. ثم نخرج لنرى بقية المدينة الزرقاء ..

***
كُل شيءٍ أزرق وعتيق، قططٌ ناعمة وجميلة، صبيان وفتيات لوحتهم الشمس فبرزت العيون الملونة في مشهدٍ جمالي مبهر، أسباني يعزف الجيتار في حانوت، وحمامات أثرية ودور لحفظ القرآن أثرية ومهجورة، المالانهاية من الأزقة الزرقاء ....تقذفنا هذه الأزقة في قلبِ مطعم ذو طابع أوربي - أسباني. تستقبلنا النادلة اللطيفة الطويلة ذات العينين البُنيتين، أحاول أن أتعرف على قائمة الطعام بمزيج من الفصحى والفرنسية، أخطاء، وضحك وإبتسامات ...لوحات على الجدران، و ورد شاوني على الطاولة.. ثم الباستا الساخنة الطازجة، فالفطرُ من هنا، والروبيان والسمك والخضروات، لحم البقر من مرعى قريب، وصلصة الطماطم رائعة ولا حل لروعتها.. وأنا آكل تطهو أمامي الطاهية في المقلاة وتقلب الطعام ببهلوانية، تحضر نادلة أخرى قصيرة و وسيمة لها ضحكة لا تُمل، تُقدم لنا حلوى الفوندو ونغرق في السعادة.

***
١ ليلاً :
النوم بلا تفكيرٍ أو أرق .. الحمدلله .


١٥ أغسطس / ١٢ ذو القعدة :
صحونا باكراً، إفطارنا في الشقة، أحضروه في الطواجن محمولاً في سلة خيزران، كورٌ من الزبد الطازج، جبن أبيض، عسلٌ من الجبل، خبز مغربي، وشاي وحليب، وأيضاً لاغنى عن عصير البرتقال الطازج في الفطور المغربي والذي يسمونه بـ " عصير الحامض" الحياة رائعة وبسيطة كزقزقة العصافير هُنا ولهو الأطفال في الأزقة .

***

الطريق إلى أقشور
طريقٌ ملتوية وبعيدة، ندورُ حول الجبال، يقتل جمال الطريق الخوف فينا ...نصلُ للشلالات  ونحن في أغسطس اللاهب وذروة سخونته، كانت مياه الشلال مُلثلجة، غاية في البرودة والإنتعاش ... لم أحظ بالسباحة ولكن ساقي و أقدامي إستمتعتا جداً بهذا الحمام المُثلج، نتناول الطاجن ونُحلي بمعجنات ريفية وتين شوكي... في كُل نقطة في الطريق للشلالات نجد مرحاضاً للنساء والرجال ببضعة دراهم، يجلس عجوزٌ نحيف و وسيم بين المرحاضين، يبدو كفتوة مخضرم، يجب عليك دفع درهمين له قبل الدخول ... توافد صبيان صغار على ظهورهم سلال التين، زعق العجوز وقام يرطن بالأمازيغية، نظراته حادة وغاضبة عجوز بروح شاب ثائر ، حين نضع في يديه الدرهمين يمنحنا إبتسامة كاملة لا يشوبها سوى أسنانه المنخورة..
منقبات ومحجبات يسبحن، عائلةٌ كاملة الأم والأب والأولاد قد أفترشوا أحد الكهوف الصغيرة وناموا على الصخور بكل بساطة وإستغراق، طفلتهم الصغيرة تلهو عبر الصخور برشاقة، أجزم أنها لم تتجاوز العامين! فيما الأم في غطيط عميق بجانب زوجها.. حياة بسيطة، وعرة، وشاقة ولكنها خالية من هموم المدنية وضجيجها ... لقد منحتنا هذه المدينة النوم الذي فقدته مذ البلوغ ومغادرة عالم الطفولة الغض، نوم الطفل الذي أغفو فيه و أستغرق بلا مشقة، لقد قالت إحدى الرفيقات ذات مرة بأنها تتمنى النوم الذي ننامه ليلة المدرسة نحن صغار، شفشاون منحتني ذلك كأكبر وأجمل هدية... شكراً لله على هذه المدينة، على هذه النومة المفقودة .. المغرب بلد الأمنيات المُحققة .

***

مساءاً :
مرة أخرى نجوب المدينة القديمة لنرى أزرقها في الليل ... نكتشف أزقة لم ندلفها، ودكاناً لبيع الزي المغربي... وجه البائع أصيل وشهم... ومن حديثنا عن الجلابة.. نعرج للحديث عن تاريخ المدينة والموريسكين ... في المغرب تجدُ حتى الحشاشين والمجرمين في غاية النخوة، ألبسُ النقاب، تقابلني الوجوه الكثيرة ونلتقي عبر العيون، شابٌ ذو وجه إغريقي جميل، عيونه مضللة بسواد الرموش والحاجبين، حدقتها بلون العسل المخضوضر، أبتسم و أضحك، يبتسم رداً على ضحكتي الصامتة، أشعر أنه رأى سعادتي في عيناي ورد عليها بإبتسامة صادقة.. شبان شغوفون يعزفون الموسيقى الشعبية ويرقصون بنشوة، آخرون على الغيتار يعزفون لحناً أسبانياً، جاذبين الناس المسحورين بفنهم كأنهم ذباب على حلوى ... مدينة عجائبية بها الحلزون مطهواً، والزبادي الطازج بالفراولة وأكلة الكالنتي، وحبوب الحمص المسلوقة بالكاتشب، مدينة ملونة بكل تفاصيلها، حتى أناسها ملونونون بشكلٍ جذاب وبسيط.

١٦ أغسطس/ ١٣ ذو القعدة :
بقي على موعد العودة للوطن ٧ أيام،وأنا الآن أعيش في مساحة من الزمن خارج حياتي الأصلية،بيوتٌ زرقاء، بقر، وأشجار زيتون تعانق رائحتها أنفي... قبل أن نغادر شفشاون تبادلت الأحاديث مع سيدتين كبيرتين في السن، ربما كانتا في الخمسين أو تجاوزتاها، كلتاهما كانتا جميلتين ومبتسمتين... المرأة التي على يساري كان جمالها مذهلاً وصافياً كالماء ! إبتسمت لي من قلبها وبان صف أسنانها العلوي خالياً من الأسنان... لكنها كانت جميلة! جميلة جداً ولا يمكن أن أنسى جمالها الكامل أبداً .
تسامرنا حول الفطور المغربي اللذيذ، الذي لا يخلو من أنوع كثيرة من المخبوزات، خبز مغربي يسمونه : " البطبوط"، ونوعٌ آخر يشبه البان كيك يختلف عنه بتحضيره من دقيق السميد الناعم و يُسمى بـ "البغرير"، ونوعٌ آخر لايمكن تفويت أكله مع عسل الأملو صباحاً يُسمى بـ "الملوي" ، وهناك أيضاٍ قطع رقيقة من العجين الأسمر اسمها : " الرغفان". تُمسك الخالة بقطعة مناديل ورقية وتشرح لي كيف يقمن بتحضير"الملوي" ويطوينه طبقات بعد رشه بالسميد، أودع المدينة الزرقاء و وجهها يبتسم لي عبر دعوات وإبتسامات هاتان السيدتان .

***

إفران ... مغامرة في الغابات
سفرٌ بري ٥ ساعات، ضياعٌ قليل، لكن النهاية جميلة : نزلٌ جميل هاديء في أزرو، ديكورٌ من الخشب، نذهب لمدينة إفران في الليل، وتحت سماء راعدة مطيرة أتناول غزل البنات والآيسكريم... في الأنحاء يصدح الرعد وصوت أم كلثوم عبر مكبرات الصوت .... وَ أبكي .


ــــــــــــــــــ


(١) تشرح لي إيمان فيما بعد فيما بعد سبب التسمية الحقيقية لسور المعكازين، الذي هو في الأصل سور المعجازين، والمعجازين مأخوذة من العجز والكسل وقلة الحركة .
(٢) وطنجة كغيرها من المدن، لا يمكنك أن تتعرف على المدن إلا عبر ناسها !







تعليقات

  1. وصف ساحر يافاطمة لمشاعركِ وانطباعاتكِ

    ردحذف
    الردود
    1. شكراً لهذا الثناء وهذا الرد المانح للحماس والمحبة ..
      تقديري

      حذف
  2. ممتعة كتابتك
    كأني ذهبت للمغرب واستمتعت بالتفاصيل :))

    ردحذف
    الردود
    1. حياك الله ميمي، أتمني أني وفقت في نقل مشاعري وأحاسيسي بصورة حقيقية .. شكراً لك

      حذف
  3. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  4. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  5. فاطمة .. لازلت مأخوذة حد الذهول بك وبكل هذا السحر المسمى " تدوينة " لا أعرف أشعر أنها أكثر إدهاشا وعمقا وسحرا من أن تكون " تدوينة " ! أنت كاتبة تتمتعين بهالة جمالية تنبثق من الداخل من ذلك المخزون الثقافي والعمق الفكري فينعكس على كتاباتك واحاديثك سحرا وجاذبية أدبية لا تقاوم ! لقد حلمت دائما أن اكتب يومياتي أن تكون لي مدونة ! ولكن هذا الحلم يتلاشى عندما أنظر لنفسي فأجد أني لا أملك إمكانيات الكتابة او التدوين ! فأنا لم أدخل عبر بوابة عوالم السفر يوما !
    ولم أتحسس تعرجات الطرق خارج مدينتي الساحلية "جدة" ! سوى إلى "مدينتك البرتقالية " الرياض !. لم أفرد جناحي تحت القبة الزرقاء ! لم أتوسد وسائد الطائرات واستغرق في القراءة وانا أزجي الوقت حتى موعد هبوطها في إحدى مطارات العالم الموازي هكذا أسميه ! وعلى المستوى الشخصي ليس لدي يوميات مدهشة او مثيرة للإهتمام. فانا مغمورة وكسولة و مملة ! ولكن شيئا ما أيقظني من خمولي وذلك عندما وقعت عيني على حسابك وتدوينتك بالمصادفة ! لقد كانت تدوينتك كتعويذة مدهشة جعلتني أتحرك من سريري المستطيل المنخفص جدا بل وأخرج من غرفتي الواسعة ذات الجدران البيضاء الفارغة الا من فراغ كبير يحاكي فراغ روحي وعالمي الممل البارد! وأدخل عوالمك السحرية الملونة بألوان السماء وزرقة البحر في شفشاون. وألوان الزهر المطبوع على ثياب القرويات! بل وألوان وروائح الكتب ! لدي سؤال يؤرقني الآن : كيف أشكرك فاطمة ؟! فقد جعلتني أشعر أني عصفورة تحط على كتفك وترحل معك عبر كل تدويناتك وحروفك وعوالمك الساحرة.

    ردحذف
  6. تهيئة حلول الاتصالات VoIP في السعودية وأهميتها للشركات

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بحر وكتاب وقمر

" لتبدأ الحياة كل يوم كما لوأنها بدأت للتو " غوته ( 1 ) الإجازة فرصة لتغوص أكثر في ذاتك ، تجربة جديدة لأرضٍ جديدة تزورها.. تكتشفها ، تبحث عن تاريخها المدون على سمائها وفي أوراق حشائشها . الإجازة تعني لي لذةً جميلة تتناسل كل عام للتوحد مع كتاب وإتمامه في أيامٍ معدودات على ضوء قمر وشاطيء ورائحة ملح ، أو تحت ظل شجرة وهدوء ظهيرة باردة ، الإجازة محاولة للتحرر من الضغوط و الإلتزامات السخيفة المكبلة لي .. الإجازة حرية مؤقتة تُهديها نفسك ، وعلاقة تجددها مع الروح لتكون روحك هي صديقة روحك .. الإجازة أنت وأنا ولا شيء آخر . ( 2 ) البدايات صعبة و القراءة كأي بداية متعثرة متخبطة غير ثابتة كخطى الطفل الرضيع ، بداياتي كبداياتكم جميعاً قصص المغامرات والألغاز، شُغفت بها اقتنيت كل ما قدرت عليه .. المغامرون الخمسة ، رجل المستحيل ، ملف المستقبل ،( حتى الروايات العاطفية جاء عليها الدور بس ما طولت فيها ).. انغمست في أدب آجاثا حتى النخاع ، غمرني محفوظ ابو روايتنا بحنانه وقوته الروائية ، بدأت أتنوع ... أحرص على أن استفيد من الكُتب ومن القراءة .. قبل أن اقتني أي كتاب ابحث عنه وأصنفه وأق

هل ننجو من لعنة الفراعنة؟ إليكم ماحدث ..

مقولة مثل كل المقولات ! رماها أحدهم في الفضاء وتلقفتها الأفوه؛ لاكتها، عجنتها، تندرت بها، توجست منها، ثمّ: صدقتها . تلك هي حكاية لعنة الفراعنة باختصار ! منذ أن افتتح كارتر مقبرة توت غنع آمون وهناك من يؤمن بتلك اللعنة، وهناك من يضحك على من يؤمن بها … لعل ضحكه يدفع شراً ما، لكن الجميع يتفق على أنها ظاهرة غريبة ليس لها تفسير، أو قد تحمل تفسيراً أُوري في الخفاء كما يحدث مع ظاهرة موت لاعبي كرة القدم بالسكتات القلبية هذه الأيام :) ! لم يمت أحدٌ ممن اكتشفوا مقبرة (واح ـ تي) في نوفمبر  2018 ، وهو مسؤول كبير _ كاهن للسلالة الخامسة من أسرة الفراعنة _ ، حوت المقبرة عدة موميات لوالدة هذا الكاهن وأولاده وزوجته، إضافة لموميات لبوة وشبل أسد، حوت المقبرة قصة حياة " واح تي " وتاريخاً آخر لصراعٍ عاشه مع مواطن فرعوني آخر أراد أن يطمس حضوره بعد الموت واستولى على المقبرة عله يحظى بجنة (واح - تي) بعد الموت ! خلال ساعتان مركزة من السرد المرئي لاكتشاف غرفة  

ورطة القارئ في الأعياد: نصائح لقراءة منعشة خلال أيام الإجازة القصيرة

  تبدو عطل الأعياد بمثابة شهيق طويل نلتقط فيه أنفاسنا، بعد مسيرة الأعمال المحمومة، ودائرة الروتين اليومي، نخلد فيها للوسائد باطمئنان، نلتهم السعادة مع سكاكر الصغار وحلويات العيد. حتى تداهمنا تلك اللحظة الفارغة!  تلك اللحظة التي تقع وسط نهر الزمن اللاهث وتتجمد العقارب فيها فتبحث داخلك وحولك عن ما يمكن أن يملأها: فيلم؟ كتاب؟ أم نزهة مختلفة؟ بالنسبة لي تكون هذه العطل القصيرة  بمثابة احتفال قرائي أختار فيه كتاباً بعشوائية تلائم نمط فوضى هذه الأيام، أسميه كتاب العيد وأغوص فيه بكل حواسي. مررت بعشرات الأعياد، عشت فيها تجارب مختلفة مع كتب عديدة: منها ما كان اختياره في هذا التوقيت موفقاً ورسخ داخلي قراءة لا تنسى، ومنها ما كان اختياره مروعاً! وتحول لزومبي يزورني ليالي العيد الساكنة السوادء وأثناء غيبوبات نعاس العصر الطويل. في هذا المقال سأستعرض معكم بعض هذه التجارب، ولن أنسى إضافة بعض النصائح المركزة للفوز حقاً بقراءة منعشة في هذه الإجازة القصيرة. فرانكشتاين في بغداد: اخترت فرانكشتاين في بغداد دون الاعتبار لتنافر موضوع الرواية الرهيب مع توقيت (العيد).  بدأت بها مساء يوم العيد بعد إرهاق التقبيل ا