التخطي إلى المحتوى الرئيسي

37



نسيتُ الكتابة، عدا الكتابة على الورق، فخلال العطلة وأثناء السفر حرصتُ على تدوين يومياتي.. وحينما عُدتُ وتخليتُ عن التدوين اليومي الورقي أشعرُ أنني فقدتُ شيئاً .


***


كان قد بقي لي بضع صفحات من محاكمة كافكا، ووقتها بقي لي بضعة أيام وأسافر لقضاء العطلة في المغرب، دسست كافكا تحت المخدة مثل حرز، وبلا تردد إخترت الخيمة لشكري، وغفوة عند الذئاب لمحمد عبيد غباش، وكالماء للشوكولاته ... قصصٌ عن البلد المرتحل إليه، كتاب رحلات شائق، رواية من المطبخ ! أعتقد أن إختياراتي جيدة .

***

 في الطائرة قرأتُ يسيراً و شاهدت فيلم ٤٥ عاماً ... فيلم رائع ! مستقبل بسيط وحالم للعيش في آخر العمر ... حسناً كل ما أتمناه هو نظرة الزوج جيف الحالمة لزوجته الكهلة الحسناء، شعرٌ صحي كشعر كيت، وقوام رشيق ممشوق ... .. وحتماً لا أتمنى لرفيق دربي قلباً عامراً بالماضي كجيف !

***

المدينة القديمة ـ طنجة
مكتبة الأعمدة ـ طنجة

رغم أن ما يكتبه شكري غالباً فاضح مقزز لكنه في كل مرة يثير حزني وعبراتي بشكلٍ لايصدق !.. أنهيه وأنا في طنجة، طنجة الرياح والحب والجمال ... طنجة الآن بالنسبة لي رائحة السمك المشوي في محلات سوق الداخل الشهية، البحر، الرياح، و مكتبة الأعمدة وسينما الريف، طنجة إيمان صديقة الكتب التويترية الطنجاوية، وجهها الطيب وصوتها الخفيض حتى أنك قد تستغرب أن هذه المرأة هي إيمان : موسوعة الكتب وا عالمة عالم القراءة . طنجة مذاق البرشومي البارد، وشكل العجائز الجبليات بقبعاتهن الملونة، وصوت النادل العم " محسن " وهو ينطق " واخا " بتمهل وعمق . طنجة مدينة لكل العالم ..

****

" غفوة عند الذئاب " في شفشاون : مدينة الأزرق المدهش، أطفالها فقراء وحفاة ولكن في غاية النظافة والجمال، مدينة لها رائحة وردٍ عتيق .. أغلق كتابي وأكتفي بقراءة شفشاون فهي أحقُ وأجدى ... والله إنها لأحق وأجدى !

****
 يلاحقني ذئب غباش في شمال الأطلس العالي في أوزرو بإفران .. يقول شكري قي كتابه الخيمة : أن أوزرو تعني الحجر بالأمازيغي ، في قصته التي تحمل ذات العنوان ... حقاً من المهم في السفر أن تصطحب كتاباً أدبياً قصص أو شعر أو رواية عن البلد التي تزورها، من الرائع لذاكرتك وذكرياتك وخيالك أن يكون معك كتابٌ كهذا ... قبل الإرتحال من شفشاون لإفران أهداني السائق المغربي " حميد " بضع أعداد من مجلة العربي والدوحة تزامن فترة مولدي وماقبلها عام ١٩٨٤، منحها إياه صديقه الشاوني بكرم حين طلبها، شفشاون ودعتنا كما يجب ... وأوزرو منحتني قراءة منتفضة لغفوة تحت الذئاب علي صوت ذئب حقيقي في الليل لمدة ليليتين !

****
المرور بمكناس لمراكش، غباش لازال معي يتشبث ... وفي ك يوم أفتتح يومي به مع الفطور المراكشي اللذيذ في البيت المغربي التقليدي " الرياض " .... أُحادث مدام سابيينا ـ المسئولة في النُزل ـ حديثاً ركيكاص فكلانا نتأرجح بالإنجليزية ، إلا أننا نشترك في حديثٍ جيد عن كافكا والكتب في المكتبة الخاصة بالنزل، لقد كانت مكتبة مهيبة ... العجيب أنني لم أصورها !

***
الدار البيضاء ، مدينة النهاية والوداعات... أترك الكتب وأكتفي بقراءة المدينة... لازلت أتذكرها جيداً، أحاول أن أجد فيها ماوجدته فيما مضى من المدن إلا أن الوداع يختلس مني كل شيء ... وفي المطار أكمل غباش، وفي الطائرة أنتهي منه.

***

أحاول نسخ يومياتي التي كتبتها خلال السفر ونشرها في المدونة، والإنتهاء من كالماء للشوكلاته، أستمرُ في مقاومة السهر والصحو مبكراً ولو بشكل نسبي بالنسبة لي ... السفر حياة أخرى تحاول فيها أن تتخلص من بعضك القديمة، وإكتساب روح جديدة ... وقد كنت أحاول خلال هذا العام ترك السهر ، والمحافظة على الإفطار والقراءة يومياً، وكتابة اليوميات بجد، والمشي .. السفر جعل هذه العادات تلتصق بي بشكل فعال وسريع، أعني أن السفر يجعلنا طيعين ودبقين  كالصلصال فيسهل تشكيلنا بسهولة ... لقد أَعدُتُ تشكيلي خلال السفر، وسأسعى للمحافظة على هذا الشكل للأبد . لإن : المشي، والإفطار وكتابة اليوميات عادات تجعلني سعيدة وأكثر إنتاجاً .

تعليقات

  1. استمتعت بالقراءه ياصديقتي..صدقاً ..حروفك آسره ..🌹

    ردحذف
  2. استمتعت بالقراءه ياصديقتي..صدقاً ..حروفك آسره ..🌹

    ردحذف
    الردود
    1. أشكرك على دقائق القراءة، أشكرك على السعادة التي منحتني إياها متعتك ،،، حياك الله دوماً ❤️

      حذف
  3. حقق أقصى معدلات الإنتاجية لرفع كفاءة العمل من خلال إنشاء كول سنتر احترافي
    لمزيد من التفاصيل يمكنك تصفح مدونة مدن التقنية | https://modn.com/ar/Reach-the-maximum-work-efficiency-through-an-integrated-call-center-solution

    ردحذف
  4. تهيئة حلول الاتصالات VoIP في السعودية وأهميتها للشركات

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

( سرير الأشباح ) ... قصة قصيرة

أحسّ بموجة هواءٍ حارة ، عرف أن النافذة جواره فُتَحت لثانية ثم غُلَقت ، حاول أن يرفع رمشيه الباردين ، حاول أن يقاوم ثِقَل المرض الماكث في خلايا جفنيه ... ، حاول ولم يفلح ، تمنى أن يرى الدنيا من نافذة السيارة المُسجّى على مرتبتها .. كان رأسه يقع تحت كوتها مباشرة ، مرة ثانية أحس بشيئٍ حار يلسع وجهه دون أن يشم الهواء ، عَرَفّ أن الشمس نجحت في مقاومة غيمة وتبديد ظلمتها الرمادية . أعياه الإحساس المشلول بالأجساد والأشياء حوله ، تمنى لو يُقَطِعُ جسده ، يفتته إلى قِطّع صغيرة ، ثم يبعثر ذاته في الفضاء عبر النافذة حتى لا يبقى منه سوى دُفقة نور ... روحه المُنهكة ! حينها قد تفضحه رائحة المرض والسرطان الذي سكن هيكله المسكين بضع سنين ، ودمّر حياته ، حتى أنه ذاق الموت أو كاد مراتٍ عديدة... أصطدمت رأسه بالمرتبة الأمامية بفعل القصور الذاتي _ حين توقفت المركبة _ ... ماذا قُلت ؟؟ قصور ذاتي ؟؟ لازالت العلوم الطبيعية تحفر عقلي ، وتُذَكرني بأني كنت مُدرساً محبوباً لمادة العلوم ..احترق جفنّاي، لابد أن الدموع تثابر لمقاومة الصمغ المتلبد بين الرموش .. أحسست بيديّ إبني سعيد وهو يتحسس قدميّ ليطمئن عل...

نجار في رأسي (47)

أقرأ النباتية(١) الآن. كُنت قد قطعت شوطاً طويلاً حتى وصلت إليها مُعتبرة قراءتي لها الآن احتفاء بمثابرتي كما يجب: ١٥ كتاباً خلال ٥ شهور بواقع ٣ كتب شهرياً. *** تنتمي هذه الرواية لأدب الكارثة، وهي ثاني رواية  كارثية أقرأها خلال الفترة السابقة بعد رواية خرائط يونس للروائي المصري محمود حسني. في كل مرة أحاول التدوين تفترسني رغبة الحديث عن الخمسة عشر كتاباً! فأتبلبل وأضيع، تجاوزت معضلتي هذه بصعوبة في رمضان، ورغم التدوينة الرمضانية المحشورة محاولة مني لنفض غبار رأسي واستئناف الكتابة إلا أنها أتت كمن يطهو للمرة الأولى  ديك رومي ليلة الميلاد! لم أطهو ديكاً رومياً ولا مرة، إلا أن مشاهد ليلة رأس السنة  في الأفلام والمسلسلات جعلتني أقيس التجربة بخيالي وأقيم صعوبتها العظيمة، والتي لا يمكن مقارنتها بأي طبقٍ محلي أو عالمي أعرفه، ومارأيت من لذة في تلك الليلة من تناول لحمٍ طري كالزبد قد جعلتني ألمس صعوبته وتطلب إحساس الطاهي الرقيق في صنع الطبق... ليلة عيد وطبق مستحيل وثلج! معضلة متشابكة تشبه المشاريع الكتابية التي أؤجلها كل مرة، تدوينات ومقالات أحلم بتدوينها. أنا نجار فقد مهارة قطع...

أَكتُبْ كما لو كُنتْ في التاسع والعشرين من مايو (34)

هذه التدوينة عبارة عن مسودة ، كنت أشطب وأكتب وأضيف فيها طوال شهر مايو، ولمّ تُنشر إلا الآن ... العجيب ما حدث في مايو ! حيث تضاءلت كتاباتي وتدويناتي اليومية الخاصة فيما تصاعدت وتيرة قراءاتي، لتكن العلاقة بين القراءة والكتابة عكسية، لكن الأهم أن يبيقيان ضمن إطار علاقةٍ ما ...هذه التدوينة عبارة عن ماحدث مع القراءات في شهر مايو.. في هذا الشهر واللذي يصادف شهر رمضان ستكون قراءتي مرتكزة على كتابين : أسطنبول: الذكريات والمدينة لباموق، ومن شرفة إبن رشد للكاتب المغربي عبد الفتاح كيليطيو . *** خمسة أصوات ـ غائب طعمة فرمان قرأت هذاه الرواية بتدفق وإنهماك ثم توقفت قرابة الشهر .. لماذا ؟ لقد ضاع الكتاب في سيارة أحد إخوتي، لأجده بشكلٍ غرائبي داخل درج خزانتي .. صحيح أن رعدة سريعة مرت بي وأنا أتأكد من أن الكتاب هو ذاته كتابي ... لكنني إبتهجتُ جداً حين تأكدت من أنه هو : كتابي البنفسجي الضائع . قراءةٌ أولى لغائب، لقد أهداني أحد الأصدقاء هذه الرواية، طوال القراءة كان يمر بي طيف نجيب محفوظ، إنه يشبه سرد محفوظ إلى حدٍ ماـ خاصة في رواية ميرامار ـ حيث تتعدد أصوات الرواة كما فعل غائب متنقلاً بين خمسة ...