التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الفوضى المُحتملة في أيام الأعياد (٣٦)

مكثت في بيتي أسبوعاً أو يزيد، لم أزر فيها أمي أو أبي رغم أننا نقطن ذات المدينة، كُنت أقوم فيها بما يُسمي ببروفة مُستبقة حتى يعتادوا نظامي الجديد : عبارة عن ٥ أيام من العمل ، فيما يكون مساء الخميس بصحبتهم أو على أريكة الصالة أشاهد فيلماً كرتونياً ملوناً مع أولادي ... لا إستثناءات .. لاخروج في هاته الأيام، عملٌ متواصل وجاد . زرت والداي بعد عدة إتصالات عاتبة من أمي ورأيت مالم أظن أني بإستطاعتي الإستغناء عنه بالغياب الطويل، حين رأتنا قالت " لقد طولتم علينا " كان في نظرتها السمراء حنينٌ حقيقي وإشتياق، وددت لو أرتميت على صدرها وقبلت أصابع قدميها، وشرحت لها كم هو مهمٌ لحياتي وَ وجودي غياباتي الأسبوعية تلك، وَ دون أن تعذبني بنظرة الإشتياق هذه وهي تُريني جونلتها العسلية وقميصها المورد بإبتهاج .

***

٢٨رمضان (٣ يوليو)

بعد عدة قصص قصيرة قرأتها عبر الشبكة، ومن مجموعة الجوائز لكتاب " أفضل القصص عام ٢٠٠٧ جائزة أو . هنري " ترجمة عبد المقصود عبد الكريم ،  أحسُ بنهمٍ غريب لأن أقرأ  المزيد من كافكا، يقع إختياري على رواية المحاكمة، لا جديد في أن تتناول كتاباً من رفوف مكتبتك وتقرر بشغف مباغت أن تقرأه ... لاجديد بتاتاً ، لكن الجدة تكمن فيما لو عرفتم أن ذلك اليوم كان الثالث من يوليو وذلك يوافق ذكرى ميلاد فرانز كافكا من العام ١٨٨٣ !

*** 

الحلم : ركامٌ من ليلٍ قديم !*


أتممتُ خطة القراءة لرمضان! بل وتبقى لي المزيدٌ من الأيام بعد قراءة سريعة وغرائبية لشرفة عبد الفتاح كيليطوـ لازلتُ لا أتقن تهجئة إسمه - ولا أستوعب أن بعضاً ممايكتب كتبه بالأصل باللغة الفرنسية! حيثُ أن ترجمته جاءت بإسلوب راقٍ  لغوياً للغاية من ناحية جزالة اللغة وفصاحتها، عدا عن مواضيع مقالاته تلك، فلا يفتأ عبد الفتاح عن الحديث برصانة عن التراث العربي الأدبي، وهو دائم الحديث عن حكايات ألف ليلة وليلة، أولُ نصٍ قرأته له كان عن هذه الحكايات، وذكرياته الخاصة بها، يقول أنه قرأها وهو محموم في فراش جدته، وكأنما تواطئ سحر الحكاية مع المرض لخلق دهشة لا تُنسى، أعيدُ القراءة لكيلطيو عبر مقالاته في المجلات، و رغم طريقة كتابته الوعرة إلا أن مايكتبه فريدٌ وملهم حقاً، ولعل وعورته تلك إكتسبها من كتب التراث التي غاص بها وقرأها حتي النخاع بحكم أستاذيته في تخصص مقامات الهمذاني والحريري  لأطروحة الدكتوراه من السوربون الجديدة . لنَعُد لكتابه من شرفة ابن رشد :
مجموعة من المقالات المركزة، يرشدك في بدايتها لكيفية قراءة كليلة ودمنة، حسناً ياسيد كيليطيو لقد قرأتها وبفخرٍ شديد في صفي الثالث متوسط عبر الإعارة، ولقد أيقظ فيني مقالك شهوة حقيقية لإمتلاك نسخة منه وإعادة القراءة.
يقفز بتمكن قاريءٍ متبحر وعليم بين مواضيع المقالات مابين بارت والحريري .. في مقالته عن محمد الحريري البصري صاحب المقامات الشهيرة المسماة بإسمه، لايغفل بذكاء عن التفصيل فيمن رسم هذه المقامات العراقي يحيى الواسطي، حسناً يا كيليطيو شكراً علي هذه الدهشة وهذه العوالم التي سنكتشفها ونحن نبحث عن الفنان يحيي الواسطي.
في طبعة ألف ليلة وليلة خاصتي على غلافها لوحة رقيقة أجد فيها شيئاً من روح الواسطي، لاريب أن هذا الفنان إبتدع مدرسة فنية مستقاة من الحكايات الشرقية القديمة ... قد قام العديد من فناني الشرق والغرب بالسير علي نهجه،  وينتمي الواسطي لما يُسمى ب" مدرسة بغداد للتصوير "  بل يُعتبر من رياديها كما ذكرت ذلك ويكيبيديا .
وتعتبر مقالته الأخيرة " من شرفة إبن رشد " هي المقالة الرئيسة من حيث  : إقتطاعها جزءاً أكبر من الكتاب، وموضوعاً حيث تمثل كوة صغيرة ندلف منها لحياة الكاتب الخاصة ومخاوفه، المقالة عبرة عن حُلم لكيليطيو! يسرد حلمه الغريب بطريقة تجعلك في وسط عالم الأحلام فعلاً ، عالمٌ متماوج غريب لا منطقي... لكنه سلس جداً ... مقالة غرائبية وممتعة، لن أفسدها بسردٍ أكثر .. لكنها تُعطيني بعض المبرر لذكر أحلامي ثانية، حلمتُ مؤخراً بلقاءٍ صحفي تم فيما أنا أتوسد فخذ ذلك القاص المذهل الشاب !  وفيما يرمي إنتقاداته القاسية على مايمكن أن اسميه قصصي المنشورة في الشبكة، كنتُ مسترخية جداً بل ضاحكة !.. حتى أنني بقيت منزعجة ـ بعد إستيقاظي ـ من لامبالتي بنقده  القاسي تجاه كتاباتي .. و فيما بعد: شعرتُ أنها وخزة ذاتية لتطوير ما أكتب .



***

تقعُ أعيادنا دوماً بين مدينتين، وبين هذه وتلك مسافة ساعة بالسيارة، كتبي مذعورة إزاء الإنتقال وحيرتي أكبر إزاء إختيار الكتاب المسافر لثلاثة أيام مملؤة بالحلوى ، والشوكولاته والعديد من طلاء الشفاة الفاقع، و أصوات الأحذية العالية، الممزوجة بصوت الباورد المتفجر ورائحته النفاذة للألعاب النارية ... أحب العيد ولاأزال أراه في وجوه أطفالي وخشخشة قراطيس الحلوى في جيوبهم، ونسيم بلدتنا الصغيرة، أحب العيد لإنه عيد .... و فيه صوت أمي، وكفُ أبي .
 أحبُ العيد رغماً عن عذابات مِلئ الحقائب والإستعدادات المزعجة، والقراءات المقطومة في الطرق السريعة والتخلي مؤقتاً عن فكرة الكتابة .. فيما تبدو القصص القصيرة ل أو هنري قراءة، و محاولة كتابة شيء يشبهها في مذكرة الهاتف النقال حلاً جيداً لإحتمال الفوضى السنوية في أيام الأعياد.



ـــــــــــــــــ
* كتاب : " من شرفة إبن رشد " عبد الفتاح كيليطو، دار توبقال ص٦٤

تعليقات

  1. يحفظ لك الوالد والوالده..ويعيد علينا الاعياد بصحة وسلامة..استمتعت بما كتبت ياصديقتي ولي عودة لقراءه باقي التدوينات..🌷

    ردحذف
    الردود
    1. كل عام وأنتي طيبة، وشكر الله لك لكِ لقراءتك و حسن ردك وجميل دعائك ولك مثلها يارب 🌸

      حذف
  2. وأخيرا ً قرأت التدوينة بعد أن ظلت ببالى منذ مشاهدتي لادراجكِ من خلال مدونتي ...كل عام وأنتِ واسرتكِ بخير عزيزتي فاطمة ...

    ردحذف
    الردود
    1. أشكر لكِ هذه القراءة وهذا الرد عزيزتي أيامك سعيدة وعيدك مبارك🌷

      حذف
  3. حلول الشبكات أختيارك الامثل في عالم الأعمال
    لمزيد من التفاصيل يمكنك تصفح مدونة مدن التقنية | https://modn.com/ar/network-solutions

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بحر وكتاب وقمر

" لتبدأ الحياة كل يوم كما لوأنها بدأت للتو " غوته ( 1 ) الإجازة فرصة لتغوص أكثر في ذاتك ، تجربة جديدة لأرضٍ جديدة تزورها.. تكتشفها ، تبحث عن تاريخها المدون على سمائها وفي أوراق حشائشها . الإجازة تعني لي لذةً جميلة تتناسل كل عام للتوحد مع كتاب وإتمامه في أيامٍ معدودات على ضوء قمر وشاطيء ورائحة ملح ، أو تحت ظل شجرة وهدوء ظهيرة باردة ، الإجازة محاولة للتحرر من الضغوط و الإلتزامات السخيفة المكبلة لي .. الإجازة حرية مؤقتة تُهديها نفسك ، وعلاقة تجددها مع الروح لتكون روحك هي صديقة روحك .. الإجازة أنت وأنا ولا شيء آخر . ( 2 ) البدايات صعبة و القراءة كأي بداية متعثرة متخبطة غير ثابتة كخطى الطفل الرضيع ، بداياتي كبداياتكم جميعاً قصص المغامرات والألغاز، شُغفت بها اقتنيت كل ما قدرت عليه .. المغامرون الخمسة ، رجل المستحيل ، ملف المستقبل ،( حتى الروايات العاطفية جاء عليها الدور بس ما طولت فيها ).. انغمست في أدب آجاثا حتى النخاع ، غمرني محفوظ ابو روايتنا بحنانه وقوته الروائية ، بدأت أتنوع ... أحرص على أن استفيد من الكُتب ومن القراءة .. قبل أن اقتني أي كتاب ابحث عنه وأصنفه وأق

هل ننجو من لعنة الفراعنة؟ إليكم ماحدث ..

مقولة مثل كل المقولات ! رماها أحدهم في الفضاء وتلقفتها الأفوه؛ لاكتها، عجنتها، تندرت بها، توجست منها، ثمّ: صدقتها . تلك هي حكاية لعنة الفراعنة باختصار ! منذ أن افتتح كارتر مقبرة توت غنع آمون وهناك من يؤمن بتلك اللعنة، وهناك من يضحك على من يؤمن بها … لعل ضحكه يدفع شراً ما، لكن الجميع يتفق على أنها ظاهرة غريبة ليس لها تفسير، أو قد تحمل تفسيراً أُوري في الخفاء كما يحدث مع ظاهرة موت لاعبي كرة القدم بالسكتات القلبية هذه الأيام :) ! لم يمت أحدٌ ممن اكتشفوا مقبرة (واح ـ تي) في نوفمبر  2018 ، وهو مسؤول كبير _ كاهن للسلالة الخامسة من أسرة الفراعنة _ ، حوت المقبرة عدة موميات لوالدة هذا الكاهن وأولاده وزوجته، إضافة لموميات لبوة وشبل أسد، حوت المقبرة قصة حياة " واح تي " وتاريخاً آخر لصراعٍ عاشه مع مواطن فرعوني آخر أراد أن يطمس حضوره بعد الموت واستولى على المقبرة عله يحظى بجنة (واح - تي) بعد الموت ! خلال ساعتان مركزة من السرد المرئي لاكتشاف غرفة  

ورطة القارئ في الأعياد: نصائح لقراءة منعشة خلال أيام الإجازة القصيرة

  تبدو عطل الأعياد بمثابة شهيق طويل نلتقط فيه أنفاسنا، بعد مسيرة الأعمال المحمومة، ودائرة الروتين اليومي، نخلد فيها للوسائد باطمئنان، نلتهم السعادة مع سكاكر الصغار وحلويات العيد. حتى تداهمنا تلك اللحظة الفارغة!  تلك اللحظة التي تقع وسط نهر الزمن اللاهث وتتجمد العقارب فيها فتبحث داخلك وحولك عن ما يمكن أن يملأها: فيلم؟ كتاب؟ أم نزهة مختلفة؟ بالنسبة لي تكون هذه العطل القصيرة  بمثابة احتفال قرائي أختار فيه كتاباً بعشوائية تلائم نمط فوضى هذه الأيام، أسميه كتاب العيد وأغوص فيه بكل حواسي. مررت بعشرات الأعياد، عشت فيها تجارب مختلفة مع كتب عديدة: منها ما كان اختياره في هذا التوقيت موفقاً ورسخ داخلي قراءة لا تنسى، ومنها ما كان اختياره مروعاً! وتحول لزومبي يزورني ليالي العيد الساكنة السوادء وأثناء غيبوبات نعاس العصر الطويل. في هذا المقال سأستعرض معكم بعض هذه التجارب، ولن أنسى إضافة بعض النصائح المركزة للفوز حقاً بقراءة منعشة في هذه الإجازة القصيرة. فرانكشتاين في بغداد: اخترت فرانكشتاين في بغداد دون الاعتبار لتنافر موضوع الرواية الرهيب مع توقيت (العيد).  بدأت بها مساء يوم العيد بعد إرهاق التقبيل ا