التخطي إلى المحتوى الرئيسي

القط الأول في المدينة

لم أكن أنا وحدي من فكر من أين تأتي قطط الشوارع !
قبل أن أبحث عن الإجابة كنت أعتقد أن قطط الشوارع دليل بيئة شوارعية قذرة، وعشوائية .. وبعد أن بحثتُ بجدية عن جوابٍ للسؤال في البداية أدركتٌ أهمية قطط الشوراع... وفي داخلي كننتُ لهم التقدير الخالص، وبعض المودة التي فقدتها جراء موقف طفولي كتبت عنه هنا .
يقال أن شعباً ما انزعج من مثلي من وجود القطط حتى كثر الطاعون وعرف فضلها في أكل الفئران والجرذان الناقلة لذلك البلاء العظيم، فقد كان من أسباب ظهور الطاعون الأسود Black plaque الشهير الذي اجتاح أوروبا في القرون الوسطى، وإهلاكه لنحو ثلثي سكانها، تلك المجازر التي ارتكبت بحق القطط (رمز الهرطقة والشعوذة والسحر)، فكان أن انتشرت بكثافة الفئران الناقلة للبراغيث المسببة لعدوى الطاعون (ج. بنجنيتي: موسوعة ماكدونالد للقطط، لندن 1983م).
في حين يعتقد البريطانيون، والروس، واليابانيون أن رؤية قطٍ أسود فألاً حسناً فيبجلوها ...وكان المصريون من الشعوب القديمة التي قدست القطة ورأت وجودها في الدار سبباً مهماً لجلب الرخاء والسعادة، ومن قتل قطاً فقد يعاقب عقوبة تصلُ حد الموت!  أما إذا مات القط فيقيمون أيام الحداد ومراسم التحنيط للهر الميت .. ويحلقون حواجبهم علامة الحزن العميق ... أما في طيبة فيصور الرجل مع قطته على جدران المقابر .. وكانت القطة " باستيت " آلهة الحب والخصوبة، والمرح "ـ  ابنة أشهر آلهة للفراعنة " رع "ـ  بعد تحولها لباستيت دائمة الإبتسام رغم أنها من الحيوان .. لازالت آثار مدينة الآلهة باستيت فيما يُعرف بتل بسطة قُرب مدينة الزقازيق حالياً .(١)


***
حكاية سريعة

أمام كراج البيت كان يجلس منطرحاً بسواد لونه كملك . قلتُ لأخي إن طريقة جلوسه وسواد فروه الحالك لا يمكن ان يكون سوى لنمر .
أجاب : أنت لم تري قططاً في حياتك هذه النوع من القطط عبارة عن جني !
أنا : ليكن جنياً أو إنسياً سأسميه بالقط النمري .
وحين إقتربنا بالسيارة من مدخل الكراج: لا يمكنكم تخيل كبرياء نظراته الحالكة، كإنسان عاقل .. لم نتحرك أماماً لندهسه مثلاً ،أو يتحرك هو ليفسح لنا فرصة العبور للكراج .. كُنا أنا وأخي وسيارتنا المغلقة تماماً وهذا القط كندين، كسيارتين تنتظر إحداهما أن تفسح مساحة صغيرة للأخرى لتعبر .. كان مهيباً، متمهلاً وحركاته بطيئة، كان يبدو حقاً كمخلوقٍ عاقل !
.. خمس دقائق بالتمام بقي بنظراته السالفة الذكر، ثم نفض رأسه وأدار رقبته بليونه، تبعها إلتفاف جسمه الممشوق الأسود الضخم، ثم قام مفسحاً لنا الطريق لندلف لساحة منزلنا أخيراً... لاريب أنهُ أولُ قطٍ في المدينة.

***
كم قطاً في المكتبة ؟

أثناء بحثي السريع  عَلِمتُ أن القط حيوان أخلاقي، أي يتحلى بالأخلاق والآداب كما البشر فلا يأكل طعاماً لم يوضع له، ويقضي حاجته مُستتراً بعد أن يُهيل عليه التراب.
  كما رأيت قطاً يابانياً في غاية اللطافة والأدب يحيي صاحبه باليابانية ليأكل الطعام ... يقول همنجواي : " تتمتع القطط بصدق عاطفي مطلق، يمكن للبشر أن يخفوا مشاعرهم لسبب أو لآخر، أما القطط فلا تفعل ذلك ". لا يمكنك تجاهل مقولة همنجواي فهو من أشهر من خَبُرَ القطط وعاشرها، لازالت أسطورة قطط همنجواي حاضرة حتى اللحظة، كتبت هيفاء القحطاني عن قصة همنجواي والقطط كأحسن مايكون هُنا .
عالمٌ مذهل وبلا حد لعلاقة : الكتابة بالقطط، الأدبُ بالقطط، والكاتبُ بالقطط....  هرعتُ في فضول لمكتبتي المكركبة لأرى الأثر القططي لدي ...وقد فُوجئت حقيقة حيث وجدت  أربعة كتب تستند في عناوبنها علي القطط، وكتابين كانا ضمنياً يعتمدان   على القطط كما في مجموعة نوارس تشي غيفارا ـ لمريم الساعدي ـ هناك قصة :القط الأسود أسفل الغرفة،  ورواية موراكامي" كافكا على الشاطيء".
قرأتُ كافكا على الشاطيء لهاروكي موراكامي، وكانت القطط صديقة ـ ناكاتا العجوزـ أحد الأبطال في الرواية،  ولكن بلا أسماء... يبرر نيل كايمان ذلك بقوله :" للبشر أسماء لأنهم لا يعرفون من هم، أما القطط فلا تحتاج لأسماء."
عاش الكاتب المغربي " محمد شكري " في شقته مع حيواناتٍ كثيرة من بينها سلحفاة وطائر وكلب وقطة... وحين سُئل لماذا تعيش مع الحيوانات .. أجاب بأنه بحاجة لرفقة حية.
 أما إيرفين شرودنجر عالم الكم فقد إستعان بالقطة كحيوان خيالي لإثبات وشرح نظريته الفيزيائية القائمة على الإحتمالات وعُرفت تلك القطة بقطة شرودنجر .. فكانت القطة أكثر الحيوانات قرباً ليس للكاتب فحسب بل حتى للعالم .
السؤال المثير الآن :  كم قطاً تحتويه مكتباتكم ؟ :)

***



تعيشُ الجدة اليابانية إيهارا ميساو سنواتها متجاوزة منتصف الثمانين برفقة القط فوكومارو بصممٍ جزئي لكليهما، يسترخيان في الشمس الدافئة، عملهما قلع الحشائش الضارة وطعامهم مُعد من خيرات الحقل ...دونت حفيدتها القصة  كإلتقاطاتً بهيجة للجدة وقطتها ذات العينين المختلفتي اللون.الحفيدة إيهارا ميوكو كتبت مختصراً لحكاية جدتها وصوراً لها ولقطتها هُنا

بدأتُ فكرة كتابة هذه التدوينة بسؤال : من أين تاتي قطط الشوارع؟
لكم ان تتصوروا كم إمتدت إجابة هذا التساؤل وتشعبت بشكلٍ بِتُ أمامه عاجزة عن لملمته في تدوينة بسيطة.. ستكون هذه التدوينة حكاية بلا نهاية عن القطط .. هذه الكائنات التي كُنتُ قبلاً  لا أجلس في مكانٍ واحد معها، وكنتُ أناضل محاولات ولدي الأوسط المحب للحيوانات لإمتلاك قطة .. أما الآن سيتغير موقفي، سأخبره غداً صباحاً بان لا مانع لدي أن نمتلك قطة رمادية لطيفة ممزوجة بالفراء الأبيض، ولكن حين ننتقل لبيتٍ أكثر رحابة ، إنها إجابةٌ مشروطة نعم، لكني أعلم أهمية أن تكون إجابة المطالب ممكنة ولو على مدى بعيد، خصوصاً في سن الطفولة، فيبدو من تجربة الجدة ميساو أن قضاء بقية العمر مع قطة، رفقةً ليست سيئة أبداً .

ـــــــــــــــــ
(١) المصدر المجلة العربية، وكتاب القط في المعتقد الشعبي نسخة إلكترونية هُنا

تعليقات

  1. أربط فروع شركتك أياً كان عددها بشبكة موحدة مع حلول VPN
    لمزيد من التفاصيل يمكنك زيارة متجر مدن الاتصالات | https://modn.com/ar/VPN?utm_source=falsfaglam&utm_medium=organic&utm_id=N-107

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

( سرير الأشباح ) ... قصة قصيرة

أحسّ بموجة هواءٍ حارة ، عرف أن النافذة جواره فُتَحت لثانية ثم غُلَقت ، حاول أن يرفع رمشيه الباردين ، حاول أن يقاوم ثِقَل المرض الماكث في خلايا جفنيه ... ، حاول ولم يفلح ، تمنى أن يرى الدنيا من نافذة السيارة المُسجّى على مرتبتها .. كان رأسه يقع تحت كوتها مباشرة ، مرة ثانية أحس بشيئٍ حار يلسع وجهه دون أن يشم الهواء ، عَرَفّ أن الشمس نجحت في مقاومة غيمة وتبديد ظلمتها الرمادية . أعياه الإحساس المشلول بالأجساد والأشياء حوله ، تمنى لو يُقَطِعُ جسده ، يفتته إلى قِطّع صغيرة ، ثم يبعثر ذاته في الفضاء عبر النافذة حتى لا يبقى منه سوى دُفقة نور ... روحه المُنهكة ! حينها قد تفضحه رائحة المرض والسرطان الذي سكن هيكله المسكين بضع سنين ، ودمّر حياته ، حتى أنه ذاق الموت أو كاد مراتٍ عديدة... أصطدمت رأسه بالمرتبة الأمامية بفعل القصور الذاتي _ حين توقفت المركبة _ ... ماذا قُلت ؟؟ قصور ذاتي ؟؟ لازالت العلوم الطبيعية تحفر عقلي ، وتُذَكرني بأني كنت مُدرساً محبوباً لمادة العلوم ..احترق جفنّاي، لابد أن الدموع تثابر لمقاومة الصمغ المتلبد بين الرموش .. أحسست بيديّ إبني سعيد وهو يتحسس قدميّ ليطمئن عل...

نجار في رأسي (47)

أقرأ النباتية(١) الآن. كُنت قد قطعت شوطاً طويلاً حتى وصلت إليها مُعتبرة قراءتي لها الآن احتفاء بمثابرتي كما يجب: ١٥ كتاباً خلال ٥ شهور بواقع ٣ كتب شهرياً. *** تنتمي هذه الرواية لأدب الكارثة، وهي ثاني رواية  كارثية أقرأها خلال الفترة السابقة بعد رواية خرائط يونس للروائي المصري محمود حسني. في كل مرة أحاول التدوين تفترسني رغبة الحديث عن الخمسة عشر كتاباً! فأتبلبل وأضيع، تجاوزت معضلتي هذه بصعوبة في رمضان، ورغم التدوينة الرمضانية المحشورة محاولة مني لنفض غبار رأسي واستئناف الكتابة إلا أنها أتت كمن يطهو للمرة الأولى  ديك رومي ليلة الميلاد! لم أطهو ديكاً رومياً ولا مرة، إلا أن مشاهد ليلة رأس السنة  في الأفلام والمسلسلات جعلتني أقيس التجربة بخيالي وأقيم صعوبتها العظيمة، والتي لا يمكن مقارنتها بأي طبقٍ محلي أو عالمي أعرفه، ومارأيت من لذة في تلك الليلة من تناول لحمٍ طري كالزبد قد جعلتني ألمس صعوبته وتطلب إحساس الطاهي الرقيق في صنع الطبق... ليلة عيد وطبق مستحيل وثلج! معضلة متشابكة تشبه المشاريع الكتابية التي أؤجلها كل مرة، تدوينات ومقالات أحلم بتدوينها. أنا نجار فقد مهارة قطع...

أَكتُبْ كما لو كُنتْ في التاسع والعشرين من مايو (34)

هذه التدوينة عبارة عن مسودة ، كنت أشطب وأكتب وأضيف فيها طوال شهر مايو، ولمّ تُنشر إلا الآن ... العجيب ما حدث في مايو ! حيث تضاءلت كتاباتي وتدويناتي اليومية الخاصة فيما تصاعدت وتيرة قراءاتي، لتكن العلاقة بين القراءة والكتابة عكسية، لكن الأهم أن يبيقيان ضمن إطار علاقةٍ ما ...هذه التدوينة عبارة عن ماحدث مع القراءات في شهر مايو.. في هذا الشهر واللذي يصادف شهر رمضان ستكون قراءتي مرتكزة على كتابين : أسطنبول: الذكريات والمدينة لباموق، ومن شرفة إبن رشد للكاتب المغربي عبد الفتاح كيليطيو . *** خمسة أصوات ـ غائب طعمة فرمان قرأت هذاه الرواية بتدفق وإنهماك ثم توقفت قرابة الشهر .. لماذا ؟ لقد ضاع الكتاب في سيارة أحد إخوتي، لأجده بشكلٍ غرائبي داخل درج خزانتي .. صحيح أن رعدة سريعة مرت بي وأنا أتأكد من أن الكتاب هو ذاته كتابي ... لكنني إبتهجتُ جداً حين تأكدت من أنه هو : كتابي البنفسجي الضائع . قراءةٌ أولى لغائب، لقد أهداني أحد الأصدقاء هذه الرواية، طوال القراءة كان يمر بي طيف نجيب محفوظ، إنه يشبه سرد محفوظ إلى حدٍ ماـ خاصة في رواية ميرامار ـ حيث تتعدد أصوات الرواة كما فعل غائب متنقلاً بين خمسة ...