التخطي إلى المحتوى الرئيسي

28





مالذي يعنيه أن تنسى كتابك على منضدة فندق أو على مقعد طائرة ؟
يعني ببساطة أنك تقرأ .
***
نسيت رواية الصديقة مريم في الفندق أثناء إجازة الصيف الماضي، هل حزنت؟ نعم ... قليلاً ، ما أزاح شعور الحُزن هو تخيل قاريءٍ ما يقرأه، أهديتُ عامل خدمة الغرف كُتيب جيب صغيراً، سألته عن اسمه أجاب بأنه عثمان من رواندا ... عثمان بقامته الطويلة ووجهه المُدور الأسود الطيب دائماً ما أراه في مخيلتي منكفياً على رواية مريم قارئاً بشغف " أنثى لا تحتمل العيش " .

****
قرأتُ تاج السر لأول مرة في رواية صائد اليرقات، عنوانٌ مثير .. دوماً تجتذبني العناوين لقراءة الكتب، تخيلتُها روايةً عن رجلٌ سواداني بسيط ثوبه فضفاض أكثر مماينبغي ويحمل شبكة صيد الفراشات ويصطادها .. لا أدري ما علاقة الفراشة باليرقة سوى أن الأخيرة طورٌ من أطوار نموها ... وبعد قراءة الرواية إكتشفتُ انها عن موضوعٍ مخالف تماماً .
إنها روايةٌ عن رجلٌ إكتشف ذات لحظة أنه يُريد أن يكتُب، هكذا فجأة بدون مقدمات إكتشف عبد الله فرفار رجل الأمن السري السابق ذو الساق الخشبية أن لديه الكثير ليكتبه وأنه يقدر على كتابته قصة أو روية !


" أنا عبد الله حرفش، أو عبد الله فرفار، كما أُلقب منذ الصغر في الحي الذي نشأتُ فيه وكبر معي هذا اللقب. لكنها لنَ تكون غريبةً أبداً، وقد قرأتُ مؤخراً في عددٍ من الصحف والمجلات التي وقعت بيدي واستطعتُ قراءتها بلا تعجل، أن بائع ورد بنغالياً في مدينة نيس الفرنسية، كتب رواية عن الورد بطلتها إمرأة من المهاجرات الإفريقيات ظلت تشتري الورد عشرين عاماً من محله، من دونِ أن تُغير لونه، وتخيل البائع أنها تبعثه إلى حبيبٍ ضائع في حربٍ بشعة ... " * ص 5 من الرواية

إذاً الرواية عن عبد الله فرفار ومحاولاته في كتابة رواية مجنونة يكتبها رجلٌ ذو ساقٍ واحدة قارب على الجنون أو كاد، الرواية بسيطة الأسلوب للغاية، مترابطة وذات لغةٍ جيدة، أعترفُ أني كُنت أتوقع رواية أكثر إبهاراً من تاج السر نتيجة الصيت الذي حاز عليه، لكنّي وجدتها رواية بسيطة منسابة وسلسة ، شخوصها مختلفين لم أجد لهم فيما قرأتُ شبيهاً عدا شخصية حفار القبور التي ذكرتني بشخصية دكتور سنقر في رواية زقاق المدق لنجيب محفوظ الذي كان يسرق الأسنان الذهبية للموتى بنبش قبورهم.. هناك أيضاً شخصية المشجع زوج عمة عبدالله فرفار، وهناك الروائي أ. ت الذي اكتشفتُ في آخر سطر من الرواية بأنه روائي حقيقي وكانت تلك نهاية رائعة، رغم تكرارأسلوب قفل الرواية :  أن تكون النهاية هي بداية القصة وهكذا دواليك.. لكنّ برغم ذلك كان إكتشاف حقيقة شخصية أ.ت  شيء مثل الوصول لقيمة مجهول في معادلة رياضية من الدرجة الثانية .. الإكتشاف هذا منحني شعوراً بالحبور كأني قَدِرتُ على إنجاز عملٍ صغير .

****

اليوم الثاني من مارس، إنه شهرُ مولدي .من المفارقات أني بالأمس قررتُ الكتابة اليومية بجد دون أنً أعلم أنه الأول من مارس، سافرت إلى جدة في رحلة سريعة كُنتُ خلالها أريدُ زيارة مطعم فطورفارس ولمَ يتسنًَ لي ذلك، وقبل أيام إكتشفتُ وجود التطبيق الخاص بالهواتف الذكية الخاص لحجز موعد لأجل الإفطار ... وكان ذلك إكتشافاً رائعاً ومقدراً بالنسبة لي كمسافرة في رحلة سريعة ولا أرغب الإنتظار وضياع الوقت في سبيل إفطارٍ لذيذ في مكانٍ ملهم، يملكه شابٌ مخلص ونشيط إنطلقت فكرة مطعم # فطور_فارس الرائع الخاص بوجبة الإفطار وحسب من هاشتاق تندرج تحته تغريدات خاصة بوجبة الإفطار بعد تعرض صاحب المطعم المهندس فارس لوعكة صحية جراء إهماله لتلك الوجبة. المفارقة أنني أثناء عزمي أمس الأول من مارس لزيارة هذا المكان الفريد في أقرب رحلة ٍ إلى جدة قرأتُ نبذة مختصرة عنه في مفكرتي الخاصة كأفتتاحية للشهر الثالث الميلادي !
للمزيد عن هذ المطعم وحكايته : هُنا
المفارقة الثالثة أنَي وجدت الكتابة عن ذكريات القراءة في السفر مدخلاً جيداً لكتابة هذه التدوينة .. دون أن أتذكر أنني أتممتُ قراءة صائد اليرقات في الطائرة !
مرحى إنّه يوم المفارقات السعيد :)



ملحوظة : الصورة للفندق الذي نسيت به رواية " أنثى لاتحتمل العيش "

تعليقات

  1. فكرة الكتابة شئ من مداهمة للروح ، الاول او الثاني من مارس او في كل الاحوال على المرء ان يستثمر عالمه الروحي كيفما كان وجاء ، ليكن الإبداع حليفك ، بالمقابل اعجبتني التدوينة ، تحياتي

    ردحذف
  2. شكراً لدعواتك ياعبد العزيز مغتبطة أن حازت كتابتي على إهتمامك .. بالفعل الأول أو الحادي والثلاثين من مارس الأهم أن تعثر على نفسك حيثما كُنت.

    ردحذف
  3. سنترالات-PBX لتحسين اتصالات عملك وتعزيز إنتاجية فريقك
    لمزيد من التفاصيل يمكنك زيارة متجر مدن الاتصالات | https://modn.com/ar/PBX

    ردحذف
  4. هواتف أي بي فون
    من المنتجات الرائدة العصرية، صممت خصيصا لـ تناسب جميع القطاعات " الشركات الصغيرة والكبيرة، المنازل، المستشفيات، الفنادق، النشاطات التجارية ."
    لمزيد من التفاصيل يمكنك زيارة متجر مدن الاتصالات | https://modn.com/ar/phones/ip-phone

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

( سرير الأشباح ) ... قصة قصيرة

أحسّ بموجة هواءٍ حارة ، عرف أن النافذة جواره فُتَحت لثانية ثم غُلَقت ، حاول أن يرفع رمشيه الباردين ، حاول أن يقاوم ثِقَل المرض الماكث في خلايا جفنيه ... ، حاول ولم يفلح ، تمنى أن يرى الدنيا من نافذة السيارة المُسجّى على مرتبتها .. كان رأسه يقع تحت كوتها مباشرة ، مرة ثانية أحس بشيئٍ حار يلسع وجهه دون أن يشم الهواء ، عَرَفّ أن الشمس نجحت في مقاومة غيمة وتبديد ظلمتها الرمادية . أعياه الإحساس المشلول بالأجساد والأشياء حوله ، تمنى لو يُقَطِعُ جسده ، يفتته إلى قِطّع صغيرة ، ثم يبعثر ذاته في الفضاء عبر النافذة حتى لا يبقى منه سوى دُفقة نور ... روحه المُنهكة ! حينها قد تفضحه رائحة المرض والسرطان الذي سكن هيكله المسكين بضع سنين ، ودمّر حياته ، حتى أنه ذاق الموت أو كاد مراتٍ عديدة... أصطدمت رأسه بالمرتبة الأمامية بفعل القصور الذاتي _ حين توقفت المركبة _ ... ماذا قُلت ؟؟ قصور ذاتي ؟؟ لازالت العلوم الطبيعية تحفر عقلي ، وتُذَكرني بأني كنت مُدرساً محبوباً لمادة العلوم ..احترق جفنّاي، لابد أن الدموع تثابر لمقاومة الصمغ المتلبد بين الرموش .. أحسست بيديّ إبني سعيد وهو يتحسس قدميّ ليطمئن عل...

نجار في رأسي (47)

أقرأ النباتية(١) الآن. كُنت قد قطعت شوطاً طويلاً حتى وصلت إليها مُعتبرة قراءتي لها الآن احتفاء بمثابرتي كما يجب: ١٥ كتاباً خلال ٥ شهور بواقع ٣ كتب شهرياً. *** تنتمي هذه الرواية لأدب الكارثة، وهي ثاني رواية  كارثية أقرأها خلال الفترة السابقة بعد رواية خرائط يونس للروائي المصري محمود حسني. في كل مرة أحاول التدوين تفترسني رغبة الحديث عن الخمسة عشر كتاباً! فأتبلبل وأضيع، تجاوزت معضلتي هذه بصعوبة في رمضان، ورغم التدوينة الرمضانية المحشورة محاولة مني لنفض غبار رأسي واستئناف الكتابة إلا أنها أتت كمن يطهو للمرة الأولى  ديك رومي ليلة الميلاد! لم أطهو ديكاً رومياً ولا مرة، إلا أن مشاهد ليلة رأس السنة  في الأفلام والمسلسلات جعلتني أقيس التجربة بخيالي وأقيم صعوبتها العظيمة، والتي لا يمكن مقارنتها بأي طبقٍ محلي أو عالمي أعرفه، ومارأيت من لذة في تلك الليلة من تناول لحمٍ طري كالزبد قد جعلتني ألمس صعوبته وتطلب إحساس الطاهي الرقيق في صنع الطبق... ليلة عيد وطبق مستحيل وثلج! معضلة متشابكة تشبه المشاريع الكتابية التي أؤجلها كل مرة، تدوينات ومقالات أحلم بتدوينها. أنا نجار فقد مهارة قطع...

أَكتُبْ كما لو كُنتْ في التاسع والعشرين من مايو (34)

هذه التدوينة عبارة عن مسودة ، كنت أشطب وأكتب وأضيف فيها طوال شهر مايو، ولمّ تُنشر إلا الآن ... العجيب ما حدث في مايو ! حيث تضاءلت كتاباتي وتدويناتي اليومية الخاصة فيما تصاعدت وتيرة قراءاتي، لتكن العلاقة بين القراءة والكتابة عكسية، لكن الأهم أن يبيقيان ضمن إطار علاقةٍ ما ...هذه التدوينة عبارة عن ماحدث مع القراءات في شهر مايو.. في هذا الشهر واللذي يصادف شهر رمضان ستكون قراءتي مرتكزة على كتابين : أسطنبول: الذكريات والمدينة لباموق، ومن شرفة إبن رشد للكاتب المغربي عبد الفتاح كيليطيو . *** خمسة أصوات ـ غائب طعمة فرمان قرأت هذاه الرواية بتدفق وإنهماك ثم توقفت قرابة الشهر .. لماذا ؟ لقد ضاع الكتاب في سيارة أحد إخوتي، لأجده بشكلٍ غرائبي داخل درج خزانتي .. صحيح أن رعدة سريعة مرت بي وأنا أتأكد من أن الكتاب هو ذاته كتابي ... لكنني إبتهجتُ جداً حين تأكدت من أنه هو : كتابي البنفسجي الضائع . قراءةٌ أولى لغائب، لقد أهداني أحد الأصدقاء هذه الرواية، طوال القراءة كان يمر بي طيف نجيب محفوظ، إنه يشبه سرد محفوظ إلى حدٍ ماـ خاصة في رواية ميرامار ـ حيث تتعدد أصوات الرواة كما فعل غائب متنقلاً بين خمسة ...