التخطي إلى المحتوى الرئيسي

27

جيران النمل


العيبُ الأزلي لزينة كُل إمرأة  : أسنانها المغطاة بطلاء شفاتها الكثيف اللامع، كلُ النساء في الإجتماع العائلي أسنانهن ملطخةٌ بأحمر الشفاة ككابوس، وأنا أفكر أثناء مبادلتهن الإبتسامة في كتابة قصة عن المرأة التي لا تحملُ على أسنانها بقعة أحمر الشفاة، لإنها لا تضعه أصلاً، أو تضعُ لوناً زهرياً خفيفاً يجعلها في صورة أنثى كاملة بلا لطخات .

***
بول أوستر روائي أمريكي يهودي من أصلٍ بولندي، أقرأ له رواية : " حماقات بروكلين " ... حكاية الرجل الذي انتقل من مدينة لمدينة ومن منزلً لمنزل، يحمل معه ذكرياته السخيفة عن نكاتٍ سمجة ويحلم بتدوينها في كتاب، هناك في النصف الآخر من الكرة الأرضية يمكنك أن تكتب أي شيء لإنه يوجد قراءٌ سيقرأون أي شيء، كل مايكتب ويدون ثمين ومهم، الكتابة والقراءة ترتكز في حياتهم اليومية كعمودٍ أساسي يجعل فكرة أن تقرر ذات يوم أن تكون كاتباً ذا قيمة .
إنتقل الراوي لهذه الرواية لبروكلين كرجلٍ مصاب بالسرطان وعلى حافة الكهولة ويحكي عن الأشخاص الذين قابلهم في بروكلين، كإبن أخته الذي اسماه ببطل الرواية وبائع الكتب الشاذ غريب الأطوار هاري برايتمن ... الرواية تستهويني، تتملكني وتبتلعني بلذة، رجلُ ينتقلُ من منزلٍ لمنزل وأنا إمرأة على حافة الإنتقال، أملأ الصناديق بالكتب وأضع عند باب شقتي القديمة عشراتٍ من المجلات الثقافية، لتختفي فجر اليوم التالي، وأتساءل : هل قُرأت ؟ أم آلت لفرامات الورق ومصانع إعادة التدوير ؟... لايهم المهم الآن أن أملأ الصناديق بكتبي لتنتقل معي للمنزل الجديد .
بول أوستر ينضم لقائمة كُتابي المفضلين وأنا أقرأ روايته، أفضلُ الكثير من الكتاب وأعلمُ بحدسي الخاص بأن بقية أعمالهم التي لم أقرأها ستروقني بالتأكيد ... غالبية هؤلاء الكُتاب من اليهود، إن لمّ يكن كلهم : كافكا، سالنجر، مانغويل، بوتزاني _لستُ متأكدة من يهوديته_ .
لدي تفسيري الخاص الذي سأحاول القراءة والبحث عنه أكثر، وقد يكون اشتراك هؤلاء الكتاب في الديانة اليهودية محض صدفة لاعلاقة لها بما يكتبون .. لكني سأقرأ عن الأدب اليهودي قديماً وحديثاً وسأحتفظ بالرأي الذي توصلت له لنفسي والذي موجزه : أن الأدباء اليهود مبدعين .

***
 في بيتي الجديد لازلتُ ألملم فوضى الانتقال، وانا سعيدة بالشمس التي تخترق غرفة معيشتي منذ الشروق وحتى الغروب، أحاول إقتناء نبات ظل كبير بأوراقٍ وارفة .. عش لعصافير السماء الطليقة حتى تزقزق وترفرف بجوارنا، أحواض من الورد أضعها على نوافذي، وأدق مسامير جديدة لرفوفي ولوحاتي وستارتي ...
في ركن حجرة المعيشة هناك جحرٌ للنمل يفيض حال إنتهائنا من الطعام، فيلتقط كسرات الخبز وفتات البسكوت بهدوء وانتظام عسكري، لمّ أنزعج منه .. إنه لا يخرجُ إلا في الليل يلتقط بواقي الأكل الهاربة من المكانس ليهرب بها لجحره، ملايين من الأسئلة طُرحت بسبب النمل، حكاياتٌ كانت تتخلق، ودورسٌ ننستقيها من هذه المخلوقات الضئيلة، ولدي الكبير سألني : لماذا لا تنكسر النملة حين تقع.؟
أجبته بأن هيكل النملة ليس كعظامنا قابلُ للكسر بل من مادة شبيهة بالزجاج الصلب صعب أو مستحيل الكسر. سؤالٌ آخر : كيف تتحمل النملة وزن كسرة الخبز الأكبر منها حجماً ...؟ هرعنا للموسوعة وقرأنا عن النمل، وأبحث الآن عن وثائقي عنه .. ليس سيئاً أبداً أن يكون جيرانك نملاً، ليس سيئاً أبداً .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بحر وكتاب وقمر

" لتبدأ الحياة كل يوم كما لوأنها بدأت للتو " غوته ( 1 ) الإجازة فرصة لتغوص أكثر في ذاتك ، تجربة جديدة لأرضٍ جديدة تزورها.. تكتشفها ، تبحث عن تاريخها المدون على سمائها وفي أوراق حشائشها . الإجازة تعني لي لذةً جميلة تتناسل كل عام للتوحد مع كتاب وإتمامه في أيامٍ معدودات على ضوء قمر وشاطيء ورائحة ملح ، أو تحت ظل شجرة وهدوء ظهيرة باردة ، الإجازة محاولة للتحرر من الضغوط و الإلتزامات السخيفة المكبلة لي .. الإجازة حرية مؤقتة تُهديها نفسك ، وعلاقة تجددها مع الروح لتكون روحك هي صديقة روحك .. الإجازة أنت وأنا ولا شيء آخر . ( 2 ) البدايات صعبة و القراءة كأي بداية متعثرة متخبطة غير ثابتة كخطى الطفل الرضيع ، بداياتي كبداياتكم جميعاً قصص المغامرات والألغاز، شُغفت بها اقتنيت كل ما قدرت عليه .. المغامرون الخمسة ، رجل المستحيل ، ملف المستقبل ،( حتى الروايات العاطفية جاء عليها الدور بس ما طولت فيها ).. انغمست في أدب آجاثا حتى النخاع ، غمرني محفوظ ابو روايتنا بحنانه وقوته الروائية ، بدأت أتنوع ... أحرص على أن استفيد من الكُتب ومن القراءة .. قبل أن اقتني أي كتاب ابحث عنه وأصنفه وأق

هل ننجو من لعنة الفراعنة؟ إليكم ماحدث ..

مقولة مثل كل المقولات ! رماها أحدهم في الفضاء وتلقفتها الأفوه؛ لاكتها، عجنتها، تندرت بها، توجست منها، ثمّ: صدقتها . تلك هي حكاية لعنة الفراعنة باختصار ! منذ أن افتتح كارتر مقبرة توت غنع آمون وهناك من يؤمن بتلك اللعنة، وهناك من يضحك على من يؤمن بها … لعل ضحكه يدفع شراً ما، لكن الجميع يتفق على أنها ظاهرة غريبة ليس لها تفسير، أو قد تحمل تفسيراً أُوري في الخفاء كما يحدث مع ظاهرة موت لاعبي كرة القدم بالسكتات القلبية هذه الأيام :) ! لم يمت أحدٌ ممن اكتشفوا مقبرة (واح ـ تي) في نوفمبر  2018 ، وهو مسؤول كبير _ كاهن للسلالة الخامسة من أسرة الفراعنة _ ، حوت المقبرة عدة موميات لوالدة هذا الكاهن وأولاده وزوجته، إضافة لموميات لبوة وشبل أسد، حوت المقبرة قصة حياة " واح تي " وتاريخاً آخر لصراعٍ عاشه مع مواطن فرعوني آخر أراد أن يطمس حضوره بعد الموت واستولى على المقبرة عله يحظى بجنة (واح - تي) بعد الموت ! خلال ساعتان مركزة من السرد المرئي لاكتشاف غرفة  

ورطة القارئ في الأعياد: نصائح لقراءة منعشة خلال أيام الإجازة القصيرة

  تبدو عطل الأعياد بمثابة شهيق طويل نلتقط فيه أنفاسنا، بعد مسيرة الأعمال المحمومة، ودائرة الروتين اليومي، نخلد فيها للوسائد باطمئنان، نلتهم السعادة مع سكاكر الصغار وحلويات العيد. حتى تداهمنا تلك اللحظة الفارغة!  تلك اللحظة التي تقع وسط نهر الزمن اللاهث وتتجمد العقارب فيها فتبحث داخلك وحولك عن ما يمكن أن يملأها: فيلم؟ كتاب؟ أم نزهة مختلفة؟ بالنسبة لي تكون هذه العطل القصيرة  بمثابة احتفال قرائي أختار فيه كتاباً بعشوائية تلائم نمط فوضى هذه الأيام، أسميه كتاب العيد وأغوص فيه بكل حواسي. مررت بعشرات الأعياد، عشت فيها تجارب مختلفة مع كتب عديدة: منها ما كان اختياره في هذا التوقيت موفقاً ورسخ داخلي قراءة لا تنسى، ومنها ما كان اختياره مروعاً! وتحول لزومبي يزورني ليالي العيد الساكنة السوادء وأثناء غيبوبات نعاس العصر الطويل. في هذا المقال سأستعرض معكم بعض هذه التجارب، ولن أنسى إضافة بعض النصائح المركزة للفوز حقاً بقراءة منعشة في هذه الإجازة القصيرة. فرانكشتاين في بغداد: اخترت فرانكشتاين في بغداد دون الاعتبار لتنافر موضوع الرواية الرهيب مع توقيت (العيد).  بدأت بها مساء يوم العيد بعد إرهاق التقبيل ا