جيران النمل
***
بول أوستر روائي أمريكي يهودي من أصلٍ بولندي، أقرأ له رواية : " حماقات بروكلين " ... حكاية الرجل الذي انتقل من مدينة لمدينة ومن منزلً لمنزل، يحمل معه ذكرياته السخيفة عن نكاتٍ سمجة ويحلم بتدوينها في كتاب، هناك في النصف الآخر من الكرة الأرضية يمكنك أن تكتب أي شيء لإنه يوجد قراءٌ سيقرأون أي شيء، كل مايكتب ويدون ثمين ومهم، الكتابة والقراءة ترتكز في حياتهم اليومية كعمودٍ أساسي يجعل فكرة أن تقرر ذات يوم أن تكون كاتباً ذا قيمة .
إنتقل الراوي لهذه الرواية لبروكلين كرجلٍ مصاب بالسرطان وعلى حافة الكهولة ويحكي عن الأشخاص الذين قابلهم في بروكلين، كإبن أخته الذي اسماه ببطل الرواية وبائع الكتب الشاذ غريب الأطوار هاري برايتمن ... الرواية تستهويني، تتملكني وتبتلعني بلذة، رجلُ ينتقلُ من منزلٍ لمنزل وأنا إمرأة على حافة الإنتقال، أملأ الصناديق بالكتب وأضع عند باب شقتي القديمة عشراتٍ من المجلات الثقافية، لتختفي فجر اليوم التالي، وأتساءل : هل قُرأت ؟ أم آلت لفرامات الورق ومصانع إعادة التدوير ؟... لايهم المهم الآن أن أملأ الصناديق بكتبي لتنتقل معي للمنزل الجديد .
بول أوستر ينضم لقائمة كُتابي المفضلين وأنا أقرأ روايته، أفضلُ الكثير من الكتاب وأعلمُ بحدسي الخاص بأن بقية أعمالهم التي لم أقرأها ستروقني بالتأكيد ... غالبية هؤلاء الكُتاب من اليهود، إن لمّ يكن كلهم : كافكا، سالنجر، مانغويل، بوتزاني _لستُ متأكدة من يهوديته_ .
لدي تفسيري الخاص الذي سأحاول القراءة والبحث عنه أكثر، وقد يكون اشتراك هؤلاء الكتاب في الديانة اليهودية محض صدفة لاعلاقة لها بما يكتبون .. لكني سأقرأ عن الأدب اليهودي قديماً وحديثاً وسأحتفظ بالرأي الذي توصلت له لنفسي والذي موجزه : أن الأدباء اليهود مبدعين .
***
في بيتي الجديد لازلتُ ألملم فوضى الانتقال، وانا سعيدة بالشمس التي تخترق غرفة معيشتي منذ الشروق وحتى الغروب، أحاول إقتناء نبات ظل كبير بأوراقٍ وارفة .. عش لعصافير السماء الطليقة حتى تزقزق وترفرف بجوارنا، أحواض من الورد أضعها على نوافذي، وأدق مسامير جديدة لرفوفي ولوحاتي وستارتي ...
في ركن حجرة المعيشة هناك جحرٌ للنمل يفيض حال إنتهائنا من الطعام، فيلتقط كسرات الخبز وفتات البسكوت بهدوء وانتظام عسكري، لمّ أنزعج منه .. إنه لا يخرجُ إلا في الليل يلتقط بواقي الأكل الهاربة من المكانس ليهرب بها لجحره، ملايين من الأسئلة طُرحت بسبب النمل، حكاياتٌ كانت تتخلق، ودورسٌ ننستقيها من هذه المخلوقات الضئيلة، ولدي الكبير سألني : لماذا لا تنكسر النملة حين تقع.؟
أجبته بأن هيكل النملة ليس كعظامنا قابلُ للكسر بل من مادة شبيهة بالزجاج الصلب صعب أو مستحيل الكسر. سؤالٌ آخر : كيف تتحمل النملة وزن كسرة الخبز الأكبر منها حجماً ...؟ هرعنا للموسوعة وقرأنا عن النمل، وأبحث الآن عن وثائقي عنه .. ليس سيئاً أبداً أن يكون جيرانك نملاً، ليس سيئاً أبداً .
تعليقات
إرسال تعليق