لست أدري متى بدأ الموضوع، كل ماأذكره هو النغزة الخفيفة للزاوية العلوية في شفتي اليسرى وأنا أقضم قطعة البيتزا الأولى....
كان ذلك مساءاً بعد أن إستيقظتُ من نومٍ عنيف مليء بالكوابيس، لم يكن هناك شيءٌ غيرُ إعتيادي في هذا اليوم، يوم سبتٍ بارد، إستيقظت فيه صباحاً وخرجت من حجرتي دون إفطار لأركب ( الميني باص ) ملتحفة عباءتي وعيناي تتلصصان من وراء النقاب كخفاشٍ مريض، وصلنا إلى المدرسة التي تبعد قرابة كيلومتر واحد في المجمع السكني الذي أسكنه بعد أن انتقلت من مدينتي الصغيرة للعاصمة لأجل التدريس، لم يحدث شيء .. خمسُ حصص مزدحمة بضجيج المراهقات ورائحة الحموضة الخانقة لمزيج رائحة الفلافل والعرق، والحصة السادسة إستدعتني المديرة لأدرس فوق نصابي مادة الرياضيات.... تذكرتُ الآن الذي جعل قيلولتي تمتد إلى التاسعة وتزدحم بالكوابيس والصراخ! طلبت مني تدريس الصف الثاني مادة الرياضيات لإن المُدرسة الأساسية مريضة بوحام حَبَلْ الشهور الأولى، رفضتُ بكياسةلإن تخصصي علوم وليس رياضيات، فقالت بحزمٍ آمر ومقيت وهي تقلب بضع ورقات بيضاء مصفوفة على مكتبها ذي الزجاج الأسود : " يجب أنّ تدرسيهم، لا يوجد غيرك " كانت تقلب الأوراق الفارغة بأصابعها المكتنزة البيضاء شديدة البشاعة وقد طلت أظافرها بطلاءٍ لونه باهت وقديم يقع بين الأحمر والوردي الفاقع، وددت لو صرختُ بها : " كفي عن تقليب الأوراق لتوحي لي بأهميتك " قلتُ لها بحقد غلفته بكياسة مهزوزة بأني لا أقدر .. قامت من كرسيها ... إقتربت مني، أنا أطول منها بكثير .. تذكرتُ أحدب نوتدرادام وكِدتُ أقهقه_ لولا أن رائحة عطرها الرجالي الحاد خنقت تلك القهقهة_ .. إقتربت قائلة: " ستُعاقبين، وسأرفع في ملفك شكوى تأدبية لعدم تعاونك مع الإدارة ".. لم أعد أحتمل رائحة العطر، ولا لون الطلاء، والشتائم المتكورة في صدري ككحةٍ مزمنة تريد أن تنطلق في وجه التسلط القبيح الذي يمشي أمامي مهتزاً بردفين ثقيلين، أخذتُ أتمتم وأسناني مطبقة : " يابقرة ما هكذا تكون الإدارة "، أعطيتها ظهري وخرجت، وأنا أرفع صوتي بـ آسفة لا أقدر، ولنّ أنسى نظرة التهديد والوعيد التي حدجتني بها ... إذهبي إلى الجحيم!
لنَعدّ لما حدث معي تلك الليلة.... فبعد أن بلعت قطعة البيتزا، أصبح قضم القطعة الثانية مستحيلاً، ﻹن الزاوية تحولت لبثرة كبيرة، البثرة الحمراء تضخمت حتى انطبق الفك العلوي بفضاضة على الشفة السفلى، وأصبحت عملية الأكل تستغرق زمناً بطيئاً!
في اليوم التالي إستيقظتُ وعظم محشور في حلقي... كان كابوساً أسوداً لإن تنفسي أصبح مثل خوار ثور!! ...البثرة نمت حتى سدَّتْ فتحة أنفي اليسرى، غدت مهمة الفتحة اليمنى مضاعفة. سِرتُ بساقين كشوالي أرز إلى الحمام، أغمضت عيني وتعاميت عن المرآة لإن رؤية وجهي ستعجل موتي وتقتلني، بللتُ عيني ورأس أنفي بالماء... شربت الشاي بالقطارة، أتى موعد الغداء فلم أقدر على الأكل لإن البثرة خيطت شفتيَّ تماماً كتمساحٍ هرم ٍمقهور ،أتى موعد العشاء .. مضى أسبوع وقد أصبحت بثرتي بحجم الشقة، وتلونت حياتي بلون أزرق مميت... لم آكل ولم أنم، في يومي الأخير لم أتنفس حتى مُتْ .. ويقال أن العمارة التي كنتُ أسكنها انفجرت مدلقة على الشوراع، والبيوت _ وحتى المدرسة اللعينة_ سائلاً أزرق بلا رائحة كحبر أخطبوط.
أهمية حلول VPN وربط الفروع بشبكة موحدة لقطاعات الأعمال
ردحذفلمزيد من التفاصيل يمكنك تصفح مدونة مدن التقنية | https://modn.com/ar/bring-all-your-branches-together-with-a-top-notch-vpn-service?utm_source=falsfaglam&utm_medium=organic&utm_id=N-107