".... وصل بغا ذات ليلة ومعه ثلاثة كتب اشتراها تواً، أعارني واحداً منها لا على التعيين، كما كان يفعل أحياناً كثيرة ليساعدني على النوم. لكنه حقق في تلك المرة النقيض تماماً : ما نمتُ بعدها بالمتعة السابقة. الكتاب هو المسخ لفرانز كافكا،بترجمة بورخيس المزيفة، المنشور في دار لوسادا في بوينس آيرس، الذي رسم منذ السطر الأول طريقاً جديداً لحياتي. وهو اليوم إحدى التحف الأدب العالمي العظيمة : ( حين استيقظ غريغور سامسا ذات صباح بعد حلم مزعج، وجد نفسه وقد تحول في فراشه إلى حشرة مريعة . )
كانت كتباً غامضة، لم تكن مضائقها مختلفة وحسب، بل وفي كثير من الأحيان متناقضة مع كل ماعرفته حتى ذلك الوقت. لم يكن من الضروري البرهان على الأحداث: يكفي أن الكاتب كتبها لتكون حقيقية، دون أي برهان سوى قوته وسطوة صوته. ومن جديد كانت شهرزاد، لكن ليس في عالمها الألفي، حيث كل شيء ممكن، بل في عالمٍ لا يستعاض ضاع فيه كل شيء.
انتابتني بعد الإنتهاء من قراءة المسخ رغبة ملحة بالعيش في تلك الجنة الغريبة. باغتني اليوم الجديد وأنا وراء الآلة الكاتبة المحمولة، التي كان يعيرني إياها دومنينغو مانول بغا، لأحاول كتابة شيء يشبه بيروقراطي كافكا المسكين الذي تحول إلى خنفساء هائلة .لم أذهب في الأيام التالية إلى الجامعة خشية أن ينفك السحر، ونشر إدواردو ثالاميا بوردا على صفحاته زاوية تمزق القلب، يأسف فيها لأن جيل الكتاب الكولومبييين الجدد يخلو من أسماء تذكر، ولأنه لاشيء يلوح في الأفق يمكن أن يعدل ذلك. لا أدري بأي حق شعرتُ بأنني معنيٌ باسم جيلي بتحدي تلك الزاوية، وأخذت القصة المهجورة لأحاول رفع الضيم عنها. صغت فكرة حبكة الجثة الواعية في قصة المسخ، لكنني خفت من ألغازها الزائفة وأحكامها الأنطولوجية المسبقة. "
نعيشها لنرويها _ غابرييل غارثيا ماركيز
تعليقات
إرسال تعليق