التخطي إلى المحتوى الرئيسي

في معنى جديد للخفة


الريح ساكنة خلف الجدران، والرطوبة تعتم عيناي رغم جهاز التكييف الكوري النافث في فضاء الغرفة ... أشعر بالريح الساكنة والرطوبة المبللة وانا خلف جدران شقتنا الصغيرة، جائعة جداً بعد أن آخر وجبة في الثانية ظهراً التي هي : قطعة خبز فرنسي وشاي فواكه ... والمنبه سينخس الوقت بعد ساعتين من الآن ولازلتُ أفكر : أكتب أم لا أكتب ؟
كُنتُ سأحجم عن الكتابة بعد قطيعة طويلة نسبياً، حين بقيت معلقة من قدمي في منتصف خيط الحيرة واليأس والخوف  كبهلوانٍ مبتدئ بعد أن تلاشت بيانات جهازي المحمول بضغطة زر خاطئة وانمحى كُل شيء .
وضعتُ يدي على قلبي وودتُ لو بكيتُ مثل طفلٍ رضيع وأنا أسأل أخي الذي ضغط الزر المميت : هل ضاعت الصور يا " خالد " ؟وصورتي ؟ وصورة أمي ؟وخالي الذي دلني على أسطورة الجواسيس وعوالم المخابرات ؟ هل ذهبت يوميات حج مكة التي بدأتُ في كتابتها ؟ وقصتي مع منصور بدران التي رويتها وكتبتها ذات ليلة ؟ وتلك الخطوط الصغيرة لقصة أرجو ان تكون عجيبة ؟ هل ذهب كُل هذا يا خالد ؟ هل راح ؟
يتورط خالد بالإجابة ويغص، تلك الغصة التي جعلتي أدرك ان تلك العوالم التي بنيتها خلف شاشة الكريستال السائل قد تلاشت. أودع جهازي عامل الصيانة بعد أن كتبت ماتذكرته من ملفات في ورقة ملاحظات برتقالية لعلها ترجع .. يمكث الجهاز أسبوعاً وانا أتربص هذا الأسبوع ناقمة على كل مايختص بالتكنولوجيا .. لاعنة الألياف الزجاجية، ونبضتي الصفر والواحد، والأقراص الصلبة التي تبيض ذاكرتها بضغطة زر خاطئة .. يعودُ لي وأشعلهُ متوجسة من تلك الحاجة لشيء لا أمان مطلق له، أجد ربع مافقدت من الصور، ونصٌ وحيد بين عشرة نصوصٍ و وأكثر، أجدُ الجهاز متخففاً وسعيداً ومارقاً بعد أن طرح ذكرياتي الثقيلة، والوجوه المطبوعة لضحكة أطفال العائلة ونظرة خالي وشالي المنقوش برسمة كرز الذي تصورتُ به ، وصور ساباتو وكافكا وفرجينيا وولف ، وأناييس نن، وماركيز وعبدالرحمن منيف ونجيب محفوظ ، والبومات موسيقية، وأفلاماً ولوحاتٍ فنية ألتقطتها من الشبكة.
لازالت ذاكرتي شابة بعض الشيء، أعيدُ بناء بعض النصوص المفقودة  هذه الليلة، وقصة منصور بدران حمدت الله لإني كتبت مسودة ورقية لها قبل ذلك .. ورغم الخسارة إلا أن الذاكرة الممسوحة منحتني والجهاز خفة عجيبة .. جعلتني أبدو كمن يمشي في شارع وحيد ولا يرتدي سوى غلالة حريرية بيضاء، أو لعليّ غدوتُ روحاً لأرنبٍ بري ولد تواً في صحراء خالية .

* الصورة من الصور القليلة المُستردة

تعليقات

  1. تحيى الخفة و الذاكرة البيضاء و الذكريات الجميلة الذي سوف تحظين بها منذ الآن ،

    و أعتقد أن الوقت قد حان لتوفير نسخة احتياطية و تحديثها بشكل أسبوعي .

    ردحذف
  2. بالتأكيد يا عبد الله بعد هذه اللدغة فلن آمن أبداً ..
    شكراً لردك الذي دلني على مدونتك المدهشة !
    لازالت شهقة الإدهاش مستمرة ..

    ردحذف

  3. الشكر موصول لك ..
    بالعكس أنا السعيد ، بعد موراكامي و جبرا أعود لقراءة ما فاتني هنا . المدونة غالباً لنصوص قديمة و بتشجيع كهذا أستطيع العودة للكتابة .

    ردحذف
  4. تداخلني القشعريرة حين يقول لي أحدهم انت دفعتيني للكتابة !
    لنرفع قبعاتنا للكتاب يا رجل ..

    ردحذف
  5. هذا النص أحزننى لأنه واحد من أسوأ كوابيسى :(
    كل تفاصيل حياتى تقبع على اللابتوب و لا أطيق فقد أى جزء منها .. لهذا أحاول دوماً أن أحتفظ بنسخة احتياطية من ذكرياتى الشخصية و التفاصيل التى لا يمكن استعادتها من الشبكة !
    سيعوضكِ الله بإذنه أفضل مما فقدت .. و مبارك عليك الخفة :)

    ردحذف
  6. إن شاء الله يا دعاء :(
    وسأدعو أن يضل بالنسبة لك ولي مجرد كابوس يتأرجح على ضفاف الأحلام ..
    أشياء غالية ، غالية جداً ..فُقدت .

    ردحذف
  7. كل ما تحتاجه لإنشاء شبكة امنة من DrayTek
    لمزيد من التفاصيل يمكنك تصفح مدونة مدن التقنية | https://modn.com/ar/draytek-provides-you-with-everything-you-need-to-setup-your-network

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

( سرير الأشباح ) ... قصة قصيرة

أحسّ بموجة هواءٍ حارة ، عرف أن النافذة جواره فُتَحت لثانية ثم غُلَقت ، حاول أن يرفع رمشيه الباردين ، حاول أن يقاوم ثِقَل المرض الماكث في خلايا جفنيه ... ، حاول ولم يفلح ، تمنى أن يرى الدنيا من نافذة السيارة المُسجّى على مرتبتها .. كان رأسه يقع تحت كوتها مباشرة ، مرة ثانية أحس بشيئٍ حار يلسع وجهه دون أن يشم الهواء ، عَرَفّ أن الشمس نجحت في مقاومة غيمة وتبديد ظلمتها الرمادية . أعياه الإحساس المشلول بالأجساد والأشياء حوله ، تمنى لو يُقَطِعُ جسده ، يفتته إلى قِطّع صغيرة ، ثم يبعثر ذاته في الفضاء عبر النافذة حتى لا يبقى منه سوى دُفقة نور ... روحه المُنهكة ! حينها قد تفضحه رائحة المرض والسرطان الذي سكن هيكله المسكين بضع سنين ، ودمّر حياته ، حتى أنه ذاق الموت أو كاد مراتٍ عديدة... أصطدمت رأسه بالمرتبة الأمامية بفعل القصور الذاتي _ حين توقفت المركبة _ ... ماذا قُلت ؟؟ قصور ذاتي ؟؟ لازالت العلوم الطبيعية تحفر عقلي ، وتُذَكرني بأني كنت مُدرساً محبوباً لمادة العلوم ..احترق جفنّاي، لابد أن الدموع تثابر لمقاومة الصمغ المتلبد بين الرموش .. أحسست بيديّ إبني سعيد وهو يتحسس قدميّ ليطمئن عل...

نجار في رأسي (47)

أقرأ النباتية(١) الآن. كُنت قد قطعت شوطاً طويلاً حتى وصلت إليها مُعتبرة قراءتي لها الآن احتفاء بمثابرتي كما يجب: ١٥ كتاباً خلال ٥ شهور بواقع ٣ كتب شهرياً. *** تنتمي هذه الرواية لأدب الكارثة، وهي ثاني رواية  كارثية أقرأها خلال الفترة السابقة بعد رواية خرائط يونس للروائي المصري محمود حسني. في كل مرة أحاول التدوين تفترسني رغبة الحديث عن الخمسة عشر كتاباً! فأتبلبل وأضيع، تجاوزت معضلتي هذه بصعوبة في رمضان، ورغم التدوينة الرمضانية المحشورة محاولة مني لنفض غبار رأسي واستئناف الكتابة إلا أنها أتت كمن يطهو للمرة الأولى  ديك رومي ليلة الميلاد! لم أطهو ديكاً رومياً ولا مرة، إلا أن مشاهد ليلة رأس السنة  في الأفلام والمسلسلات جعلتني أقيس التجربة بخيالي وأقيم صعوبتها العظيمة، والتي لا يمكن مقارنتها بأي طبقٍ محلي أو عالمي أعرفه، ومارأيت من لذة في تلك الليلة من تناول لحمٍ طري كالزبد قد جعلتني ألمس صعوبته وتطلب إحساس الطاهي الرقيق في صنع الطبق... ليلة عيد وطبق مستحيل وثلج! معضلة متشابكة تشبه المشاريع الكتابية التي أؤجلها كل مرة، تدوينات ومقالات أحلم بتدوينها. أنا نجار فقد مهارة قطع...

أَكتُبْ كما لو كُنتْ في التاسع والعشرين من مايو (34)

هذه التدوينة عبارة عن مسودة ، كنت أشطب وأكتب وأضيف فيها طوال شهر مايو، ولمّ تُنشر إلا الآن ... العجيب ما حدث في مايو ! حيث تضاءلت كتاباتي وتدويناتي اليومية الخاصة فيما تصاعدت وتيرة قراءاتي، لتكن العلاقة بين القراءة والكتابة عكسية، لكن الأهم أن يبيقيان ضمن إطار علاقةٍ ما ...هذه التدوينة عبارة عن ماحدث مع القراءات في شهر مايو.. في هذا الشهر واللذي يصادف شهر رمضان ستكون قراءتي مرتكزة على كتابين : أسطنبول: الذكريات والمدينة لباموق، ومن شرفة إبن رشد للكاتب المغربي عبد الفتاح كيليطيو . *** خمسة أصوات ـ غائب طعمة فرمان قرأت هذاه الرواية بتدفق وإنهماك ثم توقفت قرابة الشهر .. لماذا ؟ لقد ضاع الكتاب في سيارة أحد إخوتي، لأجده بشكلٍ غرائبي داخل درج خزانتي .. صحيح أن رعدة سريعة مرت بي وأنا أتأكد من أن الكتاب هو ذاته كتابي ... لكنني إبتهجتُ جداً حين تأكدت من أنه هو : كتابي البنفسجي الضائع . قراءةٌ أولى لغائب، لقد أهداني أحد الأصدقاء هذه الرواية، طوال القراءة كان يمر بي طيف نجيب محفوظ، إنه يشبه سرد محفوظ إلى حدٍ ماـ خاصة في رواية ميرامار ـ حيث تتعدد أصوات الرواة كما فعل غائب متنقلاً بين خمسة ...