التخطي إلى المحتوى الرئيسي

17




" ( مرحباً )هتف العجوز .
رفع القط الأسود الكهل الضخم رأسه قليلاً، ورد التحية مستغرباً بنوع من الهمهمة .
( الطقس رائع اليوم، أليس كذلك ؟ )
( ممم )
( ولا سحابة في السماء ) .
( ... حتى الآن ) .
( سيسوء الجو إذن ) .
( أشعرُ أنها ستغيم في المساء ) . مط القط الأسود قائمتيه الخلفيتين ببطء، ثم زم عينيه ونظر ثانية إلى العجوز نظرة طويلة فاحصة ... "

* كافكا على الشاطئ

أكتبُ الآن وبجانبي  4 كتب أستدعي أحدها مابين ومضة وأخرى، وأنا أحاول كتابة شيء عن " كافكا على الشاطئ " ... كاتبٌ ملهمٌ صحيح ذاك الذي يجعلك تستدعي رفوفك إلى جانبك لتعينك في حشد كُلِ الأفكار التي قفزت وأنت تقرأهُ ؟ .. فمابالكم لو علمتم بأي الكتب التي جاءت تختالُ إلي من بينِ رفوفها ؟
أحضرتُ المجلد الأول لأعمال كافكا الكاملة، وكتابي ماركيز : القصص القصيرة الكاملة " و " نعيشُ لنروي " ، والكتاب الرئيس : " كافكا على الشاطئ " لهاروكي مورا كامي .
أكتبُ ولعلي أتمُ هذه الكتابة عنه، ففي كُل ليلة تفرُ مني ناقصة فتأتي الليلة التالية وأحاول وصل المبتور فلا أقدر ... لم أكن مثل شهرزاد التي أقرأُ حكاياتها وهي تتابع حديثها المبتور للأبد كُل ليلة بقصة .. كانت تحكي لئلا تموت، أما أنا كنتُ أكتب لأحس بـ وجودي الثاني خلف صفحات الكتب، بتلك الذات المنغمسة في كتاب ، تبني لها عالماً وتعيشه لتطرد ذاتها الأصيلة، في كُلِ ليلة كانت ذاتٌ تُخلق بين الكتاب، وبعد ذلك تستيقظ شهوة الكتابة فتكتب .. ثم يفتحُ أحدهم الباب فتسكتُ ويسيلُ دمها الحبري وتموت لتصبح ذرة غبار في البيت الضيق .
مع كُلِ ليلة كانت تلك الذات تُخلقُ وتموت، ولا أصدقُ وجود تلك الذوات إلا حين أقرأ ماكتبتُ وأنا متماهية مع الحلم ، والقراءة، والنعاس في ليلة من الليالي الكثيرة.
في عصر يومٍ قرر الفتى كافكا تامورا الهرب، قرر وتلك الليلة كانت تخلع عباءتها على ضوء النهار القصير لميلاد الفتى الخامس  عشر.. لم يقرر إلى أين وماذا سيفعلُ بعد ذلك، بل كان قراره بالبحث عن ذاته المجزأة حين هربت أمه واخته وتركاه مع والده الذي لم يدرِّ لم تركاه معه وهربتا..
من هو ؟  من هي أمه التي يحتل مكانها في الذاكرة وجهاً بيضاوياً أبيض بلا ملامح ؟  مالذي تحمله ذاته لتتركه ؟ .. رحل الفتى ذي الخمسة عشر عاماً يبحثُ عن ذاته المخبؤة في رحم أمه، بحقيبة ظهر وظلٍ عجيب الشكل ..
إن القصة هي قصة كافكا تامورا، ومنها تتفرع كُل الحكايات والشخصيات في الكتاب، إن الحديث المفصل لا تكفيه كتابةٌ عجلة على كف حلم .. لذا فقصة الفتى تتلخص في بحثه عن ذاته وعن معنى حياته، يخوض تجارباً رهيبة لا حدود للزمان ولا المكان فيه يقابلُ أُناساً أغراب .. وحياته تستدعي لنا ناساً لم يقابلوه ولامرة .. كالعجوز الذي يملك مفاتيح لغة القطط " السيد ناكاتا " ، وهوشينو الهيبي ، وجوني واكر، والعاهرة الحسناء التي أحضرها الكولونيل ساندرس لهوشينو، والكولونيل ساندرس نفسه ...و مُدرسة التلاميذ ال16 الذي كان ناكاتا من ضمنهم، و الطبيب جوشي ناكازاوا وغيرهم العديد... إنها حياةٌ كاملة .
شخصياتُ موراكامي مثقفة وثرية وفيها تتضح ثقافة الكاتب كمتذوق موسيقي راقٍ، وكقارئ ومطلع باخص بالمجتمع الياباني وعاداته وحتى أطباق طعامه .. خاصة في جزئية الطعام كُنتُ حقاً أستفيد بدهشة من الوصفات  اليابانية االمغايرة لما اعتدتُ عليه، وأقرأ بشغفٍ أكثر.
في الرواية لا يسيرُ السرد عبر شخصية واحدة مركزية، بل عبر شخصية محورية تتفرع منها عدة محاور يرويها الراوي .. يمكنني القول أن الشخصية التي أُتخذت محوراً هي كافكا تامورا _ الفتى كرو " نصف الظل الذي استحال غراباً " ، وحول هذا المحور كان السيد ناكاتا وجوني واكر محوراً لوحده يطابق محور والد كافكا ، ناكاتا يطابق محور المدرسة والطبيب والأشخاص الللذين كانوا قريبين من طفولة ذلك الشخص، الآنسة ساييكي تطابق والدة كافكا، ساكورا تطابق أخت كافكا ..
أثناء إستدعائي لبناء الرواية  تخيلتُ الرسم الرياضي والمخططات السهمية للعلاقات الرياضية للمجال والمجال المقابل، يخيلُ إلي أن هذه أفضل طريقة لشرح تركيب الرواية السردي .. هل تتذكرونها ؟ موراكامي رسم العلاقات بين الشخصيات بطريقة بارعة .. تحس معها بعدم ترابط الشخصيات فيما تكون اواصر العلاقة ممتدة بخيط رفيع لو تأملت الرواية طويلاً .
الذات هي لب الرواية ، هي ما يحاول الوصول إليه كافكا تامورا في رحلته للاشيء، هو بذاته المتلاشية وظله المشوه، وناكاتا الذي لا يحمل من ذاته القديمة كطفلٍ متقد العقل سوى ظله الرقيق، جوني واكر الذي أخاله دون ظل بالمرة .. الظل في سرد مورا كامي حيلةٌ سردية مجازية لبيان معاناة الشخصية ؟ أم هي فكرةٌ خاصة لتفسير الظلال ؟
لم أكن اهتمُ بالظلال، كانت بالنسبة لي مجرد ظاهرة تنشأ لإنعكاس ضوء شمس الظهيرة علينا ونحن في إنتظار حافلة المدرسة .. جرت حادثة لي أصبحتُ أتوجسُ بعدها من سيرة الظلال ولم ألتفت ورائي أبداً : كُنتُ ربما في العاشرة والشمس أول العصر وحارة، أنا وأخي عدمنا كُل حيلة في إبتكار الألعاب وإلتهام نهار الإجازة الطويل.. خرجنا للفناء ضحكتُ على ظله الطويل ، أشار لظلي وبقينا نلاحقُ ظلينا بهوسٍ مجنون، وغير طبيعي أبداً..... خصوصاً حين نستمرُ في اللعب زمناً لاحد له، ونصاب بضربة شمس وتصطدم رأسينا ببعض حتى تُشج جباهنا .. بكينا أنا وأخي بكدمات مزرقة ودرجات حرارتنا في الأربعين، وحين نهرتنا أمي هذيتُ لها وأنا أبكي : كلُ هذا من الظل، إنه ملعون شج رؤسنا وفلقها .
من سيؤثرُ بك بهذه الطريقة ويجعل الأشياءوالحياة تتمحورُ حول ذات الإنسان ؟ وتنبثقُ منها ؟
سوى فرانز كافكا ـ الروائي الألماني ـ  او فتى كافكاوي آخر أتى بعده وغرس فيه هذا الهم الوجودي . عبر محادثة بين كافكا تامورا ويوشيما_ في الصفحات : 75 و 76 _  يُستبانُ فيها أثر فرانز كافكا على الراوي، ثم ينمط أثره ليصل إلى الشخوص : إلى الآنسة ساييكي وحبيبها، إلى كافكا تومورا الذي يغدو في النهاية كافكا يجلس وحيداً على شاطئ ، يعتمرُ قبعة قش بيضاء ويراقب العالم في لوحة مائية تملكها الأنسة ساييكي أمينة المكتبة التي أصبحت من أكثر المحطات إستقراراً في حياة البطل تامورا .
إن صورة كافكا المتخيلة في اللوحة التي رسمها موراكامي في صفحات روايته ، تشبه سطراً قراته لفرانز كافكا حين قال :


" الشعور براحة البال هذا اليوم في غرفتي هو : تجويف شبيه بالصدفة على الشاطئ يمكن لخطوة قدم واحدة أن تسحقه . " 
يوميات كافكا 23 آذار 1915


كان فرانز كافكا حاضراً في الرواية، هو دليلُ موراكامي في السرد، وكان البطل توليفة بينه وبين روح الراوي وشخصية ثالة مجهولة قد تكونُ موراكامي نفسه، إن العزلة والهروب اللذان كان ينشده البطل تشير بإصبعها إلى ذلك، عدا عن الأسلوب المفاجئ الصادم بهدوءٍ شديد... والذي جعلني أتذكرُ أروع بداية لرواية في القرن العشرين، حين بدأ فرانز  رواية الإنمساخ البداية الشهيرة : "  حين أفاق غريغور سامسا ذات صباح من أحلام مزعجة، وجد نفسه وقد تحول في فرشه إلى حشرة ضخمة .... "
هذه البداية بالضبط تشبه حديث ناكاتا الذي أوردته في بداية المقال مع القط، كان ذلك الحوار هو أول لقاء لي مع ناكاتا وفيه إكتشفتُ من يحادث القط الأسود الكهل، فاستويت في جلستي المرتخية وقعدتُ أقرأ حوارات ناكاتا الشيقة مع القطط ، ذلك ما أسميه توظيفاً بارعاً حين أستفاد موراكامي بذكاء من صدمة غريغور سامسا، التي مر بها حتماً كُلُ قارئ وصنع لنا رواية شبه كاملة.
غابريل غارسيا ماركيز كتب أول قصة بعد قراءته للإنمساخ، لستُ أظنُ أن كاتباً من الكتاب قد أضاء الطريق للآخرينن بقدر مافعل فرانز إنه يطبطب على ذاتك وشعورك الإنساني لينهض مابداخلك، فإن كان كاتباً فقد خرج من القمقم، قصة ماركيز حين قرأ كافكا أول مرة ملهمة أيضاً، ولاسبيل لرواية القصة عبري بل سـ أنقل ماكتبه ماركيز حرفاً حرفاً لئلا يضبع عليكم سحرُ ماركيز إن رويتها : 
"وصل بغا ذات ليلة ومعه ثلاثة كتب اشتراها تواً، أعارني واحداً منها لا على التعيين، كما كان يفعل أحياناً كثيرة ليساعدني على النوم. لكنه حقق في تلك المرة النقيض تماماً : ما نمتُ بعدها بالمتعة السابقة. الكتاب هو المسخ لفرانز كافكا،بترجمة بورخيس المزيفة، المنشور في دار لوسادا في بوينس آيرس، الذي رسم منذ السطر الأول طريقاً جديداً لحياتي. وهو اليوم إحدى التحف الأدب العالمي العظيمة : ( حين استيقظ غريغور سامسا ذات صباح بعد حلم مزعج، وجد نفسه وقد تحول في فراشه إلى حشرة مريعة . )
كانت كتباً غامضة، لم تكن مضائقها مختلفة وحسب، بل وفي كثير من الأحيان متناقضة مع كل ماعرفته حتى ذلك الوقت. لم يكن من الضروري البرهان على الأحداث: يكفي أن الكاتب كتبها لتكون حقيقية، دون أي برهان سوى قوته وسطوة صوته. ومن جديد كانت شهرزاد، لكن ليس في عالمها الألفي، حيث كل شيء ممكن، بل في عالمٍ لا يستعاض ضاع فيه كل شيء.
انتابتني بعد الإنتهاء من قراءة المسخ رغبة ملحة بالعيش في تلك الجنة الغريبة. باغتني اليوم الجديد وأنا وراء الآلة الكاتبة المحمولة، التي كان يعيرني إياها دومنينغو مانول بغا، لأحاول كتابة شيء يشبه بيروقراطي كافكا المسكين الذي تحول إلى خنفساء هائلة . "

......وكتب ماركيز القصة عن جثة، مستوحياً من عوالم كافكا..وعنونها بـ " الإستسلام الثالث " كانت هذه القصة هي جسر العبور للعالم السحري للحكاية وأول قصة منشورة له في الصحافة، وحينها ترقب اللاتينون ميلاد أديبٍ أصيل .
وقد تخطى الولادة والطفولة حتى شاخ، وغدا عميد القصة السحرية في العالم التي لا تملكُ إلا تصديقها إن قرأتها مرويةً من خلاله، هاوركي موراكامي ببيئته اليابانية وحكاياته  الفلوكورية والأسطورية مد خيطاً جديداً في الرواية السحرية المختلطة بالحلم، كما تبدى لي من " كافكا على الشاطئ " دار في مخي إسم ماركيز وتردد ، ثم صرح قبل إعلان نوبل للأدب وبعد ترشحه لها بأنه يدين بأسلوبه العجائبي كساحرٍ ياباني عتيد : لماركيز .
في هذه الرواية كتب عن سماء تمطر سمكا، وعلقاً* ضخماً .. وجريمة قتل كأنها كابوسٌ مزعج، ورجلٌ  يعشقُ سمك الحنكليس يحادث القطط بنصف ظل، وفتى انكمش جزء من ظله كغراب يتحدث كالبشر، كتبها بأسلوبٍ هاديء كالماء وإن أردت فهم الحكاية كاملة فارجع إلى ملهمه فرانز كافكا .
نال موراكامي جائزة فرانز كافكا بهذا العمل و يتم منح جائزة كافكا المرموقة لأديب عالمي يكون لعمله "قيمة فنية من نوعية استثنائية"، وتخاطب أعماله جميع القراء بغض النظر عن مكانهم أو جنسيتهم أو ثقافتهم تماما مثل أعمال فرانز كافكا.

* العلق : من شعبة الديدان الحلقية ومن طائفة العلقيات بالتحديد, تعيش في مياه البرك والمستنقعات وحتى في جسم الإنسان.

تعليقات

  1. ما أعظم وقع حديثك على نفوس الموراكاميين ..
    لا شك أن كافكا على الشاطيء قفزة كبيرة في سيرة الياباني و هي بالنسبة لي - و قد قرأت جميع رواياته المترجمة للعربية و بعض كتبه التي تأخر العرب في ترجمتها فلم أطق انتظارها - الأجمل من رواياته ، لموراكامي أسلوب فريد من نوعه ، يخيّل لمن لا يكتب سهولته . ليس يابانياً تماماً أو على أقل لا يكتب كأبناء جلدته . فيما يتعلق بكافكا يؤكد موراكامي في حوراته دائماً على أنه لم يكن الملهم أبداً و هو بالمناسبة من كبار عشاق كافكا و يجيب بإعجاب مفعم قائلاً : إن عوالم كافكا كاملة ، ما الهدف وراء ذلك . يريد على حد قوله أن يحكي روايته بطريقته التي يتمنى أن لا تشابه أحداً . بقي أن أقول أن ناكاتا شخصية محببة للياباني ، يقول في رواية ضخمة لا بد أن تتواجد شخصية واحدة على الأقل محببة للكاتب .

    ردحذف
  2. وما أعظم ما أضافه ردك للتدوينة يا عبد الله .. شكراً جزيلاً لك .
    وبالفعل مقارنة بنصين لكاتبين من شرق آسيا وجدتُ سرد موراكامي مغايراً وحداثياً بالفعل. قرأت بعد إنتهائي للرواية مقالاً عنه في النيويورك تايمز كان الكاتب قد لفتني إلى أسلوب موراكامي المتأثر بالأمركة والثقافة الغربية، وفي ويكيبديا تم وصف أدبه بـ : "أدب حداثي "..
    أما بالنسبة لفرانز كافكا في رواية موراكامي فهو يطل لي بين كل صفحة على الرغم من تصريحات المؤلف .
    وجدتُ أثره جلياً في الأفكار وفي البناء الفني للرواية مزيجاً كما أسلفت من كافكا وماركيز.. ببساطة يمكنني القول بأنه استقى الأفكار من كافكا والأسلوب من ماركيز وأضاف لها بهاراته اليابانية الحريفة. لستُ اؤمن بتفسيرات المؤلف لنصه ولاأحبذ قراءة النقد الذاتي من قبل المؤلف لأعماله .
    وحزنت جداً على موت ناكاتا، كنت أترقب صحوه من نومه الطويل إلى أن انتهت القصة وصدقتُ أنه مات !
    شكراً لردودك يا عبدالله .. شكراً جزيلاً بل حد :)

    ردحذف
  3. أريد الروايه كامله لو سمحتي :( بحثت عنها كثيرا ولم اجدها :(

    ردحذف
  4. ^
    أهلاً بك ..
    جربت رابط التحميل من مدونة كتاب ؟
    هذا الرابط وعسى أن يُفيد :)
    http://ketab.me/2012/02/13/%D9%83%D8%A7%D9%81%D9%83%D8%A7-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A7%D8%B7%D8%A6-%D8%B1%D9%88%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%80-%D9%87%D8%A7%D8%B1%D9%88%D9%83%D9%8A-%D9%85%D9%88%D8%B1%D8%A7%D9%83/

    ردحذف
  5. حقق الاستفادة القصوى من الإنترنت مع حلول Load Balancing
    لمزيد من التفاصيل يمكنك زيارة متجر مدن الاتصالات | https://modn.com/ar/load-balance?utm_source=falsfaglam&utm_medium=organic&utm_id=N-108

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بحر وكتاب وقمر

" لتبدأ الحياة كل يوم كما لوأنها بدأت للتو " غوته ( 1 ) الإجازة فرصة لتغوص أكثر في ذاتك ، تجربة جديدة لأرضٍ جديدة تزورها.. تكتشفها ، تبحث عن تاريخها المدون على سمائها وفي أوراق حشائشها . الإجازة تعني لي لذةً جميلة تتناسل كل عام للتوحد مع كتاب وإتمامه في أيامٍ معدودات على ضوء قمر وشاطيء ورائحة ملح ، أو تحت ظل شجرة وهدوء ظهيرة باردة ، الإجازة محاولة للتحرر من الضغوط و الإلتزامات السخيفة المكبلة لي .. الإجازة حرية مؤقتة تُهديها نفسك ، وعلاقة تجددها مع الروح لتكون روحك هي صديقة روحك .. الإجازة أنت وأنا ولا شيء آخر . ( 2 ) البدايات صعبة و القراءة كأي بداية متعثرة متخبطة غير ثابتة كخطى الطفل الرضيع ، بداياتي كبداياتكم جميعاً قصص المغامرات والألغاز، شُغفت بها اقتنيت كل ما قدرت عليه .. المغامرون الخمسة ، رجل المستحيل ، ملف المستقبل ،( حتى الروايات العاطفية جاء عليها الدور بس ما طولت فيها ).. انغمست في أدب آجاثا حتى النخاع ، غمرني محفوظ ابو روايتنا بحنانه وقوته الروائية ، بدأت أتنوع ... أحرص على أن استفيد من الكُتب ومن القراءة .. قبل أن اقتني أي كتاب ابحث عنه وأصنفه وأق

هل ننجو من لعنة الفراعنة؟ إليكم ماحدث ..

مقولة مثل كل المقولات ! رماها أحدهم في الفضاء وتلقفتها الأفوه؛ لاكتها، عجنتها، تندرت بها، توجست منها، ثمّ: صدقتها . تلك هي حكاية لعنة الفراعنة باختصار ! منذ أن افتتح كارتر مقبرة توت غنع آمون وهناك من يؤمن بتلك اللعنة، وهناك من يضحك على من يؤمن بها … لعل ضحكه يدفع شراً ما، لكن الجميع يتفق على أنها ظاهرة غريبة ليس لها تفسير، أو قد تحمل تفسيراً أُوري في الخفاء كما يحدث مع ظاهرة موت لاعبي كرة القدم بالسكتات القلبية هذه الأيام :) ! لم يمت أحدٌ ممن اكتشفوا مقبرة (واح ـ تي) في نوفمبر  2018 ، وهو مسؤول كبير _ كاهن للسلالة الخامسة من أسرة الفراعنة _ ، حوت المقبرة عدة موميات لوالدة هذا الكاهن وأولاده وزوجته، إضافة لموميات لبوة وشبل أسد، حوت المقبرة قصة حياة " واح تي " وتاريخاً آخر لصراعٍ عاشه مع مواطن فرعوني آخر أراد أن يطمس حضوره بعد الموت واستولى على المقبرة عله يحظى بجنة (واح - تي) بعد الموت ! خلال ساعتان مركزة من السرد المرئي لاكتشاف غرفة  

ورطة القارئ في الأعياد: نصائح لقراءة منعشة خلال أيام الإجازة القصيرة

  تبدو عطل الأعياد بمثابة شهيق طويل نلتقط فيه أنفاسنا، بعد مسيرة الأعمال المحمومة، ودائرة الروتين اليومي، نخلد فيها للوسائد باطمئنان، نلتهم السعادة مع سكاكر الصغار وحلويات العيد. حتى تداهمنا تلك اللحظة الفارغة!  تلك اللحظة التي تقع وسط نهر الزمن اللاهث وتتجمد العقارب فيها فتبحث داخلك وحولك عن ما يمكن أن يملأها: فيلم؟ كتاب؟ أم نزهة مختلفة؟ بالنسبة لي تكون هذه العطل القصيرة  بمثابة احتفال قرائي أختار فيه كتاباً بعشوائية تلائم نمط فوضى هذه الأيام، أسميه كتاب العيد وأغوص فيه بكل حواسي. مررت بعشرات الأعياد، عشت فيها تجارب مختلفة مع كتب عديدة: منها ما كان اختياره في هذا التوقيت موفقاً ورسخ داخلي قراءة لا تنسى، ومنها ما كان اختياره مروعاً! وتحول لزومبي يزورني ليالي العيد الساكنة السوادء وأثناء غيبوبات نعاس العصر الطويل. في هذا المقال سأستعرض معكم بعض هذه التجارب، ولن أنسى إضافة بعض النصائح المركزة للفوز حقاً بقراءة منعشة في هذه الإجازة القصيرة. فرانكشتاين في بغداد: اخترت فرانكشتاين في بغداد دون الاعتبار لتنافر موضوع الرواية الرهيب مع توقيت (العيد).  بدأت بها مساء يوم العيد بعد إرهاق التقبيل ا