التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مواطنة متلبسة بالقراءة *











وسيفيضُ فمي بالكلام وأنا لا أعلم، إن لم أدونه على ورقة حقيقية كانت أم إفتراضية .. تحكي الحكاية عن صورةٍ ساذجة لإمرأةٍ خالية من الزينة شعرها قصير، وترتدي بنطالاً من الجينز تقفف دون إبتسامة بعينين ضاحكتين أمام مكتبة، القميص القطني الأصفر الذي ترتديه سيقفز من الصورة لولا تكة فلاش الكاميرا .. الصورة جمدت تلك اللقطة قبل أن تستدير المرأة وتهرب بكتاب !
تحملُ معها رواية لكاتبٍ تركي ، بعد أن أنهت رواية " البحث عن وليد مسعود " .. تعودُ لتلتقط من رف المجلات مجلة قرأت فيها بيتاً لفاطمة قنديل : " إيه .. وأخيراً اصطدتُ الألم ! " .. تصرُ أسنانها ببعض، تهرع لتبتلع مسكناً من الثلاجة وأسنانها تصرخ، تعود لأريكتها وفي يديها رواية وبجانبها مجلات ومذكرة صغيرة وقلم.. تحت المجلات يقبع كافكا مثل حلم منتصف الليل، بشفتيه الرفيعتين المتلاشيتين، وجبينه الدائري الواسع، وأذنيه النافرتين للخارج... يناديها لتقرأ ماكتبه ذات يومٍ سابق وركبتيه تحتكان بطاولة الكتابة، تفتح بعشوائية على الصفحة 263، تقرأ :
( الخامس عشر من آب..
آلام السرير قبيل الصباح. كنت أرى الحل الوحيد في القفز من النافذة .... )
تقف على الأريكة وتفتح النافذة، ناسية أن النوافذ في هذه البلاد تُسيجْ.. تعود وتدفن رأسها في الرواية، تموتُ موتة صغرى. يوقظها زوجها لتذهب لموعدها الصباحي .. تهرع للحمام، تنظر للمرآة.. تعود وتفتح الباب تطلبُ منه أن يُحضر لها رموشاً إصطناعية، فقد تساقطت رموشها بين صفحات المجلة والرواية ومجلد يوميات كافكا، لقد تساقطت لتكون فواصل قراءة ...حين تعودُ  للقراءةِ في المساء !

* العنوان مقتبس من كتاب للأديبة السورية غادة السمان

تعليقات

  1. ميكروفونك معك أينما كنت مع حلول النداء الشبكي
    لمزيد من التفاصيل يمكنك زيارة متجر مدن الاتصالات | https://modn.com/ar/IP-Pagin-System?utm_source=falsfaglam&utm_medium=organic&utm_id=V-107

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بحر وكتاب وقمر

" لتبدأ الحياة كل يوم كما لوأنها بدأت للتو " غوته ( 1 ) الإجازة فرصة لتغوص أكثر في ذاتك ، تجربة جديدة لأرضٍ جديدة تزورها.. تكتشفها ، تبحث عن تاريخها المدون على سمائها وفي أوراق حشائشها . الإجازة تعني لي لذةً جميلة تتناسل كل عام للتوحد مع كتاب وإتمامه في أيامٍ معدودات على ضوء قمر وشاطيء ورائحة ملح ، أو تحت ظل شجرة وهدوء ظهيرة باردة ، الإجازة محاولة للتحرر من الضغوط و الإلتزامات السخيفة المكبلة لي .. الإجازة حرية مؤقتة تُهديها نفسك ، وعلاقة تجددها مع الروح لتكون روحك هي صديقة روحك .. الإجازة أنت وأنا ولا شيء آخر . ( 2 ) البدايات صعبة و القراءة كأي بداية متعثرة متخبطة غير ثابتة كخطى الطفل الرضيع ، بداياتي كبداياتكم جميعاً قصص المغامرات والألغاز، شُغفت بها اقتنيت كل ما قدرت عليه .. المغامرون الخمسة ، رجل المستحيل ، ملف المستقبل ،( حتى الروايات العاطفية جاء عليها الدور بس ما طولت فيها ).. انغمست في أدب آجاثا حتى النخاع ، غمرني محفوظ ابو روايتنا بحنانه وقوته الروائية ، بدأت أتنوع ... أحرص على أن استفيد من الكُتب ومن القراءة .. قبل أن اقتني أي كتاب ابحث عنه وأصنفه وأق...

ورطة القارئ في الأعياد: نصائح لقراءة منعشة خلال أيام الإجازة القصيرة

  تبدو عطل الأعياد بمثابة شهيق طويل نلتقط فيه أنفاسنا، بعد مسيرة الأعمال المحمومة، ودائرة الروتين اليومي، نخلد فيها للوسائد باطمئنان، نلتهم السعادة مع سكاكر الصغار وحلويات العيد. حتى تداهمنا تلك اللحظة الفارغة!  تلك اللحظة التي تقع وسط نهر الزمن اللاهث وتتجمد العقارب فيها فتبحث داخلك وحولك عن ما يمكن أن يملأها: فيلم؟ كتاب؟ أم نزهة مختلفة؟ بالنسبة لي تكون هذه العطل القصيرة  بمثابة احتفال قرائي أختار فيه كتاباً بعشوائية تلائم نمط فوضى هذه الأيام، أسميه كتاب العيد وأغوص فيه بكل حواسي. مررت بعشرات الأعياد، عشت فيها تجارب مختلفة مع كتب عديدة: منها ما كان اختياره في هذا التوقيت موفقاً ورسخ داخلي قراءة لا تنسى، ومنها ما كان اختياره مروعاً! وتحول لزومبي يزورني ليالي العيد الساكنة السوادء وأثناء غيبوبات نعاس العصر الطويل. في هذا المقال سأستعرض معكم بعض هذه التجارب، ولن أنسى إضافة بعض النصائح المركزة للفوز حقاً بقراءة منعشة في هذه الإجازة القصيرة. فرانكشتاين في بغداد: اخترت فرانكشتاين في بغداد دون الاعتبار لتنافر موضوع الرواية الرهيب مع توقيت (العيد).  بدأت بها مساء يوم العيد ...

" المسخ " _ فرانز كافكا

أن تُسلم رأسك للمخدة وعينيك للرقاد وتحت وسادتك يقبع كتاب " المسخ "لكافكا لهو أمرٌ بالغ الصعوبة بل قد يصل حد الإستحالة ! فرانز كافكا الفتى التشيكي ذي الديانة اليهودية والنشأة الألمانية جعلني أفضل إكمال روايته على ان أستسلم للنوم وفي روايته بقايا صفحات غير مقرؤة ، مستحيل كيف يمكن أن أنام وانا لمّ أدرِ بعد بالذي حل بغريغور سامسا بعد تحوله الفضيع ؟ فجأة استقيظ الفتى المنهك في عملٍ كئيب مرهق ليجد نفسه حشرة ، صرصار ، خنفساء روث _ كما زعقت بذلك ذات مرة الخادمة العجوز _ استيقظ ليجد ظهره قاسياً محدباً بشكل مؤلم ، وبطنه مليء بحلقات بارزة سمراء وعدة أرجل قصيرة هشة .. ياإلهي ! كل ما فكرت فيه كيف تحول هكذا بين ليلة وضحاها ، فيما كان هو " غريغور " يُعمل فكره في إيجاد عذرٍ لتخلفه عن رحلة العمل حتى يعود لطبيعته .. مسكين غريغور كل ما وثب لحظتها في دماغه العمل ، العمل الذي يعيله ويعيل أسرته ويجعلها تعيش الحياة بشكلٍ مريح .. حاول النهوض ، أصيب بأكثر من رضة ولكنه كان يقول لنفسه " حسناً سألحق قطار الثامنة " نسي أو تناسى أنه حشرة ، فيما كانت ردة فعل أبيه وامه وأخته ...