التخطي إلى المحتوى الرئيسي

14










عيناي تحرقاني بسبب الجفاف، وأغسطس اللاهب لم يبدأ بعد. تقولُ امي نقلاً عن جدتي بأن هذا نجم " طباخ الرطب ".. لمّ يكونوا فارغين ليهرعوا لثقافات وتقاويم غيرهم كما نفعل نحن، حين نؤمن بأن شدة الحرّ تقدمت او تأخرت وفقاً للشهر الميلادي .. كانت لهم نجومهم وتسمياتهم، وأمثالهم، كانوا غنيين جداً رغم بعدهم عن الآخر.. الآن نحن ممتزجين بكل العلوم والحضارات ونبدو كما لو كنا بيض الهوية، نهرع لثقافت غيرنا وننسى ماقالته الجدات بحمكتهن، ننسى سعد الذابح والمربعانية، وطباخ الرطب .. ونتعلق بحبال الأبراج الصينية، ونؤرخ أحداثنا الصيفية والشتوية وربيعنا وخريفنا وفقاً لأغسطس اللاهب وأعياد ليلة الميلاد !



***
 كنتُ في دبي قبل شهرٍ ونصف تقريباً ...
دخلتُ مكتبة عالم الكتب "Kinokuniya  " في مجمع دبي مول التجاري، عبر بابها الصغير قياساً بالعالمِ داخلها .. لستُ أدري كيف مشيتُ بين آلاف الكتب هكذا ببرودٍ آلي .. العجيب أني أتجهتُ في البداية لقسم الكتب الإنجليزية، كُنتُ أبحثُ عن كتاب لصنع وصفات إفطار شهية قرأتُ عنه في أمازون، لستُ أدري لم أتخذعقلي هذا الكتابُ خياراً أولاً، هل رأيتُ في هذا العالم _ لن أسميها مكتبة قطعاً ! _ صورة من الرفوف الإفتراضية ومتاجر الكتب الهائلة على الإنترنت؟ هنا كلُ كتاب يمكن أن تتخيله .. كتب فرنسية ، صينية، كتب بلغة الأوردو، كتب إنجليزية، كتب ألمانية _ لم أجد فيها لضياعي مؤلفات كافكا ! _، كتب عربية، وفارسية، إكسسورات كتب وألعاب قطنية صغيرة ، عالم هائل من كتب الأطفال بمختلف اللغات .. وكأني أتبعُ تعليماتٍ في خريطة كُنت ُ أتبع السهم :  " إلى الأمام توجد الكتب العربية  "، لازلتُ أمارسُ سلوكاً آلياً، وعقلي لمّ يوقن بعد بأنه في صورة متخيلة لجنةٍ من الكتب.. أصلُ لقسم الكتب العربية..ألمح  الأغلفة ولا أقرأ العناوين أصبحت ذاكرتي صورية! هناك صورة علي عزت بيغوفيتش، أقرأ العنوان : " هروبي إلى الحرية" التقطه وأتشبث بالكتاب، ألمح صورة للكاتب الأميركي :  أو . هنري.. أقرأ العنوان : " قصص أو هنري _ دار المدى " ، تطوف عيناي، أن تقرأ لوليتا في طهران، سقف الكفاية، لوعة الغاوية، عبد الباري عطوان، لا تحزن، مطبوعات دار كلمة، مائة عام من العزلة ترجمة علي الحاج خليل، كتاب عن هندسة المتجهات وتحليلها، كتاب منال العالم للطبخ، نيتشه، بالزاك والخياطة الصغيرة، القندس، رجاء عالم، القرميد يوسف المحيميد، أورهان باموق، ساراماغو ، السينما، كتب كثيرة من دار المدى، الخ الخ..... ألهث......كتبٌ هائلة،شيء لم أتخيله أبداً ! يلفني صداع مفاجيء .. ( هل تريدين هذا الكتاب فقط ؟ ) أجيبُ : بنعم . الصداعُ مؤلم، نتمشى بين الكتب والقارئين الكثر هنا، لم أعد أرى الكتب،أتفرجُ على القراء الآن، أكثر القراء هنا أجانبٌ غيرُ عرب، نقترب من سياجٍ زجاجي أنيق كُتب أعلاه : " مقهى "، نقررُ الدخول.. هناك منضدة خشبية فوقها لوحة : " ضع كتبك هنا ثم عُد لأخذها " بجانب المنضدة رجلٌ أسمرٌ ضخم، يبتسمُ بلباقة شديدة.. يبدو من بلدان جنوبِ آسيا _ الهند او باكستان _ يقولُ لي بالإنجليزية : " بإمكانك وضع كتابك هنا والرجوع لأخذه " .. ألجُ المقهى وأتناولُ كوباً من القهوة بالحليب عل الصداع ينفكُ قليلاً... وأمامي يتراقصُ أطول الأبراج بأنواره، كنجومٍ هائلة .


***
منذُ تلك الزيارة وصورة أو . هنري لا تغادر أحلامي، أقررُ زيارة المكتبة مرة ثانية بعد ستة أحلام مريعة أرى نفسي ألتقط قصص أو هنري  من رفوف مكتبة كينكونيا وأضعه في الكيس لأعود للفندق وكيسي فارغ ومثقوب... زرتُ المكتبة مرةً ثانية، والتقطت القصص إياها، ورواية لساراماغو، وباموق، وكتابين عن النسبية، وكتاب صادر عن علاء الدين عن الذاكرة،وآخر عن النجاح لأخي، الذي فاتني هذه المرة أيضاً هو أن أصور المكتبة ولو من الخارج، لأتذكر الجنة التي زرتها في أحد الأيام .


***
في كلُ مكان كان هناك كتابٌ في حقيبتي، أثناء سفري لدبي كان الكتابُ هوَ : " القصص الفائزة بجائزة أو . هنري "، قرأتُ في رحلة الذهاب في الطائرة قصة  للكاتب تشارلز لامبرت بعنوان : رائحة القرفة،ولا زلتُ أعاود قراءتها لقدرتها المحكمة على إنتزاع شهقة الدهشة، لم أكمل قراءة الكتاب بعد لكني قرأت قصة كذلك في المترو عن الحرب العالمية الثانية بعنوان "الملاك"  لجوستين ديموند، وكان هناك قارئٌ أوربي أشقر طويل وضخم للغاية يمسك المقبض في السقف بيده اليمنى وأمامه بضع أكياس تبضع وفي يده اليسرى يقرأ مثلي كتاب، هناك فتاةٌ من شرق آسيا إبتسمت لي ورفعت إبهامها _لتشجعني من بعيد _ حين شاهدتني أقرأ، هناك أمٌ جميلة شعرها داكن وعيونها زرقاء تحملُ طفلاً كأنه هيَ، ابتسمت لي وهي تنظر لنقابي وكتابي، هناك قارئٌ أوربي رافقنا في رحلة العودة بالطائرة كان يقرأ لكاتبٍ روسي أظنه تولستوي ويربتُ على كف حبيبته النائمة، وأنا كنتُ أحاولُ تتمة قصة : " كاتب يوميات " لريتشارد مكَّان .


***
عبر القصص السابقة إكتشفت الكاتب الهزلي القصصي : أو . هنري  بضربة محظوظة عشوائية !
حتماً تقودكم أيديكم وأنتم تتبضعون الكتب لكتابٍ أو كتابين خارج القائمة المسبقة، ضربة الحظ هكذا.. مفتاح سحري لعالمٍ جديد. حكاية إقتنائي للمجموعة القصصية التي رافقتني في رحلتي بدأت التبضع الأخير من معرض الكتاب..
في المعرض الفائت قادتني قدماي لكتبٍ مستطيلة الشكل مغلفة بورقٍ كرتوني أصفر لمحتها أثناء تجوالي ... أقلبها وأقرأ " الهيئة المصرية العامة للكتاب "، أرفع بصري لأسم الجناح وألمح اسم لدار مصرية _ لاتسعفني الذاكرة بإسمها الآن _ ..المهم أن الناشر أسال لعابي لإقتناء واحدٍ من هذه الكتب الغريبة الشكل، سألت البائع عن السعر أجاب : " كلو ب40 ريال " ، الثمن باهض بالنسبة لحجم الكتاب .. تتنازعني نفسي : أشتري أم لا ؟ أحسم أمري ألتقط واحداً من هذه الكتب التي كان عنوانها : " أفضل القصص لعام 2007 جائزة أو . هنري " ..
الكتاب ممتع لعاشقي هذا الفن السردي، وترجمة عبد المقصود عبد الكريم جيدة جداً .. لمّ أُتمم بعد قراءة هذا الكتاب.
القصة الأكثر إدهاشاً هي قصة أو . هنري نفسه!.. هو أمريكي وُلد تحت اسم ويليام سيدني بورتر في 11 سبتمبر 1862 في مدينة جرينزبورو بولاية نورث كارولينا حيث أمضى سنوات طفولته. اتصف هنري بغزارة الإنتاج، إذ نشر خلال حياته عشر مجموعات قصصية وحوالي 600 قصة قصيرة. عرَّفت هذه القصص فعلياً فن القصة القصيرة باعتباره شكلاً أدبياً مستقلاً، ولا يزال التلاميذ يطالعونها في المدارس الأمريكية ويترجمها المترجمون في العالَم أجمع إلى جميع اللغات الحية. تخلل إدمان الخمور واعتلال الصحة والمشاكل المادية سنوات هنري الأخيرة. توفي من جراء التليف الكبدي ومضاعفات مرض السكر وتضخم القلب بمدينة نيويورك في 5 يونيه 1910.
أطلق النقاد على أو. هنري لقب "المرادف الأمريكي لجي دو موباسان." فقد برع كلا الكاتبان في نسج النهايات المفاجئة بيد أن قصص هنري اصطبغت بالمزيد من الهزل والتفاؤل.
سُجن هذا القاص الضاحك، وفي أثناء وجوده في السجن طفق يكتب القصص القصيرة كي يكسب نقوداً لإعالة ابنته مارجريت. سرعان ما شحذ مهاراته في الكتابة وظهرت أولى قصصه "جورب ديك المُصَفِّر لهدايا عيد الميلاد" ملحقة بالاسم المستعار، أو. هنري، في ديسمبر 1899 في مجلة ماكلور ماجازين. نالت قصصه عن مغامرات جنوب غرب أمريكا وأمريكا الوسطى إعجاباً فورياً من القراء. نشر هنري أربع عشرة قصة مستخدماً أسماء مستعارة مختلفة، لكنه اشتهر باسم أو. هنري. 
لم يفسر هنري قط سبب استخدامه لاسم ’أو. هنري.‘ يقال إنه استقاه من سجان يدعى أورين هنري. قد يكون أيضاً اختصار لاسم الصيدلي الفرنسي إتين-أوسيان هنري المذكور في كتاب أدوية كان هنري يستعين به في صيدلية السجن، وقد قيل أيضاً بأنه اسم قط العائلة المدعو : او . هنري !
المثير أن هذه المجموعة قادتني لإقتناء قصص أو هنري نفسه الصادرة عن دار المدى، حين لم اقوم أحلامي التي كنت فيها أقرأ قصصه  وتضيع، فأقتنيت مجموعته هو ..
أتمنى أن تكتشفوا هذا الكاتب، كما فعلتُ أنا.
للمزيد عن أو . هنري :
http://albawtaka.com/henry.htm


***

أحاول اليوم إنهاء قراءتي لرواية حياة جديدة لأورهان باموق، إستغرقتُ وقتاً طويلاً جداً لقراءتها ... كنتُ كسولة جداً في القراءة .

تعليقات

  1. ميكروفونك معك أينما كنت مع حلول النداء الشبكي
    لمزيد من التفاصيل يمكنك زيارة متجر مدن الاتصالات | https://modn.com/ar/IP-Pagin-System?utm_source=falsfaglam&utm_medium=organic&utm_id=V-107

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بحر وكتاب وقمر

" لتبدأ الحياة كل يوم كما لوأنها بدأت للتو " غوته ( 1 ) الإجازة فرصة لتغوص أكثر في ذاتك ، تجربة جديدة لأرضٍ جديدة تزورها.. تكتشفها ، تبحث عن تاريخها المدون على سمائها وفي أوراق حشائشها . الإجازة تعني لي لذةً جميلة تتناسل كل عام للتوحد مع كتاب وإتمامه في أيامٍ معدودات على ضوء قمر وشاطيء ورائحة ملح ، أو تحت ظل شجرة وهدوء ظهيرة باردة ، الإجازة محاولة للتحرر من الضغوط و الإلتزامات السخيفة المكبلة لي .. الإجازة حرية مؤقتة تُهديها نفسك ، وعلاقة تجددها مع الروح لتكون روحك هي صديقة روحك .. الإجازة أنت وأنا ولا شيء آخر . ( 2 ) البدايات صعبة و القراءة كأي بداية متعثرة متخبطة غير ثابتة كخطى الطفل الرضيع ، بداياتي كبداياتكم جميعاً قصص المغامرات والألغاز، شُغفت بها اقتنيت كل ما قدرت عليه .. المغامرون الخمسة ، رجل المستحيل ، ملف المستقبل ،( حتى الروايات العاطفية جاء عليها الدور بس ما طولت فيها ).. انغمست في أدب آجاثا حتى النخاع ، غمرني محفوظ ابو روايتنا بحنانه وقوته الروائية ، بدأت أتنوع ... أحرص على أن استفيد من الكُتب ومن القراءة .. قبل أن اقتني أي كتاب ابحث عنه وأصنفه وأق

هل ننجو من لعنة الفراعنة؟ إليكم ماحدث ..

مقولة مثل كل المقولات ! رماها أحدهم في الفضاء وتلقفتها الأفوه؛ لاكتها، عجنتها، تندرت بها، توجست منها، ثمّ: صدقتها . تلك هي حكاية لعنة الفراعنة باختصار ! منذ أن افتتح كارتر مقبرة توت غنع آمون وهناك من يؤمن بتلك اللعنة، وهناك من يضحك على من يؤمن بها … لعل ضحكه يدفع شراً ما، لكن الجميع يتفق على أنها ظاهرة غريبة ليس لها تفسير، أو قد تحمل تفسيراً أُوري في الخفاء كما يحدث مع ظاهرة موت لاعبي كرة القدم بالسكتات القلبية هذه الأيام :) ! لم يمت أحدٌ ممن اكتشفوا مقبرة (واح ـ تي) في نوفمبر  2018 ، وهو مسؤول كبير _ كاهن للسلالة الخامسة من أسرة الفراعنة _ ، حوت المقبرة عدة موميات لوالدة هذا الكاهن وأولاده وزوجته، إضافة لموميات لبوة وشبل أسد، حوت المقبرة قصة حياة " واح تي " وتاريخاً آخر لصراعٍ عاشه مع مواطن فرعوني آخر أراد أن يطمس حضوره بعد الموت واستولى على المقبرة عله يحظى بجنة (واح - تي) بعد الموت ! خلال ساعتان مركزة من السرد المرئي لاكتشاف غرفة  

ورطة القارئ في الأعياد: نصائح لقراءة منعشة خلال أيام الإجازة القصيرة

  تبدو عطل الأعياد بمثابة شهيق طويل نلتقط فيه أنفاسنا، بعد مسيرة الأعمال المحمومة، ودائرة الروتين اليومي، نخلد فيها للوسائد باطمئنان، نلتهم السعادة مع سكاكر الصغار وحلويات العيد. حتى تداهمنا تلك اللحظة الفارغة!  تلك اللحظة التي تقع وسط نهر الزمن اللاهث وتتجمد العقارب فيها فتبحث داخلك وحولك عن ما يمكن أن يملأها: فيلم؟ كتاب؟ أم نزهة مختلفة؟ بالنسبة لي تكون هذه العطل القصيرة  بمثابة احتفال قرائي أختار فيه كتاباً بعشوائية تلائم نمط فوضى هذه الأيام، أسميه كتاب العيد وأغوص فيه بكل حواسي. مررت بعشرات الأعياد، عشت فيها تجارب مختلفة مع كتب عديدة: منها ما كان اختياره في هذا التوقيت موفقاً ورسخ داخلي قراءة لا تنسى، ومنها ما كان اختياره مروعاً! وتحول لزومبي يزورني ليالي العيد الساكنة السوادء وأثناء غيبوبات نعاس العصر الطويل. في هذا المقال سأستعرض معكم بعض هذه التجارب، ولن أنسى إضافة بعض النصائح المركزة للفوز حقاً بقراءة منعشة في هذه الإجازة القصيرة. فرانكشتاين في بغداد: اخترت فرانكشتاين في بغداد دون الاعتبار لتنافر موضوع الرواية الرهيب مع توقيت (العيد).  بدأت بها مساء يوم العيد بعد إرهاق التقبيل ا