أبدو مثل تفاحةٍ مقضومة يا مريم !
منذ أتينا من بلادك وأن أحسُ نفسي تصيرُ تفاحةً خضراء يخالطُ لونها الأخضر الحامض الشهي حلاوة رائعة، تتقاذفها الأيدي وكلُ من أصحاب الأيدي يريدُ ان يحوزَ على أكبر قضمة .. أُقضَمُ، وأُقضَمُ، وأُقضَمُ حتى لمَ يبقى مني سوى البذور والعودُ اليابس في مركزها ، حينَ كانت التفاحة جزءاً من غصن شجرة التفاح وكان العودُ وسيلتها للإلتصاق .
أنا مشتتة لا فعلت ُما أريد ولا فعلتُ ما يريدُ من حولي مني، أكاد أصرخُ فيهم : اريدُ ثلاث ساعاتٍ أقضيها وحيدة.. أريدُ أنّ اكتب لمريم، أريدُ ان أسجلَ المكان والحديث ورائحة رطوبة الماء في الهواء قبل أن يختلط كُلُ هذا بالذكريات البالية ...
أنا أسرقُ من وقت اليومِ ساعة، لأكتبُ عن سبعة أيام قضيتها في دبي... حسناً الساعة مجحفة بحق سبعة أيام، سأكتبُ إذن عن ساعتين قضيتها معكٍ في ردهة سوق " ابن بطوطة " مقابل مقهى ستار بوكس وذلك الجرسونُ يلوح بمكنسته على الأرض يكنسُ بقايا ثرثرة الجالسين على الأرائك، وتينك الفتاتين الشقرواتين عن يساري يلحسانِ المثلجات الملونة بكركرة منعشة، تداخلها أصوات الفلاش الذي يومض كُل مرة حين التقطتا لبعضهما صورةً باردة مع الآيسكريم ..
اتفقنا على اللقاء ذلك اليوم في مكانٍ لمَ نحدده بعد، لكنّ كان الخيارين : مجمع السيتي سنتر، ومول ابن بطوطة .. فذفتنا دبي _ هذه المدينة الزرقاء! _ ذلك اليوم في حضن الرحالة العربي، يضحكُ ولدي من اسم المول : " ههه سوق ابو البط " ، نحاولُ تعريفه بهذا الرحالة أكثر ونعلمه النطق الصحيح ، نريه صورته المرسومة على الحجر والتماثيل المجسدة لشخصية رحالة مغاربي من الزمن القديم، يشهقُ شهقة خافتة ثم يهمس : " مغربي ! " ، أقولُ له مؤكدة : نعم ، يسألني : " هل هو ساحر ؟ " اندهش من الصورة المطبوعة في ذهنه عن المغاربة وقبل أن أطالبه بتفسير يقول : " تذكرين قصة " علاء الدين والمصباح السحري ": كان فيها ساحر وكانت القصة تقول أنه من المغرب ! " .... أضحك ثانية وأخبره أن القصة قد تكون صادقة وقد تكون كاذبة وأنها محض خيال لذا لا نستخدمها لأخذ معلومات عن الشعوب بل نسأل عن مدى صحتها أولاً .
المهم، اتصلتِ علي قرب العاشرة تسأليني عن موقعي، أجيب بتخبط بعد أن جلسنا على الأريكة إياها في مقهى ستار بوكس، أقومُ وأجلس، أحاولُ إصطيادك وانا في مكاني، تقولين أنك بجانب متجر دبنهامز المقابل ايضاً لمكان جلوسنا أمشي بضع خطوات ألمح نظرةَ تشبه نظرة طفلة في اولِ يوم في المدرسة، أرفع الهاتف، يدقُ هاتفك .. نبتسم ونسلمُ على بعض وكأننا رأينا بعضنا قديماً ثم أفسحت لنا الأقدارُ لقاءاً ثانياً ..
نجلسُ ولا أدري كيف جلسنا ولا لاكيف أمسكنا خيط الكلام لتتدحرج بكرته، نتحدثُ عن الرواية العربية حديثاً لذيذاً ... أسألكِ عن الرواية في الإمارات، تجيبين بأنها إلى الآن تاتي في مرتبة اخير بعد الشعر والقصة القصيرة نعرج للحديث عن روضة حمد ، تلك الفتاة البوكاهانتسية التي كتبت حكاية باص القيامة، الحديثُ ذاك يقودنا أيضاً لعلي ابو الريش، الروائي الإماراتي القدير .. أقولُ لك بأني شاهدتُ له لقاءا في التلفزيون وعلق بذاكرتي: لحيته الشعثاء الطويلة وجسده الضامر، مبدأه وأسلوبُ حديثه، فمن حديث المرء يمكننا الحكم على ماكتب وماسيكتب .. نتحدث عن مكتبتنا الإفتراضية ( مكتبة الإقلاع ) التي كانت سبباً لقربنا من بعضنا حتى غدونا صديقات. نتحدثُ عن كُتَابنا : محمد حسن علوان، ورجاء عالم وأشعار الباشا، وعدي الحربش الذي بدوتِ كما بدوتُ أنا بعد قراءتها : خارجة من عالمٍ آخر بالمعنى الحرفي ، قصص طبيبُ كلى الأطفالِ هذا تمنحنا دهشة غضة، دهشةً بكر .. كأنها الدهشةُ الأولى !
نقومُ بعد ساعتين ونصف وبكرة الحديث لمّ تنقطع بعد، يمنحنا الزمنُ حديثاً مبتوراً كُل مرة مع من يخالُ لك أنه مرآتك وحجرةُ قلبك الخامسة،أسيرُ مع عائلتي لتناولُ العشاء في مطعمٍ تركي بعد أن خبأت جفوني دمعتين ونحن نوادع بعضنا .. أقبضُ بقوة على هديتكِ المغطاة بورقٍ فاخر كتب عليه باريس بجوار رسمٍ لبرج إيفل، هديتك الثقيلة فيزيائياً بسبب حصيلة أيام إيزابيل اللندي وروايتي محمد حسن علوان، الصادحة بقرقشة إسورة تركوازية برائحة الأردن وصوتُ فيروز المخبوء في الألبوم. والذي ما أن صدح في حجرة الطعام وأنا أُعدُ الغداء في الرياض حتى أكتشفتُ أني لمّ أنسّ : إخباء صوتك الحنونْ معها !
يالله، أحلى ما في الحياة الصداقات الصادقة الجميلة..ربي يدوم عليك نعمة الأصدقاء
ردحذفراقني حديثك الرقيق :)
أدامك الله وأدام علاقتنا الجميلة يا راء ...
ردحذفشكراً لك وسعيدة بالتأكيدة أن راقك الحديث :)
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ..
ردحذفجميلة هي رحلتكِ ككل أنا متأكدة ^^
حديثكما جلوسكما ضحكاتكما لحظات ارتشاف و هدوءِ تعقبها لحظات حديث يطول .. شعرت بكل ذلك ^^ جميلة جداً ^^ لا فرق الله بينكما و ألقاكما بعضكما قريباً أيضاً =)
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ..
ردحذفحياك الله يا سماء، وشاكرة لك دعواتك .. ولازلت أحاول قتل الكسل في فراشه حتى أكتب مذكراتي عن تلك الرحلة كاملة ..
شكراً لك، شكراً جداً
ميكروفونك معك أينما كنت مع حلول النداء الشبكي
ردحذفلمزيد من التفاصيل يمكنك زيارة متجر مدن الاتصالات | https://modn.com/ar/IP-Pagin-System?utm_source=falsfaglam&utm_medium=organic&utm_id=V-107