التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المشاركات

عرض المشاركات من مايو, ٢٠١٢

ساهدة

لستُ أريدُ اليوم سوى أنّ  تكونَ التلال الصغيرة غطائي مُشبعة برائحة  الشمس وأنا غافيةٌ مثل الصباح الغائم الذي لا شمسَ فيه ... ..  في هذه الليلة سنشربُ القمر في الزجاجات المقعرة سيكونُ الليل أسود وكُلّ يومٍ كذلك أنتَ أصبحتَ شمسي وأقماري الكثيرة ! ... يقالُ أن النجارَ دقَ بابي أحضرَ معهُ مطرقة ومسماراً سألته : ماذا ستفعلُ به ؟ قالَ لي : قلبكِ مثقوب، وبه ثقبٌ تساوي مساحته رأسَ مسماري !

ندوبُ مدينة

" إتخذَ قرارهُ هذا الصباح ...كان هذا القرارُ في الأصلِ فكرةً تمورُ شأنها كُلَ الأفكارِ في رأسه، تُحدثُ جلبةً خفيفة بعد مورانها وحركتها كُلِ صباح فيملأ النكدُ مزاجه لثوان ٍ، يقتلهُ بكوبِ قهوةٍ مُر،  ومعهُ تموتُ كُل الأفكار كأنها لمّ تكنّ .. إلا هذه الفكرة التي وثبت على سطح أفكاره فجأة! ثمَّ نَمَت بسرعةٍ طفيلية مخيفة لتُصبح قراراً، ثمَ فعلاً بدأ في تنفيذه .. فارتدى ثوبهُ القطني الأبيض، وضعَ كُلَ زرٍ من أزرار ثوبه في مكانه، التفتَ إلى الخلف ليرى شماغه * المنطرح على السرير، عاود النظر ‘إلى مرآته .. هالهُ كمية الشعر الأبيض الملتهمة رأسه في فوضى شعثه وغبرته وخُصَلهِ الطويلة، اقترب من المرآة حتى التصق أنفه بسطحها، تحسس وجهه وتلمس الشعيرات الشهباء القليلة فوق شفتيه وعلى لحيته وعارضيه، اببتعدَ قليلاً .. رأى نفسه حقيقياً أكثر وإنسانياً أكثر بلا أسمالٍ تعتلي هامته، فأبعد فكرة إرتداء الشماغ عن رأسه .. ولولا أنّ الشرطة لنَ تلاحقه، والجيرانَ لنّ يقذفوهُ بالحجارة لخرج عارياً إلا من خرقةٍ تُغطي سوأته . فتحَ الباب وخرجَ إلى المدينة، خرج إلى الشارع الأسود، مضى زمانٌ طويل مُذ خرجَ من هذا الباب...

جمجمة من شاش

"" لا أدري كيف توصلت إلى أن أكون كاتباً بمثل هذه الذاكرة السيئة !  "" تُنسب هذه المقولة إلى ماركيز على ذمة تويتر، لستُ أثقُ في تويتر ثقةً تامة إلا أني أثقُ في أن نصف السطر الذي تحتلهُ عبارته هذه الزاخرة بسخريةٍ حاذقة هي لماركيز، لا أحد يكتبُ بهذه الطريقة إنهُ يتحدثُ عن نفسه وكأنه يتحدثُ عن آخر .. بحياد ، بصدقٍ لا تحتمله أيُ أنا مغرورة، إنهُ كاتبٌ متواضع، وعجوزٌ جميل تمنحكُ قراءتهُ حساً جيداً تمكنك من معرفة ما كتب. إذن أنت تقولُ أيها العجوز الكولومبي إن ذاكرتك سيئة ؟ هه يافتى أراكاتاكا ومزارع الموز وصاحب الرواية التي كتبتها ورميتَ بها لصندوق المهملات ؟.. كُلَ هذا الزخم من الذكريات ومن حكايا الجدات وأشباح بيتِ العائلة وتصفُ ذاكرتك بالسوء ؟ ماذا عنيّ إذن ؟ كُنتُ أفكرُ جدياً بنسفِ أحلامي التي ترتكز على كتابٍ ما سوفَ يُكتب قبل مقولتكِ هذه .. ماذا يُرجى من ذاكرةٍ لا أراها مُغطاةً  بعظام الجمجمة بلّ بلفائف شاشية بيضاء، ليسَ لها ثقل ، ملأى بالثقوب المربعة، لا يحملُ رأسي فيها أيُ مخزن للزمن ؟ الذكرياتُ تطير.. نعم بمعناها الحر...

12

أجبرني جبرا إبراهيم جبرا على البدء في روايته : " البحث عن وليد مسعود " رغم إتخاذي قراراً سابقاً بالإبتعاد قليلاً عن سحر إبن بيت لحم بعد قراءة سيرته " البئر الأولى "، لكنّ لمّ أقدر .. هزمني هذا الفلسطيني وهو تحت التراب . *** العوالم الجديدة ... الرائحة العابقة بزيت الزيتون الطازج وقرع كنيسة بيت لحم، إنها فلسطين عبر بوابة سيرة جبرا " البئر الأولى " .. أدلفها أول مرة معه، قرأت قبلاً في أثر الفراشة لدرويش الأبيات التي لها صوت رصاص ورائحة دم، ثُم نصه النصل : " في حضرة الغياب " المملؤ بأوجه العابرين والمسافرين والباقين والمنفيين .. لكنّ غاب الوطن، غابت فلسطين من نصه وإن جاءت سطوره حارقة عن عكا وغزة والقدس ونابلس .. جاءت مشتاقة شوق المنفي من بعيد . لذا كانت ببهجتي مغايرة وانا أقرأ السيرة الروائية لجبرا، لإن نفسه الروائي المتماسك وذكرياته الغزيرة عن وطنه جعلتني حقاً في بهجة تزورني اول مرة وكاني حقاً في بيت المقدس أسمعُ أصوات المآذن وقرع الكنائس، أرى أشجار الزيتون الشامخة وثمار الزعرور الصغيرة الشهية، أرى خرزة البئر في كُلِ دارٍ جديدة يسكنونها ....

196

" تلك وكثير غيرها، قصص من هذه السيرة الذاتية تقتضي الأناة في السرد، والوقفات الطوال مع متعات وتباريح ونشوات هيأتني لغربة  طويلة وانقلاب كبير في أساليب الحياة في انكلترا الخضراء، الضاجة يومئذ بقنابل الحرب، وصيحات الطلاب الكثيري الحركة والشرب والجدل، والطالبات البراقات العيون العريضات الشفاه، وصراخ الكتب التي رحت اشتريها بالعشرات، ذلك الصراخ الذي عايشته يوماً بعد يوم، بل ساعة بعد ساعة، مع صراخ داخلي كان يشتدُ بي آناً حتى البكاء والجنون وآناً حتى الصمت والذهول . " جبرا ابراهيم جبرا _ البئر الأولى