التخطي إلى المحتوى الرئيسي

أصيرُ نملة !





حكتْ لي صديقتي نورة وانا في خامس إبتدائي عن حديقتهم الكبيرة المزروعة بالنجيل و شجيرات ورد الجوري والفل الذي يفيض كرمها في الصباحات الباردة فتحضرُ وردتين واحدة لها والأخرى تهديني إياها لأغرسها بين خصلات شعري القصير أو في جيب المريول الأمامي، وحكتْ لي عنّ أرجوحتهم الخضراء الكبيرة لدرجة أنهُ بمكنها الإستذكارُ على مقعدها وهي تتأرجح، وحينَ طلبتُ من أمي زيارتها بحجة الأرجوحة والمذاكرة رفضت أمي وهي تضحك وتشيرُ لأرجوحتنا الهزيلة المطعوجة بزوايا حادة تخدشني كُل مرة حين أهمُ بالركوب .. حينها تمنيتُ أن أصير نملة !
حلمتُ أن أملك القدرة على  تحويري من إنسان إلى نملة بطريقة تشبه مافعلته أليس في بلاد العجائب، هكذا بسلاسة ودونَ ألم .. حلمتُ أنّ أصير نملة وقتما أريدُ فأدلفُ في حقيبة نورة وأذهب معها لأرى أشجار الورد والمرجيحة الخضراء، وحين تفرغ حقيبتها من كتبها انسلُ بهدوء وسلام دون أن تشكُ نورة أنني رفيقتها للحظة واحدة .. أنسابُ في طرقات بيتهم ومن ثم أتسلقُ عواميد الأرجوحة بصبرٍ حثيث يشبهُ صبرَ قبيلة النمل التي هاجمت القط توم وطرحته من أعلى أرجوحته القماشية بين شجرتين، حتى أصل للمقعد بجانب أيٍ من أفراد أسرة صديقتي وهو يتأرجح .. وأنظرُ للعالم العملاق حولي وأسمعُ سواليفهم وأسرارهم المنزلية الخاصة دونَ أنّ يرتابوا للحظة واحدة أنّ هناك نملةً غريبة تسمعهم .
كُنتُ مرة أنا وأخويّ الأصغر مني نلعبُ في الفناء الخارجي مباراة كرة قدم مضحكة جُل لاعبيها ثلاثة،  لتُطلَ علينا فتاةٌ صغيرة حركاتها شقية ولسانها بذيء من نافذة الجيران .. أصبنا بالمفاجأة والبلادة ولمّ نقدر سوى على الضحك ورمي علب العصائر الفارغة عالياً لإخافتها .. سمعنا صوتاً ذكورياً عالياً وضربات ثم صياح الطفلة حينها تمنيتُ أيضاً أن أصيرَ نملة وأصعد الجدار لأصل إلى بيتهم لأرى ماذا حلّ بالطفلة التي لمّ تتشاقى علينا سوى مرةٍ واحدة .
تمنيتُ كثيراً وبلا حدّ لعدد الأمنيات تلك بأن أصير نملة، لأدلف البيوت التي لا أستطيع دخولها ، لأتجاوز المحظور والحرام والعيب .. لأرى ماذا يفعلُ الناس دون رقيب أو حساب لوجود شخصٍ غريب .
حين قرأتُ سورة النمل وقرأتُ الآية : " وحُشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون* حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون " [النمل: 17-18].
علمتُ أنّ النملة شأنها عظيم لذكرها في القرآن، ولا يُستهان بصبرها وتنظيمها أبداً ... وحتى الآن لازلتُ أتمنى أنّ أصيرَ نملة :) !

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* الصورة أعلاه  لجحر نمل في فناءنا :)

تعليقات

  1. الحمدلله انكِ لستِ نمله
    لأنني أشعر أن حياة النمل جداً تعيسه و صعبه
    و شاقه ،،،

    ردحذف
  2. أهلاً نوف .. سعيدة بطلتك وتعليقك .
    أما أنا فلا تزالُ حياةُ النمل تستهويني :)

    ردحذف
  3. كل ما تحتاج معرفته عن تأسيس كول سنتر-Call center
    https://modn.com/ar/all-what-you-need-to-know-about-settingup-a-call-center?utm_source=falsfaglam&utm_medium=organic&utm_id=V-103

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

( سرير الأشباح ) ... قصة قصيرة

أحسّ بموجة هواءٍ حارة ، عرف أن النافذة جواره فُتَحت لثانية ثم غُلَقت ، حاول أن يرفع رمشيه الباردين ، حاول أن يقاوم ثِقَل المرض الماكث في خلايا جفنيه ... ، حاول ولم يفلح ، تمنى أن يرى الدنيا من نافذة السيارة المُسجّى على مرتبتها .. كان رأسه يقع تحت كوتها مباشرة ، مرة ثانية أحس بشيئٍ حار يلسع وجهه دون أن يشم الهواء ، عَرَفّ أن الشمس نجحت في مقاومة غيمة وتبديد ظلمتها الرمادية . أعياه الإحساس المشلول بالأجساد والأشياء حوله ، تمنى لو يُقَطِعُ جسده ، يفتته إلى قِطّع صغيرة ، ثم يبعثر ذاته في الفضاء عبر النافذة حتى لا يبقى منه سوى دُفقة نور ... روحه المُنهكة ! حينها قد تفضحه رائحة المرض والسرطان الذي سكن هيكله المسكين بضع سنين ، ودمّر حياته ، حتى أنه ذاق الموت أو كاد مراتٍ عديدة... أصطدمت رأسه بالمرتبة الأمامية بفعل القصور الذاتي _ حين توقفت المركبة _ ... ماذا قُلت ؟؟ قصور ذاتي ؟؟ لازالت العلوم الطبيعية تحفر عقلي ، وتُذَكرني بأني كنت مُدرساً محبوباً لمادة العلوم ..احترق جفنّاي، لابد أن الدموع تثابر لمقاومة الصمغ المتلبد بين الرموش .. أحسست بيديّ إبني سعيد وهو يتحسس قدميّ ليطمئن عل...

نجار في رأسي (47)

أقرأ النباتية(١) الآن. كُنت قد قطعت شوطاً طويلاً حتى وصلت إليها مُعتبرة قراءتي لها الآن احتفاء بمثابرتي كما يجب: ١٥ كتاباً خلال ٥ شهور بواقع ٣ كتب شهرياً. *** تنتمي هذه الرواية لأدب الكارثة، وهي ثاني رواية  كارثية أقرأها خلال الفترة السابقة بعد رواية خرائط يونس للروائي المصري محمود حسني. في كل مرة أحاول التدوين تفترسني رغبة الحديث عن الخمسة عشر كتاباً! فأتبلبل وأضيع، تجاوزت معضلتي هذه بصعوبة في رمضان، ورغم التدوينة الرمضانية المحشورة محاولة مني لنفض غبار رأسي واستئناف الكتابة إلا أنها أتت كمن يطهو للمرة الأولى  ديك رومي ليلة الميلاد! لم أطهو ديكاً رومياً ولا مرة، إلا أن مشاهد ليلة رأس السنة  في الأفلام والمسلسلات جعلتني أقيس التجربة بخيالي وأقيم صعوبتها العظيمة، والتي لا يمكن مقارنتها بأي طبقٍ محلي أو عالمي أعرفه، ومارأيت من لذة في تلك الليلة من تناول لحمٍ طري كالزبد قد جعلتني ألمس صعوبته وتطلب إحساس الطاهي الرقيق في صنع الطبق... ليلة عيد وطبق مستحيل وثلج! معضلة متشابكة تشبه المشاريع الكتابية التي أؤجلها كل مرة، تدوينات ومقالات أحلم بتدوينها. أنا نجار فقد مهارة قطع...

أَكتُبْ كما لو كُنتْ في التاسع والعشرين من مايو (34)

هذه التدوينة عبارة عن مسودة ، كنت أشطب وأكتب وأضيف فيها طوال شهر مايو، ولمّ تُنشر إلا الآن ... العجيب ما حدث في مايو ! حيث تضاءلت كتاباتي وتدويناتي اليومية الخاصة فيما تصاعدت وتيرة قراءاتي، لتكن العلاقة بين القراءة والكتابة عكسية، لكن الأهم أن يبيقيان ضمن إطار علاقةٍ ما ...هذه التدوينة عبارة عن ماحدث مع القراءات في شهر مايو.. في هذا الشهر واللذي يصادف شهر رمضان ستكون قراءتي مرتكزة على كتابين : أسطنبول: الذكريات والمدينة لباموق، ومن شرفة إبن رشد للكاتب المغربي عبد الفتاح كيليطيو . *** خمسة أصوات ـ غائب طعمة فرمان قرأت هذاه الرواية بتدفق وإنهماك ثم توقفت قرابة الشهر .. لماذا ؟ لقد ضاع الكتاب في سيارة أحد إخوتي، لأجده بشكلٍ غرائبي داخل درج خزانتي .. صحيح أن رعدة سريعة مرت بي وأنا أتأكد من أن الكتاب هو ذاته كتابي ... لكنني إبتهجتُ جداً حين تأكدت من أنه هو : كتابي البنفسجي الضائع . قراءةٌ أولى لغائب، لقد أهداني أحد الأصدقاء هذه الرواية، طوال القراءة كان يمر بي طيف نجيب محفوظ، إنه يشبه سرد محفوظ إلى حدٍ ماـ خاصة في رواية ميرامار ـ حيث تتعدد أصوات الرواة كما فعل غائب متنقلاً بين خمسة ...