التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الساندويتش الذي تصنعه أمي






لا زِلتُ أحتالُ على امي كي تصنع لي شطيرتها المفضلة بـ مُربى الفراولة والجبن الأبيض رُغم الطفلين اللذين يتشبثان بأذيال فستاني، لازِلتُ أشعرُ بأني تلك الطفلة التي تهرع لأمها ظهيرة يومٍ دراسي لتشكو معلمتها العصبية لتربتُ على كتفي وتقول : " لابأس أنتِ قوية " .
لازِلتُ أستمدُ من هدوءها وطيبتها القوة التي تفخرُ بها وهي تقول : فاطمة أنتِ أجرأ مني ، وهي لا تعلم أنها مصدرُ تلك القوة وسببها .. حين ربتت على كتفي في تلك الظهيرة، وحين تركتني وأنا فتاة تتأرجح بين الطفولة والصبا لأقدم أوراقي بنفسي للتسجيل في مدرسة الحي الجديد وفي عينيها نظرة إعتذار وبين يديها لفة بيضاء تُطلُ منها رأسُ أختي الصغير، وحينَ باركت لي بنجاحي وقالت لي حينها : انتِ صاحبة القرار أنتِ إختاري التخصص الذي تُحبيه، وحين همست لي عبر سماعة الهاتف وبطني تتأرجح بآلام المخاض لأول مرة : فاطمة أنتِ قوية أنتِ لستِ بحاجة إليّ .
أمي مثل كُل الأمهات يضوعُ من مفرقها رائحةُ طيبٍ شرقي لها وحدها ، وفي يديها يستكينُ لونُ الحناء الغامق الذي لنّ تراه إلا في أيدي الأمهات، وتُحبُ اللون البنفسجي ، وتصنعُ ألذ شطائر مُربى وهي لا تعلم أنها تدسُ فيها دعواتها ونواياها المُباركات بأن يُصبح أولادها أقوى منها كُلَ يوم .

تعليقات

  1. نص جميل ما شاء الله، بارك الله في جميع أجيالكم =)

    ردحذف
  2. يا لسعادة أمك بك، رب يديمها لكم ذخر ويبارك لها في صحتها وفيكم ..
    تفاصيل النص جعلتني ابتسم طوال قراءته.. سعيدة جداً بمشاركتك في هذه المغامرة ..

    ردحذف
  3. المرسم الصغير :
    سعيدة بحضورك وتعليقك .. وشكر الله دعاءك .

    انا كفاطمة :
    شكراً لدعائك وتعليقك، سعيدة لإبتسامتك، وحضورك .. وصدقيني بهجتي أكبر بالمشاركة معكم .

    ردحذف
  4. كل ما تحتاج معرفته عن تأسيس كول سنتر-Call center
    https://modn.com/ar/all-what-you-need-to-know-about-settingup-a-call-center?utm_source=falsfaglam&utm_medium=organic&utm_id=V-103

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بحر وكتاب وقمر

" لتبدأ الحياة كل يوم كما لوأنها بدأت للتو " غوته ( 1 ) الإجازة فرصة لتغوص أكثر في ذاتك ، تجربة جديدة لأرضٍ جديدة تزورها.. تكتشفها ، تبحث عن تاريخها المدون على سمائها وفي أوراق حشائشها . الإجازة تعني لي لذةً جميلة تتناسل كل عام للتوحد مع كتاب وإتمامه في أيامٍ معدودات على ضوء قمر وشاطيء ورائحة ملح ، أو تحت ظل شجرة وهدوء ظهيرة باردة ، الإجازة محاولة للتحرر من الضغوط و الإلتزامات السخيفة المكبلة لي .. الإجازة حرية مؤقتة تُهديها نفسك ، وعلاقة تجددها مع الروح لتكون روحك هي صديقة روحك .. الإجازة أنت وأنا ولا شيء آخر . ( 2 ) البدايات صعبة و القراءة كأي بداية متعثرة متخبطة غير ثابتة كخطى الطفل الرضيع ، بداياتي كبداياتكم جميعاً قصص المغامرات والألغاز، شُغفت بها اقتنيت كل ما قدرت عليه .. المغامرون الخمسة ، رجل المستحيل ، ملف المستقبل ،( حتى الروايات العاطفية جاء عليها الدور بس ما طولت فيها ).. انغمست في أدب آجاثا حتى النخاع ، غمرني محفوظ ابو روايتنا بحنانه وقوته الروائية ، بدأت أتنوع ... أحرص على أن استفيد من الكُتب ومن القراءة .. قبل أن اقتني أي كتاب ابحث عنه وأصنفه وأق...

ورطة القارئ في الأعياد: نصائح لقراءة منعشة خلال أيام الإجازة القصيرة

  تبدو عطل الأعياد بمثابة شهيق طويل نلتقط فيه أنفاسنا، بعد مسيرة الأعمال المحمومة، ودائرة الروتين اليومي، نخلد فيها للوسائد باطمئنان، نلتهم السعادة مع سكاكر الصغار وحلويات العيد. حتى تداهمنا تلك اللحظة الفارغة!  تلك اللحظة التي تقع وسط نهر الزمن اللاهث وتتجمد العقارب فيها فتبحث داخلك وحولك عن ما يمكن أن يملأها: فيلم؟ كتاب؟ أم نزهة مختلفة؟ بالنسبة لي تكون هذه العطل القصيرة  بمثابة احتفال قرائي أختار فيه كتاباً بعشوائية تلائم نمط فوضى هذه الأيام، أسميه كتاب العيد وأغوص فيه بكل حواسي. مررت بعشرات الأعياد، عشت فيها تجارب مختلفة مع كتب عديدة: منها ما كان اختياره في هذا التوقيت موفقاً ورسخ داخلي قراءة لا تنسى، ومنها ما كان اختياره مروعاً! وتحول لزومبي يزورني ليالي العيد الساكنة السوادء وأثناء غيبوبات نعاس العصر الطويل. في هذا المقال سأستعرض معكم بعض هذه التجارب، ولن أنسى إضافة بعض النصائح المركزة للفوز حقاً بقراءة منعشة في هذه الإجازة القصيرة. فرانكشتاين في بغداد: اخترت فرانكشتاين في بغداد دون الاعتبار لتنافر موضوع الرواية الرهيب مع توقيت (العيد).  بدأت بها مساء يوم العيد ...

" المسخ " _ فرانز كافكا

أن تُسلم رأسك للمخدة وعينيك للرقاد وتحت وسادتك يقبع كتاب " المسخ "لكافكا لهو أمرٌ بالغ الصعوبة بل قد يصل حد الإستحالة ! فرانز كافكا الفتى التشيكي ذي الديانة اليهودية والنشأة الألمانية جعلني أفضل إكمال روايته على ان أستسلم للنوم وفي روايته بقايا صفحات غير مقرؤة ، مستحيل كيف يمكن أن أنام وانا لمّ أدرِ بعد بالذي حل بغريغور سامسا بعد تحوله الفضيع ؟ فجأة استقيظ الفتى المنهك في عملٍ كئيب مرهق ليجد نفسه حشرة ، صرصار ، خنفساء روث _ كما زعقت بذلك ذات مرة الخادمة العجوز _ استيقظ ليجد ظهره قاسياً محدباً بشكل مؤلم ، وبطنه مليء بحلقات بارزة سمراء وعدة أرجل قصيرة هشة .. ياإلهي ! كل ما فكرت فيه كيف تحول هكذا بين ليلة وضحاها ، فيما كان هو " غريغور " يُعمل فكره في إيجاد عذرٍ لتخلفه عن رحلة العمل حتى يعود لطبيعته .. مسكين غريغور كل ما وثب لحظتها في دماغه العمل ، العمل الذي يعيله ويعيل أسرته ويجعلها تعيش الحياة بشكلٍ مريح .. حاول النهوض ، أصيب بأكثر من رضة ولكنه كان يقول لنفسه " حسناً سألحق قطار الثامنة " نسي أو تناسى أنه حشرة ، فيما كانت ردة فعل أبيه وامه وأخته ...