***
أحتفظُ داخلَ رأسي بالعديدِ من الأصوات، لعلَ أقدمها صوتُ جدتي بارك اللهُ في سنينها وهي تقصُ علي " السباحين "(1) أثناء قراءتي لأساطير شعبية تأليف : عبد الكريم الجهيمان، أو صوتُ ممثلٌ مصري طفل" لا أذكرُ إسمه " يروي تفاصيل مغامرات تختخ ورفاقه المغامرين الخمسة، وصوتُ هيركل بوارو متضخماُ مُتقطع الحروف بسبب الغليون الذي لايفارقُ شفتيه بلغة إنجليزية تحملُ لكنة بريطانية فخمة سمعتها وأنا في المتوسط من أحد أفلام القناة الثانية .. وأصواتٌ كثيرة اختلطت وذابت مع الكتب التي قرأتها عبر ربع قرنٍ إلا قليلا .
***
قرأتُ ( الحارس في حقل الشوفان ) من تأليف ج . د . سالنجر بترجمة العراقي غالب هلسا .. إنني الآن أحاولُ التذكر ما إذا كانت هذه الرواية أولى روايات الأدب المريكي التي قرأتها .. اتذكر : ليست أولى الروايات، كانت قبلها رواية :( المواطن توم بين ) لهوارد فاست، هيَ إذن الرواية الثانية، لا زِلتُ أحبو في طريق قراءتي للأدب العالمي .. كلا : هي الثالثة، تذكرتُ آدجار الآن بو وقطه الأسود، وبمناسبة ذِكرُ بو قرأتُ الأسبوع الماضي عن فيلمٍ جديد في دورِ العرض بعنوان : The Raven ترتكز قصته على سيرة حياة الشاعر والقاص السوداوي ويقومُ فيه بدورِ محقق في إحدى جرائمه المروعة، والتي كان في الحقيقة يقومُ بدور الكاتب حين كتبها .
( الحارس في حقل الشوفان ) مقطعٌ من أغنية شهيرة كما جاء في الرواية :
.. إذا قابل إنسان آخر قادماً عبر حقل الشوفان (2)
حقلُ الشوفان هذا هو مُبتغى بطل الرواية هولدن كولفيلد الذي لمّ يبلغ بعد الثامنة عشرة، حيث تتكثف أماني هذا المراهق في حقلِ شوفان مملوء بالأطفال الصغار الذين لا يستطيعون فعل الزيف ولا محاولة الخداع، قلوبهم بيضاء لا تتمنى سوى اللعب والجري في الحقل، وهوَ_ أي هولدن _ حارسُ هذا الحقل يقفُ اعلى الهضبة محاذراً من أن يصعد أحد الصغار وحارساً لهم .
الرواية هي سيرة حياة هذا الشاب خلال ثلاث أيام، والذي لا يفتأ من تكرار كلمة مُزيف في كُل صفحة من صفحات الرواية، هولدن غاضب ونقي للغاية لدرجة انّ نُعت بسبب ذلك بالجنون والبله من قبل الآخرين الكبار، هولدن جزء مختبئٌ في دواخلنا وكم مرة مارسنا ومورس عليه فعل القمع والإسكات، كم مرة تكورت الكلمات لتخرج دون مراعاة لقواعد الإتكيت المزيفة لترتد بعنف داخلنا، بحجة العيب والنقد والمجاملة .. كم نحن مزيفون بلاستيكون نُظهر خلاف مافي داخلنا .. كم مرة فعلتها وشعرتُ حقاً أني كنت مزيفة لمراتٍ لا عدد لها،شعرتُ بأحاسيس وجمل كنت تتكور في حلقي مرات كثيرة وأعجز عن قذفها فيتراكم الزيف فيَّ بشكل مؤذ .
هولدن لايرى سوى فيب أخته الصغيرة واخيه الأصغر منه والذي مات بسرطان الدم الصادقين في هذا العالم المزيف، ومعهم كُل الصغار .. هولدن تعب من هذا العالم فهو يشعرُ كما لوكان عجيزة حصان سباق(3)، هولدن يرى الناس يصفقون دائماً للأشياء التي لا قيمة لها(4) .
***
يقولُ المترجم في مقدمة الرواية بان الرواية كُتبت باللهجة العامية لأهل نيويورك ... مرة شاهدتُ فيلماً كان بطله فتى غاضب يتمتع بقوى خارقة وشريرة، لسانه بذيء على الدوام .. كان صوت هذا الفتى يدوي في رأسي وأنأ أقرأ حكاية كولفيلد .
أريدُ قراءة الرواية بلغتها الأصلية ..
***
يقولُ ماركيز بحكمة قارئ وكاتب عجوز :
” حتى تبلغ العشرين من عمرك تقرأ كل شيء وتحبه ببساطة لأنك تقرأ، ثمّ .. بين العشرين والثلاثين تقرأ كلّ الاعمال العظيمة. ثمّ تجلس وتنتظرها لتُكتب، لكنك ستعلم حينها أنّ أقلّ الكتّاب شهرة، هم الأفضل " .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سباحين : جمع سبحونة وهي سالفة او حكاية شعبية
(2) الرواية ص249
(3) الرواية ص 131
(4) الرواية ص129
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سباحين : جمع سبحونة وهي سالفة او حكاية شعبية
(2) الرواية ص249
(3) الرواية ص 131
(4) الرواية ص129
جميل أنني وجدتكِ هنا مع يومياتك يا سوسنة
ردحذفجين آير
الأجمل هو حضورك يا جين والله ..
ردحذفلكِ كُل التحايا
توفر شركة مدن الاتصالات العديد من الحلول التقنية لحماية تهديدات أمان الشبكة
ردحذفhttps://modn.com/ar/build-a-secure-and-reliable-network-for-your-business-why-and-how?utm_source=falsfaglam&utm_medium=organic&utm_id=N-101