تعلمون حتماً عنّ نوعية الكُتب التي تشعرُ بعد قراءتها وكأنك لمّ تقرأها أصلاً، بلّ كأنك تُشاهدُ فيلماً سينمائياً محبوكاً .. من نوعية الأفلام التي لا تشعرُ بكمية السحر الذي قذفته في وجدانك وحواسك إلا بعد أنّ ترى كلمة النهاية فتقوم لا شعورياً بمد أطرافك المتيبسة من جراء الجلوس الطويل بهيئة واحدة تُشبه التماثيل، لتسمع طرقعة مزعجة لعظامك تحاولَ أنّ تصم أذنيك عنها حتى لا يزولَ أيُ أثرِ سمعي أو بصري للفيلم .
الكتاب هو : " العمى " والكاتب هو : " خوسيه ساراماغو " البرتغالي ... إنها المرة الأولى التي أطرقُ فيها كُتب هذا البرتغالي العجوز، كُنتُ قبل قراءته أعلمُ بان اسمه تسبقه كلمة مدينة العمى أو العميان لدى القراء اللذين أعرفهم، حتى بات مرادفاً لروايته تلك، أجزمُ أنها قد تكونُ رواية حياته.. أي أنها الكتاب الذي تتفرع منه جميعُ كتبه وإليه أصلها، ففي عُرف الكتابة دائماً يقال بأن الكاتب يكتبُ رواية واحدة وما غيرها يكونُ صدىً لها ، لدي ذلك الإحساس الملح بأن هذه الرواية هي رواية ساراماغو ولنّ أعبأ إن كان هذا الإحساسُ خاطئاً، فالأثر الذي رسمتهُ الرواية في صفحة عقلي يجعلني مقنعة تماماً بهذه النظرية رغم ضبابية فروضها ومقوماتها .. هي عمياء كما الرواية ، بيضاء بلون الحليب ومشوشة كما يرى عميان تلك المدينة .
***
الكتاب بطاقة هوية ضخمة جداً للإنسان الكاتب ولكن وبحكم أني ابنة هذا القرن اللاهث الحديدي أختصرُ مؤلفي ما أقرأ في ضغطة زر تقودني إلى ويكيبيديا ... هه لحظة ... هُناك شيءٌ مضحك حين كتبتُ أربعة أحرف الأولى من كنية ساراماغو، ظهر في النتيجة الأولى الكاتب ذاته، يليه كلمة سيراميك هههه .. في حلقي تتجمع قهقة ساخرة ! كمّ نحن بعيدون جداً عما نطمح للوصولِ إليه بجانب الدول المتقدمة القارئة، نريدُ أنّ نقفز من طوابير البلاد النامية .. إلا أني أظنُ هذا يحتاجُ قرناً أو نصف قرنٍ إضافي ما دُمنا نبحثُ عن ساراماغو بنفسِ عددِ مراتِ بحثنا لكلمة سيراميك !
***
كُتبت الرواية بلا أسماء، نعم لمّ يكن هناك أسماء في هذه الرواية .. كان هناك وصفٌ فقط : الطبيب، زوجة الطبيب، الأعمى الأول ، الطفل، الفتاة الجميلة، الصيدلي ..كلُ الأشخاص في هذه الرواية متساوون لا توجد أفضيلةق ما كُل الناس في تلك المدينة عميان ولا تفضيل إلا لمبصرٍ وحيد وهو زوجة الطبيب الذي اكتشف هذا المرض .
مالذي يُريدُ ساراماغو من هذه الرواية ؟ لماذا كتبها؟ هل هي محضُ روايةٍ تخييلية جامحة في سموات الخيال الخلاقة والسرد المتماسك الناضج أو أنه ككلُ كاتبٍ حقيقي يُضمنُ كُلَ حرف إشارةً ما ويرمزُ إلى رأي وفكرة وعبر الرواية يفندُ نظريته وأراءه ؟
قطعاً إنّ ساراماغو كاتبٌ يمشي وفي يديه يحملُ مشعلاً يضعهُ في كُتبه ليضيء طرق الآخرين بما يكتب .. ساراماغو كاتب خلاق لا يكتبُ لأجل الكتابةِ فقط .. نعودُ لويكيبيديا التي وصفت ساراماغو بكاتب أمثولات والأمثولة هي في الأدب هو ضرب الأُمْثُولَة وهي ضرب من الصياغة الرمزية للأفكار الفلسفية، تعتمد كإجراء فلسفي لتوضيح فكرة أو الإقناع بموقف بعد الكشف عن إحراجاته وأهم تداعياته. ولذلك فهي لا تتحدد بمعنى القصة الفعلية المهمة في تواتر الأحداث، بل تتحدد كبناء رمزي تكمن قيمته في ما يوحي به من تساؤلات وما ينبه إليه من مقاصد.
***
في عدد مجلة الدوحة لشهر إبريل ترجمةٌ لفصل من أول رواية كتبها وهي بعنوان الطاقة ... كتبها وهو في الثلاثين من عمره قدمها لإحدى دور النشر والتي لمّ ترد عليه أبداً ..... وفي في عام 1989 اتصلت به الدار واخبرته بأنهم عثروا على مخطوط الرواية اثناء الإنتقال وعرضت عليه نشرها إلا ان ساراماغو رفض،والآن أرملته ومترجمة كتبه إلى الأسبانية: بيلا ديل ريو تنشرها واصفة إياها : " بالرواية المفتاح لأدب ساراماغو " .
***
،، غريب كيف تسطيعُ الذاكرة خداعنا ،،
جوزية ساراماغو _ رواية العمى
_ هذه اليومية كُتبت بعد قراءةٍ واحدة لرواية العمى ،
وهي غير مُنصفة أبداً ..
وحتى تصل القراءة القادمةُ عنها لحدود
الإنصاف يجب أنّ تُقرأ مرةً ثانية على الأقل ..
الله يا فاطمة قراءة جميلة
ردحذفوهذه الرواية عظيمة أؤكد أنها من أروع وأفضل ما قرأت
فكرتها التي توحي بالعبثية فلا زمان ولا مكان ولا أسماء محددة هي في صميمها عميقة كل العمق
دمتي بود
أهلاً بكِ سيدتي ..
ردحذفنعم العبثية هذه الفكرة ترددت علي كثيراص وانا أقرا الرواية ..
سعيدة بتعليقك .. دام قلبك الأبيض
التحديات التى تواجه الشركات عند تأسيس شبكة وكيفية التغلب عليها
ردحذفلمزيد من التفاصيل يمكنك زيارة متجر مدن الاتصالات | https://modn.com/ar/network-challenges-for-businesses-and-how-to-overcome