أحاولُ كتابة قراءة مبسطة، وأمام المساحات الفراغية أكتشف أن البساطة لا تنصف قراءة لكافكا .. الإعتيادية هي صفة ظاهرية لما يكتب، لكنّ في الحقيقة إشارة إلى ما هو غيرُ إعتيادي .. لاأكذب إنّ قلتُ ان فهمي لنصوصه يبدو سلحفائياً،أقلبُ الصفحاتُ وجلة : وماذا بعد ؟ أولاً : كانَ الحُكم الجائرُ على جيورج مُرعباً لي وقت تلك القراءة، كنتُ حينها متيقنة من سماع صوت إصطدام جسد جيورج بالنهر .. أي ألم أن تحس بسقوط إنسان من فوق جسر، ليموت مع الأسماك التشيكية دون ان تملك يداً تمدها لتنقذه ؟
ثمُ أعرجُ على كارل روسمان الفتى المرسل لأمريكا بسبب ذنبٍ لم يدر أنه أرتكبه، ليتعلق بالوقاد ... الوقاد الترجمة العربية لعنوان القصة لمحةٌ رائعة من وطفي، ثمّ ... لنؤجل الحديث عن كارل .. بعد أن أعيش تفاصيل حكايته الطويلة المسماة أمريكا الممتدة بلا نهاية .
لنعد لجيورج،علقت قصة " الحُكم " في ذاكرتي ،غرست أنيابها وجعلتني أفكر : من هو جيورج ؟ هل هو كافكا ؟ يبدو لي الصديق المهاجر لروسيا أمنية كافكا في أن يكون مثل حاله : وحيداً ، منعزلاً ، معدماً ..آنذاك .
القراءة الثانية كانت قبل قليل، كانت مختلفة تماماً ... جيورج : أنا متأكدة أن كافكا استمد تكوين هذه الشخصية منه هوَ، من ذاته ، من آلامه ، من نياته، من حبه لوالديه، من شعوره بالذنب تجاههما، وتجاه الوالد بشكلٍ خاص، وإن كان في شخصية جيورج بعض القوة اوالعنفوان اللذان افتقدها كافكا حقيقة ، يدلُ على ذلك مقطع حمل جيورج لوالده .. الخطيبة هي فليبس كماوضح ذلك في رسالته إليها، الوالد : الذي لا زال يملك السيطرة والضخامة هو هرمان كافكا الأب ..
لكنَ من هو الصديق البعيد في روسيا ؟
هل هو الخال لوفي .. لكنّ لا الإحتمالُ بعيد، هل هو الصديقُ المسرحي لكافكا ؟ .. أقرب التفاسير للصديق البعيد في روسيا : هو كونهُ كافكا آخر مُناقض وما يحلمُ ان يكونه، بعيداُ، وحيداً، في عزلة تامة .. له إستقلاليته الخاصه ووجوده القوي، قرأتُ هذا التفسير في الجزء المصاحب للقصة والذي قام بجمعه وترتيبه وطفي بجهدٍ ذاتي .. مما يخولني لأقول : أنه هو الآخر وقع في براثن عشق كافكا .. كما نحن !
قرأتُ مقالة كتبتها الشاعرة بثينة العيسى تناولت في جزيئة منها قصة الحُكم ، ومن ثم هوب ! تنقشع غلالة الغموض الشفيفة وتنكشف الفكرة المؤرقة فرانز هو الصديق وهو جيورج، هوَ كلاهما معاً!
لا زال هناك الكثير المنطوي خلف الرمزية الكثيفة لقصة الحُكم، وإن كُنتُ مثل جين أميلُ إلى عنونتها بالحكم الجائر أو الظالم . ولا زالَتْ قراءة قصة جيورج والرسالة ستتكرر ...أما الكتابة عن كافكا ولكافكا وإن كانت بالغة الإلحاح، مُتعبة،هيَ لازمة .. هي تشبه الفيضان ... حيثُ تمورُ الأفكار بضجة وتدفق وحين تريد الكتابة .. لا تجدُ امامك سوى الفراغ فتكتبُ ولا تكتب، حيثُ كُل ماكنت تريد سكبه يتلاشى .
إنه كافكا!
مقالة : " بثينة العيسى "
مع فرانز كافكا - صحيفة آرميا الثقافية
** الرسمُ أعلاه من رسوم كافكا المرفقة مع قصة الحُكم
المصدر : الأعمال الكاملة لكافكا ابراهيم وطفي
توفر شركة مدن الاتصالات العديد من الحلول التقنية لحماية تهديدات أمان الشبكة
ردحذفhttps://modn.com/en/network-solutions?utm_source=falsfaglam&utm_medium=organic&utm_id=N-101