التخطي إلى المحتوى الرئيسي

8




أنّ تقرأ وإصبعُ الذكريات القديمة يدفعُ يدك لتختار ذلك الكتاب الذي عبث بمخيلة الطفل الذي كُنت.. يعني أنّ تقرأ بعيني قارئين وبعقلي قارئين : القارئ الذي غدوتهُ الآن، والقارئ الطفل الذي كان يتقافز بشقاوة على صفحات مجموعة قصصية لا يقرأها سوى الكبار كما فعلتُ أنا .
كُنتُ في حوالي التاسعة، وكُنتُ في بيت الجد، كُلُ ذكريات القراءة وأنا طفلة يحتضنها بيتُ الجد، أحمدُ الله أنّ خالي الذي أُسميه عرابي في القراءة اشترى ذلك البيت ولمّ يهاجر مع قطعان الهجرة التي نبذت مواطن الذكريات .. وبحثت عن مواقع جديدة راقية .. أكتفى خالي بأسطوانات الطلاء الضخمة ومهندس ديكور ورائحة الحنين ليجعل هذا المنزل ذا رونقٍ خاص .
في ذلك البيت كنتُ  أبحثُ عن أي سطرين متناغمين لأنطرح على بطني وأغمس الملل في متعة السفر عبر القراءة، رأيتُ ذلك الكتاب الرهيف، أحمله وأقلبُ صفحاته لأكتشف أنّ جُلّ كُتلته مُتركز في التجليد المتين للغلاف الأخضر الداكن، بلا صور... على الغلاف فقط سطرين إحداهما لعنوان القصص والآخر يحملُ إسم المؤلف : ( 16 حكاية من الحارة، محمد صادق دياب ) أقرأ القصص وأذوق طعم الحلوى الحجازية وأسمع أناشيد المسحراتي في رمضان .. أقرأ القصص وأرتعبُ من قصة المجنونة العبيطة .. وفيما بعد يغمرني التعاطفُ مع حالها ، أقرأ القصص وتؤرشف الذاكرة اسم المؤلف الذي جعلني لأول مرة أرتشف حلاوةً مغايرة للقصص وأكتشفَ باباَ جديداً من أبواب القراءة اسمهُ : "القصة القصيرة " .

***
في العام 2011 يموتُ محمد صادق دياب بعد أنّ ترك رواية وحيدة اسماها بمقام الحجاز، أشتري الرواية وأهديها لأمي التي نتشاركُ أنا وهي في عشق هذا الحجازي .. أقرأ الرواية قبل اسبوعين أرى كاتباً غير الذي قرأتُ له وأنا صغيرة .. أتساءل هل تغير هوَ ؟ أم أنّ قراءتي تغيرت ؟
يبدو كلانا .. فالقارئ والكاتب في تبدلٌ مستمر ...

***
كتبتُ بعد قراءتي للرواية مُباشرة :
( أسميها رواية مدينة اسمها جدة،.. في هذه الرواية عرفتُ معلومات تاريخية لم أعرفها قبل عن هذه المدينة، عن غزو البرتغاليين لها ، والإحتلال العثماني وأسباب بناء سور جدة .. لغة دياب مُطعمة بنكهة حجازية، بجمال الرواشن ولذة الحلوى الحجازية .. موضوع الرواية يحتاجُ إستفاضة وعمقاً أكثر، تسرب إلي الملل قليلاً .. إلا أن الرواية أنقذت نفسها بنفسها بصفحاته القليلة .. أُحس المرحوم صادق دياب كتبها بإستعجال كبير .)

***
شغوفة جداً بالأرجنتيني " إرنستو ساباتو " ... هو فيزيائي مرموق، عالمٌ عبقري .. وأديب، وسياسي، هذه التوليفة الشهية للشخصية الإنسانية تجعلني أتتبع آثاره في كُل مكان .. في الكتب في الشبكات، والمجلات والدوريات .
كونه يتشارك معي في التخصص الأكاديمي شيءُ يجعلني مُثارة ومتفاءلة لأقصى حد .. لدي حُلم : أنّ أحقق ربع ما حققه ساباتو في عالم الأدب وكلّ ما حققه في الفيزياء ،ثم أفعلُ ما فعله حين رمى الفيزياء وراء ظهره وقبع في صومعة الكتابة .. أريدُ أنّ أشيهه ولو قيلاً .

***
أُقيم معرض الرياض بما يحفلُ به من ضجيجِ كُلِ سنة ..
لمّ أذهب بعدُ للمعرض .. سأذهبُ قريباً، ستكون التدوينة القادمة عنه بإذن الله.

تعليقات

  1. متجر مدن الاتصالات الاختيار الأمثل لشراء منتجات VoIP وأنظمة الشبكات
    لمزيد من منتجات الاتصالات VOIP والشبكات يمكنك زيارة متجر مدن الاتصالات | https://modn.com/ar/Modn-Store:-the-store-of-every-voip-and-network-device

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

( سرير الأشباح ) ... قصة قصيرة

أحسّ بموجة هواءٍ حارة ، عرف أن النافذة جواره فُتَحت لثانية ثم غُلَقت ، حاول أن يرفع رمشيه الباردين ، حاول أن يقاوم ثِقَل المرض الماكث في خلايا جفنيه ... ، حاول ولم يفلح ، تمنى أن يرى الدنيا من نافذة السيارة المُسجّى على مرتبتها .. كان رأسه يقع تحت كوتها مباشرة ، مرة ثانية أحس بشيئٍ حار يلسع وجهه دون أن يشم الهواء ، عَرَفّ أن الشمس نجحت في مقاومة غيمة وتبديد ظلمتها الرمادية . أعياه الإحساس المشلول بالأجساد والأشياء حوله ، تمنى لو يُقَطِعُ جسده ، يفتته إلى قِطّع صغيرة ، ثم يبعثر ذاته في الفضاء عبر النافذة حتى لا يبقى منه سوى دُفقة نور ... روحه المُنهكة ! حينها قد تفضحه رائحة المرض والسرطان الذي سكن هيكله المسكين بضع سنين ، ودمّر حياته ، حتى أنه ذاق الموت أو كاد مراتٍ عديدة... أصطدمت رأسه بالمرتبة الأمامية بفعل القصور الذاتي _ حين توقفت المركبة _ ... ماذا قُلت ؟؟ قصور ذاتي ؟؟ لازالت العلوم الطبيعية تحفر عقلي ، وتُذَكرني بأني كنت مُدرساً محبوباً لمادة العلوم ..احترق جفنّاي، لابد أن الدموع تثابر لمقاومة الصمغ المتلبد بين الرموش .. أحسست بيديّ إبني سعيد وهو يتحسس قدميّ ليطمئن عل...

نجار في رأسي (47)

أقرأ النباتية(١) الآن. كُنت قد قطعت شوطاً طويلاً حتى وصلت إليها مُعتبرة قراءتي لها الآن احتفاء بمثابرتي كما يجب: ١٥ كتاباً خلال ٥ شهور بواقع ٣ كتب شهرياً. *** تنتمي هذه الرواية لأدب الكارثة، وهي ثاني رواية  كارثية أقرأها خلال الفترة السابقة بعد رواية خرائط يونس للروائي المصري محمود حسني. في كل مرة أحاول التدوين تفترسني رغبة الحديث عن الخمسة عشر كتاباً! فأتبلبل وأضيع، تجاوزت معضلتي هذه بصعوبة في رمضان، ورغم التدوينة الرمضانية المحشورة محاولة مني لنفض غبار رأسي واستئناف الكتابة إلا أنها أتت كمن يطهو للمرة الأولى  ديك رومي ليلة الميلاد! لم أطهو ديكاً رومياً ولا مرة، إلا أن مشاهد ليلة رأس السنة  في الأفلام والمسلسلات جعلتني أقيس التجربة بخيالي وأقيم صعوبتها العظيمة، والتي لا يمكن مقارنتها بأي طبقٍ محلي أو عالمي أعرفه، ومارأيت من لذة في تلك الليلة من تناول لحمٍ طري كالزبد قد جعلتني ألمس صعوبته وتطلب إحساس الطاهي الرقيق في صنع الطبق... ليلة عيد وطبق مستحيل وثلج! معضلة متشابكة تشبه المشاريع الكتابية التي أؤجلها كل مرة، تدوينات ومقالات أحلم بتدوينها. أنا نجار فقد مهارة قطع...

أَكتُبْ كما لو كُنتْ في التاسع والعشرين من مايو (34)

هذه التدوينة عبارة عن مسودة ، كنت أشطب وأكتب وأضيف فيها طوال شهر مايو، ولمّ تُنشر إلا الآن ... العجيب ما حدث في مايو ! حيث تضاءلت كتاباتي وتدويناتي اليومية الخاصة فيما تصاعدت وتيرة قراءاتي، لتكن العلاقة بين القراءة والكتابة عكسية، لكن الأهم أن يبيقيان ضمن إطار علاقةٍ ما ...هذه التدوينة عبارة عن ماحدث مع القراءات في شهر مايو.. في هذا الشهر واللذي يصادف شهر رمضان ستكون قراءتي مرتكزة على كتابين : أسطنبول: الذكريات والمدينة لباموق، ومن شرفة إبن رشد للكاتب المغربي عبد الفتاح كيليطيو . *** خمسة أصوات ـ غائب طعمة فرمان قرأت هذاه الرواية بتدفق وإنهماك ثم توقفت قرابة الشهر .. لماذا ؟ لقد ضاع الكتاب في سيارة أحد إخوتي، لأجده بشكلٍ غرائبي داخل درج خزانتي .. صحيح أن رعدة سريعة مرت بي وأنا أتأكد من أن الكتاب هو ذاته كتابي ... لكنني إبتهجتُ جداً حين تأكدت من أنه هو : كتابي البنفسجي الضائع . قراءةٌ أولى لغائب، لقد أهداني أحد الأصدقاء هذه الرواية، طوال القراءة كان يمر بي طيف نجيب محفوظ، إنه يشبه سرد محفوظ إلى حدٍ ماـ خاصة في رواية ميرامار ـ حيث تتعدد أصوات الرواة كما فعل غائب متنقلاً بين خمسة ...