حينَ انغرست فكرة كتابة اليوميات كبذرةٍ في عقلي، ثمُ نمت وأورقت وأثمرت ... كانتّ تلك البذرة مُهداة من عرابي في القراءة : الكاتب القارئ آلبرتو مانغويل وكتابهُ " يوميات القراءة" .. كُنتُ أظنُ أن رعاية البذرة بكتابتي المستمرة لليوميات ستكونٌ سهلة كسقاية ماء لشجرة !
لكنّهُ أصعبُ كثيراً من ذلك .. إنه إلتزام ، وكُل الوعود والإلتزامات التي تُكبل أعناق حرياتنا الموهومة نسارع إلى نقضها .. وهذا ماكنتُ أفعله حين إنقطعتُ عن كتابة اليوميات للقراءة .أنا اعود وفي جُعبتي ثلاثُ كُتب وكلامٌ قليل، ووقتي الذي أُسرفُ في إلباسه عباءة الأهمية ليتبدد على أشياء غير مُهمة .
الكتاب الأول لأبو القصة القصيرة : خورخي لويس بورخيس وعبرَ كتابه مرايا ومتاهات، نصوصٌ عجيبة، يكتبها إنسانٌ أعجب .. السيرة لبورخيس تبدو مُخيفة وتُمدُ الأيدي للتحذير مِن إمتهان الكتابة... عاش وحيداً، أحب إمرأتين وقبلهما كانت المكتبة إمرأته الأثيرة ... أُصيب بالعمى في كهولته حتى تُوفي . حاولَ أنّ يصف العمى كتجربة ليست سيئة في هذا الكتاب بان قال في نصّ " الآخر " :
( .. أجل . فحينما تبلغ سني، ستكون قد فقدتَ البصر كلياً على وجه التقريب، ولنّ ترِّ غير اللون الأصفر والظلال والأضواء. لا تقلق، فالعمى التدريجي ليس أمراً مأساوياً، بل هو أشبه بأمسية صيف بطيئة ) .
يحكي آلبرتو مانغويل في " تاريخ القراءة " عنّ حكاية ذلك العجوز الأعمى الذي أتى ذات يوم في المكتبة العامة في بيونس آيرس، وجاذب معه أطراف الحديث .. لينتهي الحديث بإتفاق عمل بأن يُصبح أمينُ المكتبة الشاب الصغير قارئاً للعجوز مقابل مُرتب .. ويصيرَ الحديثُ ذكرى جميلة لصداقة تكونتْ أثناء إلتهام الحروف ولفظها، بينَ أشهر قارئين ومكتتبيين في العالم : مانغويل القارئ الأشهر والعجوز الأعمى : المكتباتي العظيم بورخيس !
يقضي القارئ الأعمى حياته البيضاء بجانب صوت امه التسعينية حتى ماتت، النساءُ حنونات ولديهنّ المقدار اللازم من الصبر لأجل القراءة على شخصٍ أعمى .. إمرأةٌ أحبت بورخيس هي من حملتْ لواء والدته العجوز وقرأت له .
مالذي يحدثُ وانت تقرأ لبورخيس ؟ انتَ تقرأُ بورخيس نفسه .. أنتّ تغوصُ فيه .. والغوص في مثلِ هذا الإنسان ليس سهلا أبداً .. لذا بعضُ النصوص قرأتها دون مُتعة بل وكرهتها .. لإنها أشعرتني بأني لستُ أجاري بورخيس .
***
أحببت ُ قصة كِتاب الرمل والآخر .. باقي النصوص تُريدُ قراءةً أوعى .. لكن شعورُ أنك تقرأ لبورخيس شعورٌ لذيذ لا يوصف .
مررتُ بتجربة مُخيفة جعلت كُل الشخصيات العمياء تقفزُ فوق رأسي : جدي، نجيب محفوظ ، هياء العمياء التي أصبحت صديقتي في يوم ولمّ أرها بعد ذلك، جيمس جويس بعصابته العوراء، وبورخيس .. أُحبُ أنّ أؤرشف التجربة في حكايةٍ طويلة، كما أحاولُ هذه الأيام نسج رواية عن تجربة مررتُ بها.. هلّ أنجح ؟
يا ربّ .
***
قرأتُ فيما بعد مقام الحجاز والحارس في حقل الشوفان ، وعددي مجلة الدوحة والعربية لشهر مارس .. عقلي ينتفخ بِكُل الكلمات هذا الشهر .. أتمنى لها هضماً جيداً.
***
في إنتظار معرض الرياض للكتاب 6 مارس ...
أفضل 3 شهادات لتكنولوجيا الاتصالات وأنظمة الشبكات
ردحذفhttps://modn.com/ar/top-3-IT-certificates-that-are-in-a-high-demand-in-2022?utm_source=biz-vb&utm_medium=organic&utm_id=H-102