التخطي إلى المحتوى الرئيسي

7

حينَ  انغرست فكرة كتابة اليوميات كبذرةٍ في عقلي، ثمُ نمت وأورقت وأثمرت ... كانتّ تلك البذرة مُهداة من عرابي في القراءة : الكاتب القارئ آلبرتو مانغويل وكتابهُ " يوميات القراءة" .. كُنتُ أظنُ أن رعاية البذرة بكتابتي المستمرة لليوميات ستكونٌ سهلة كسقاية ماء لشجرة !
لكنّهُ أصعبُ كثيراً من ذلك .. إنه إلتزام ، وكُل الوعود والإلتزامات التي تُكبل أعناق حرياتنا الموهومة نسارع إلى نقضها .. وهذا ماكنتُ أفعله حين إنقطعتُ عن كتابة اليوميات للقراءة .أنا اعود وفي جُعبتي ثلاثُ كُتب وكلامٌ قليل، ووقتي الذي أُسرفُ في إلباسه عباءة الأهمية ليتبدد على أشياء غير مُهمة .
الكتاب الأول  لأبو القصة القصيرة : خورخي لويس بورخيس وعبرَ كتابه مرايا ومتاهات، نصوصٌ عجيبة، يكتبها إنسانٌ أعجب .. السيرة لبورخيس تبدو مُخيفة وتُمدُ الأيدي للتحذير مِن إمتهان الكتابة... عاش وحيداً، أحب إمرأتين وقبلهما كانت المكتبة إمرأته الأثيرة ... أُصيب بالعمى في كهولته حتى تُوفي . حاولَ أنّ يصف العمى كتجربة ليست سيئة في هذا الكتاب بان قال في نصّ " الآخر " :
( .. أجل . فحينما تبلغ سني، ستكون قد فقدتَ البصر كلياً على وجه التقريب، ولنّ ترِّ غير اللون الأصفر والظلال والأضواء. لا تقلق، فالعمى التدريجي ليس أمراً مأساوياً، بل هو أشبه بأمسية صيف بطيئة ) .
يحكي آلبرتو مانغويل  في " تاريخ القراءة " عنّ حكاية ذلك العجوز الأعمى الذي أتى ذات يوم في المكتبة العامة في بيونس آيرس، وجاذب معه أطراف الحديث .. لينتهي الحديث بإتفاق عمل بأن يُصبح أمينُ المكتبة الشاب الصغير قارئاً للعجوز مقابل مُرتب .. ويصيرَ الحديثُ ذكرى جميلة لصداقة  تكونتْ أثناء إلتهام الحروف ولفظها، بينَ أشهر قارئين ومكتتبيين في العالم : مانغويل القارئ الأشهر والعجوز الأعمى : المكتباتي العظيم بورخيس !
يقضي القارئ الأعمى حياته البيضاء بجانب صوت امه التسعينية حتى ماتت، النساءُ حنونات ولديهنّ المقدار اللازم من الصبر لأجل القراءة على شخصٍ أعمى .. إمرأةٌ أحبت بورخيس هي من حملتْ لواء والدته العجوز وقرأت له .
مالذي يحدثُ وانت تقرأ لبورخيس ؟ انتَ تقرأُ بورخيس نفسه .. أنتّ تغوصُ فيه .. والغوص في مثلِ هذا الإنسان ليس سهلا أبداً .. لذا بعضُ النصوص قرأتها دون مُتعة بل وكرهتها .. لإنها أشعرتني بأني لستُ أجاري بورخيس .

***

أحببت ُ قصة كِتاب الرمل والآخر .. باقي النصوص تُريدُ قراءةً  أوعى .. لكن شعورُ أنك تقرأ لبورخيس شعورٌ لذيذ لا يوصف .
مررتُ بتجربة مُخيفة جعلت كُل الشخصيات العمياء تقفزُ فوق رأسي : جدي، نجيب محفوظ ، هياء العمياء التي أصبحت صديقتي في يوم ولمّ أرها بعد ذلك، جيمس جويس بعصابته العوراء، وبورخيس .. أُحبُ أنّ أؤرشف التجربة في حكايةٍ طويلة، كما أحاولُ هذه الأيام نسج رواية عن تجربة مررتُ بها.. هلّ أنجح ؟
يا ربّ .

***

قرأتُ فيما بعد مقام الحجاز والحارس في حقل الشوفان ، وعددي مجلة الدوحة والعربية لشهر مارس .. عقلي ينتفخ بِكُل الكلمات هذا الشهر .. أتمنى لها هضماً جيداً.
***
في إنتظار معرض الرياض للكتاب 6 مارس ...

تعليقات

  1. أفضل 3 شهادات لتكنولوجيا الاتصالات وأنظمة الشبكات
    https://modn.com/ar/top-3-IT-certificates-that-are-in-a-high-demand-in-2022?utm_source=biz-vb&utm_medium=organic&utm_id=H-102

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

( سرير الأشباح ) ... قصة قصيرة

أحسّ بموجة هواءٍ حارة ، عرف أن النافذة جواره فُتَحت لثانية ثم غُلَقت ، حاول أن يرفع رمشيه الباردين ، حاول أن يقاوم ثِقَل المرض الماكث في خلايا جفنيه ... ، حاول ولم يفلح ، تمنى أن يرى الدنيا من نافذة السيارة المُسجّى على مرتبتها .. كان رأسه يقع تحت كوتها مباشرة ، مرة ثانية أحس بشيئٍ حار يلسع وجهه دون أن يشم الهواء ، عَرَفّ أن الشمس نجحت في مقاومة غيمة وتبديد ظلمتها الرمادية . أعياه الإحساس المشلول بالأجساد والأشياء حوله ، تمنى لو يُقَطِعُ جسده ، يفتته إلى قِطّع صغيرة ، ثم يبعثر ذاته في الفضاء عبر النافذة حتى لا يبقى منه سوى دُفقة نور ... روحه المُنهكة ! حينها قد تفضحه رائحة المرض والسرطان الذي سكن هيكله المسكين بضع سنين ، ودمّر حياته ، حتى أنه ذاق الموت أو كاد مراتٍ عديدة... أصطدمت رأسه بالمرتبة الأمامية بفعل القصور الذاتي _ حين توقفت المركبة _ ... ماذا قُلت ؟؟ قصور ذاتي ؟؟ لازالت العلوم الطبيعية تحفر عقلي ، وتُذَكرني بأني كنت مُدرساً محبوباً لمادة العلوم ..احترق جفنّاي، لابد أن الدموع تثابر لمقاومة الصمغ المتلبد بين الرموش .. أحسست بيديّ إبني سعيد وهو يتحسس قدميّ ليطمئن عل...

نجار في رأسي (47)

أقرأ النباتية(١) الآن. كُنت قد قطعت شوطاً طويلاً حتى وصلت إليها مُعتبرة قراءتي لها الآن احتفاء بمثابرتي كما يجب: ١٥ كتاباً خلال ٥ شهور بواقع ٣ كتب شهرياً. *** تنتمي هذه الرواية لأدب الكارثة، وهي ثاني رواية  كارثية أقرأها خلال الفترة السابقة بعد رواية خرائط يونس للروائي المصري محمود حسني. في كل مرة أحاول التدوين تفترسني رغبة الحديث عن الخمسة عشر كتاباً! فأتبلبل وأضيع، تجاوزت معضلتي هذه بصعوبة في رمضان، ورغم التدوينة الرمضانية المحشورة محاولة مني لنفض غبار رأسي واستئناف الكتابة إلا أنها أتت كمن يطهو للمرة الأولى  ديك رومي ليلة الميلاد! لم أطهو ديكاً رومياً ولا مرة، إلا أن مشاهد ليلة رأس السنة  في الأفلام والمسلسلات جعلتني أقيس التجربة بخيالي وأقيم صعوبتها العظيمة، والتي لا يمكن مقارنتها بأي طبقٍ محلي أو عالمي أعرفه، ومارأيت من لذة في تلك الليلة من تناول لحمٍ طري كالزبد قد جعلتني ألمس صعوبته وتطلب إحساس الطاهي الرقيق في صنع الطبق... ليلة عيد وطبق مستحيل وثلج! معضلة متشابكة تشبه المشاريع الكتابية التي أؤجلها كل مرة، تدوينات ومقالات أحلم بتدوينها. أنا نجار فقد مهارة قطع...

أَكتُبْ كما لو كُنتْ في التاسع والعشرين من مايو (34)

هذه التدوينة عبارة عن مسودة ، كنت أشطب وأكتب وأضيف فيها طوال شهر مايو، ولمّ تُنشر إلا الآن ... العجيب ما حدث في مايو ! حيث تضاءلت كتاباتي وتدويناتي اليومية الخاصة فيما تصاعدت وتيرة قراءاتي، لتكن العلاقة بين القراءة والكتابة عكسية، لكن الأهم أن يبيقيان ضمن إطار علاقةٍ ما ...هذه التدوينة عبارة عن ماحدث مع القراءات في شهر مايو.. في هذا الشهر واللذي يصادف شهر رمضان ستكون قراءتي مرتكزة على كتابين : أسطنبول: الذكريات والمدينة لباموق، ومن شرفة إبن رشد للكاتب المغربي عبد الفتاح كيليطيو . *** خمسة أصوات ـ غائب طعمة فرمان قرأت هذاه الرواية بتدفق وإنهماك ثم توقفت قرابة الشهر .. لماذا ؟ لقد ضاع الكتاب في سيارة أحد إخوتي، لأجده بشكلٍ غرائبي داخل درج خزانتي .. صحيح أن رعدة سريعة مرت بي وأنا أتأكد من أن الكتاب هو ذاته كتابي ... لكنني إبتهجتُ جداً حين تأكدت من أنه هو : كتابي البنفسجي الضائع . قراءةٌ أولى لغائب، لقد أهداني أحد الأصدقاء هذه الرواية، طوال القراءة كان يمر بي طيف نجيب محفوظ، إنه يشبه سرد محفوظ إلى حدٍ ماـ خاصة في رواية ميرامار ـ حيث تتعدد أصوات الرواة كما فعل غائب متنقلاً بين خمسة ...