قرأتُ فيما مضى من الأيام لجبرا إبراهيم جبرا ، أول مرة عبر سيرته " شارع الأميرات " ... هذه السيرة تُعتبر جزءاً ثانياً لسيرة سبقتها وهي المعنونة بـ " البئر الأولى " .. ولإن اللهفة كانت تقتلني لقراءة جبرا تجاوزتها وبدأت في شارع الأميرات .
أذكرني وأنا أبتاع هذه السيرة من العم : " نوفل " صاحب دار الآداب، أنقده ثمنها كما طلب دون مفاصلة .. ويختبئ الكتابُ في الخزانة، حتى قررتُ قراءته .
جبرا هو كاتبي، اكتشفتُ هذا وانا التهم احداث سنواته العجائبية في لندن وفلسطين وبغداد، القدرة على السردِ العميق بمثلِ هذه البساطة والتمكن هو ما أطلبه وأنا أقرأ .. أريدُ من الكاتب أن يسحبني بخيطٍ رفيع دون أنّ أحُس إلى آخر صفحة ..
جبرا أوسع من أن تستوعبه يومية بسيطة لقارئة أبسط، جبرا بحر .. جبرا الفنان التشكيلي، الكاتب، الشاعر ، الناقد ، المترجم ، اللأستاذ الجامعي ، الحبيب، الصديق، الأب .. الإنسان !
عنّ كتابه هذا سأتحدث_ رغماً عني لإني لا أملكُ إلا الحديث وإلا اختنقت بالنسيان، وضاعت القراءة _ سأتحدث عنّ قصته التي لا تُصدق مع مسز مالوان ( أجاثا كريستي )، تجربتهُ اللندنية الغزيرة .. تجربته الشاملة في العراق .، حكاية عشقه مع لميعة، وإسلامه.. لدي رغبة شديدة لقراءة المزيد من كتبه،الإطلاع على تجربته الفنية ..
القراءة ثم القراءة والقراءة عنه .. وله .
رحمك الله يا جبرا.. ورحم الله بغداد التي بها احترقت حجرتك، حجرة التنهدات كما سمتها لميعة .. فتلاشت المخطوطات والذكريات .. وكل شيء
،كأنك تعلم أن بيتك سيحترق، وفي سطورك الأخيرة ابكي لإنك تكتب مايشبه ا لنبوءة... كأنك تعلم أن كُل شيء سيتلاشى إلى ذرات رماد :
" ...وهل للحديث عن ذلك من نهاية ؟ بعض الحديث وضعته، بشكل ما في رواياتي، وبعضه جعلته مبثوثاً في دراساتي وحواراتي. ولكن معظمه سيبقى في انتظار من له القدرة والصبر والحب لإستقرائه من أوراق ورسائل ومصادر أخرى لا حصر لها .. هذا إذا لم تبددها الزوابع، أو تغرقها السيول، فتبقى على نحو يمكن الدارس من الرجوع إليها، في يوم ما، في زمن قريب أو بعيد "
27 شباط 1994
***
تذكرتُ حدثاً صار العام الماضي وانا أقرأ شارع الأميرات.... حين تجولت في جناح دار المدى _ معرض الرياض للكتاب _ لتقع عيني على كتاب ٍ اسمه موسيقى الألوان، أستفسر البائع عنه بسبب حملي للأكياس وحجم الكتاب من القطع الكبير :
_ لمن الرسومات ؟
_ البائع : لجبرا ، وعلق عليها عبد الرحمن منيف .
_ أوه عبد الرحمن منيف ؟ رائع ! .. بكم ؟
_ البائع : 120 ريال .
_ ثمنٌ باهظ !
البائع : صدقيني هذا الكتاب يستحق أكثر، لن تندمي لو دفعتي فيه هذا المبلغ .
أُشيحُ بوجهي عن الكتاب متألمة، واليوم الألم والندم يفتتان قلبي أكثر ...كُل ما أرجوه أن تتكرم المدى هذه السنة بإحضار الكتاب، ولو طُلب فيه ثمناً أعلى لنّ أندم وانا أنقد البائع .
حديثُ جبرا عن تجربته الفنية ورسوماته هو ما جعلني أتذكرُ ماسبق، فنانٌ شامل، ناقد ..، للأسف أن تتهاوى داره بذلك الشارع التوأم _ كما يسميه _ لشارع الأميرات، وتحترق في الغزو الأمريكي الأخير على العراق عام 2010.
***
الآن :
أول قراءة لخورخي لويس بورخيس أبو القصة القصيرة، مرايا ومتاهات .. دار توبقال المغربية .