التخطي إلى المحتوى الرئيسي

6

 قرأتُ فيما مضى من الأيام لجبرا إبراهيم جبرا ، أول مرة عبر سيرته " شارع الأميرات " ... هذه السيرة تُعتبر جزءاً ثانياً لسيرة سبقتها وهي المعنونة بـ " البئر الأولى " .. ولإن اللهفة كانت تقتلني لقراءة جبرا تجاوزتها وبدأت في شارع الأميرات .
أذكرني وأنا أبتاع هذه السيرة من العم : " نوفل " صاحب دار الآداب، أنقده ثمنها كما طلب دون مفاصلة .. ويختبئ الكتابُ في الخزانة، حتى قررتُ قراءته .
جبرا هو كاتبي، اكتشفتُ هذا وانا التهم احداث سنواته العجائبية في لندن وفلسطين وبغداد، القدرة على السردِ العميق بمثلِ هذه البساطة والتمكن هو ما أطلبه وأنا أقرأ .. أريدُ من الكاتب أن يسحبني بخيطٍ رفيع دون أنّ أحُس إلى آخر صفحة ..
جبرا أوسع من أن تستوعبه يومية بسيطة لقارئة أبسط، جبرا بحر .. جبرا الفنان التشكيلي، الكاتب، الشاعر ، الناقد ، المترجم ، اللأستاذ الجامعي ، الحبيب، الصديق، الأب .. الإنسان !
عنّ كتابه هذا سأتحدث_  رغماً عني لإني لا أملكُ إلا الحديث وإلا اختنقت بالنسيان، وضاعت القراءة _ سأتحدث عنّ قصته التي لا تُصدق مع مسز مالوان ( أجاثا كريستي )، تجربتهُ اللندنية الغزيرة .. تجربته الشاملة في العراق .، حكاية عشقه مع لميعة، وإسلامه.. لدي رغبة شديدة لقراءة المزيد من كتبه،الإطلاع على تجربته الفنية ..
القراءة ثم القراءة والقراءة عنه .. وله .
رحمك الله يا جبرا.. ورحم الله بغداد التي بها احترقت حجرتك، حجرة التنهدات كما سمتها لميعة .. فتلاشت المخطوطات والذكريات .. وكل شيء 
،كأنك تعلم أن بيتك سيحترق، وفي سطورك الأخيرة ابكي لإنك تكتب مايشبه ا لنبوءة... كأنك تعلم أن كُل شيء سيتلاشى إلى ذرات رماد :

" ...وهل للحديث عن ذلك من نهاية ؟ بعض الحديث وضعته، بشكل ما في رواياتي، وبعضه جعلته مبثوثاً في دراساتي وحواراتي. ولكن معظمه سيبقى في انتظار من له القدرة والصبر والحب لإستقرائه من أوراق ورسائل ومصادر أخرى لا حصر لها .. هذا إذا لم تبددها الزوابع، أو تغرقها السيول، فتبقى على نحو يمكن الدارس من الرجوع إليها، في يوم ما، في زمن قريب أو بعيد "
27 شباط 1994

***

تذكرتُ حدثاً صار العام الماضي وانا أقرأ شارع الأميرات.... حين تجولت في جناح دار المدى _ معرض الرياض للكتاب _ لتقع عيني على كتاب ٍ اسمه موسيقى الألوان، أستفسر البائع عنه بسبب حملي للأكياس وحجم الكتاب من القطع الكبير :
_ لمن الرسومات ؟
_ البائع : لجبرا ، وعلق عليها عبد الرحمن منيف .
_ أوه عبد الرحمن منيف ؟ رائع ! .. بكم ؟
_ البائع : 120 ريال .
_ ثمنٌ باهظ !
البائع : صدقيني هذا الكتاب يستحق أكثر، لن تندمي لو دفعتي فيه هذا المبلغ .
أُشيحُ بوجهي عن الكتاب متألمة، واليوم الألم والندم يفتتان قلبي أكثر ...كُل ما أرجوه أن تتكرم المدى هذه السنة بإحضار الكتاب، ولو طُلب فيه ثمناً أعلى لنّ أندم وانا أنقد البائع .
حديثُ جبرا عن تجربته الفنية ورسوماته هو ما جعلني أتذكرُ ماسبق، فنانٌ شامل، ناقد ..، للأسف أن تتهاوى داره بذلك الشارع التوأم _ كما يسميه _ لشارع الأميرات، وتحترق في الغزو الأمريكي الأخير على العراق عام 2010.

***

الآن : 
أول قراءة لخورخي لويس بورخيس أبو القصة القصيرة، مرايا ومتاهات .. دار توبقال المغربية .

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

( سرير الأشباح ) ... قصة قصيرة

أحسّ بموجة هواءٍ حارة ، عرف أن النافذة جواره فُتَحت لثانية ثم غُلَقت ، حاول أن يرفع رمشيه الباردين ، حاول أن يقاوم ثِقَل المرض الماكث في خلايا جفنيه ... ، حاول ولم يفلح ، تمنى أن يرى الدنيا من نافذة السيارة المُسجّى على مرتبتها .. كان رأسه يقع تحت كوتها مباشرة ، مرة ثانية أحس بشيئٍ حار يلسع وجهه دون أن يشم الهواء ، عَرَفّ أن الشمس نجحت في مقاومة غيمة وتبديد ظلمتها الرمادية . أعياه الإحساس المشلول بالأجساد والأشياء حوله ، تمنى لو يُقَطِعُ جسده ، يفتته إلى قِطّع صغيرة ، ثم يبعثر ذاته في الفضاء عبر النافذة حتى لا يبقى منه سوى دُفقة نور ... روحه المُنهكة ! حينها قد تفضحه رائحة المرض والسرطان الذي سكن هيكله المسكين بضع سنين ، ودمّر حياته ، حتى أنه ذاق الموت أو كاد مراتٍ عديدة... أصطدمت رأسه بالمرتبة الأمامية بفعل القصور الذاتي _ حين توقفت المركبة _ ... ماذا قُلت ؟؟ قصور ذاتي ؟؟ لازالت العلوم الطبيعية تحفر عقلي ، وتُذَكرني بأني كنت مُدرساً محبوباً لمادة العلوم ..احترق جفنّاي، لابد أن الدموع تثابر لمقاومة الصمغ المتلبد بين الرموش .. أحسست بيديّ إبني سعيد وهو يتحسس قدميّ ليطمئن عل...

نجار في رأسي (47)

أقرأ النباتية(١) الآن. كُنت قد قطعت شوطاً طويلاً حتى وصلت إليها مُعتبرة قراءتي لها الآن احتفاء بمثابرتي كما يجب: ١٥ كتاباً خلال ٥ شهور بواقع ٣ كتب شهرياً. *** تنتمي هذه الرواية لأدب الكارثة، وهي ثاني رواية  كارثية أقرأها خلال الفترة السابقة بعد رواية خرائط يونس للروائي المصري محمود حسني. في كل مرة أحاول التدوين تفترسني رغبة الحديث عن الخمسة عشر كتاباً! فأتبلبل وأضيع، تجاوزت معضلتي هذه بصعوبة في رمضان، ورغم التدوينة الرمضانية المحشورة محاولة مني لنفض غبار رأسي واستئناف الكتابة إلا أنها أتت كمن يطهو للمرة الأولى  ديك رومي ليلة الميلاد! لم أطهو ديكاً رومياً ولا مرة، إلا أن مشاهد ليلة رأس السنة  في الأفلام والمسلسلات جعلتني أقيس التجربة بخيالي وأقيم صعوبتها العظيمة، والتي لا يمكن مقارنتها بأي طبقٍ محلي أو عالمي أعرفه، ومارأيت من لذة في تلك الليلة من تناول لحمٍ طري كالزبد قد جعلتني ألمس صعوبته وتطلب إحساس الطاهي الرقيق في صنع الطبق... ليلة عيد وطبق مستحيل وثلج! معضلة متشابكة تشبه المشاريع الكتابية التي أؤجلها كل مرة، تدوينات ومقالات أحلم بتدوينها. أنا نجار فقد مهارة قطع...

أَكتُبْ كما لو كُنتْ في التاسع والعشرين من مايو (34)

هذه التدوينة عبارة عن مسودة ، كنت أشطب وأكتب وأضيف فيها طوال شهر مايو، ولمّ تُنشر إلا الآن ... العجيب ما حدث في مايو ! حيث تضاءلت كتاباتي وتدويناتي اليومية الخاصة فيما تصاعدت وتيرة قراءاتي، لتكن العلاقة بين القراءة والكتابة عكسية، لكن الأهم أن يبيقيان ضمن إطار علاقةٍ ما ...هذه التدوينة عبارة عن ماحدث مع القراءات في شهر مايو.. في هذا الشهر واللذي يصادف شهر رمضان ستكون قراءتي مرتكزة على كتابين : أسطنبول: الذكريات والمدينة لباموق، ومن شرفة إبن رشد للكاتب المغربي عبد الفتاح كيليطيو . *** خمسة أصوات ـ غائب طعمة فرمان قرأت هذاه الرواية بتدفق وإنهماك ثم توقفت قرابة الشهر .. لماذا ؟ لقد ضاع الكتاب في سيارة أحد إخوتي، لأجده بشكلٍ غرائبي داخل درج خزانتي .. صحيح أن رعدة سريعة مرت بي وأنا أتأكد من أن الكتاب هو ذاته كتابي ... لكنني إبتهجتُ جداً حين تأكدت من أنه هو : كتابي البنفسجي الضائع . قراءةٌ أولى لغائب، لقد أهداني أحد الأصدقاء هذه الرواية، طوال القراءة كان يمر بي طيف نجيب محفوظ، إنه يشبه سرد محفوظ إلى حدٍ ماـ خاصة في رواية ميرامار ـ حيث تتعدد أصوات الرواة كما فعل غائب متنقلاً بين خمسة ...