التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الليالي البيضاء _ فيدرو دستويفسكي



























للمرة الثانية تحرضني سطورك على إعادة قراءة كتاب .. المرة الأولى حين أعدت قراءة رواية " هوارد فاست ": المواطن توم بين، بعد قراءتك لـ كتاب : في الثورة . والمرة الثانية الآن بعد قراءة ما كتبت عن قصة الليالي البيضاء لدستويفسكي ..
أدركت الآن أي نوعٍ من القراء أنا أما م هذا الروسي العبقري ، يجب أن أقرأ العمل أكثر من مرة ..ففي كل قراءة تتجدد المتعة ، تتسع الرؤية ،أُصدم من بعض حقائق النفس الإنسانية، والتي يعرج إليها دستويفسكي لشرح وتحليل شخوصه بطريقةٍ مبدعةٍ وأمينة للغاية ..
بضع ليالي حورت مسار الشخص الحالم من عالم أحلام اليقظة والعزلة إلى عالمٍ صلب حقيقي ، قاسي ، ولكن لا يخلو من جمال وسعادة حقيقية كتلك التي أنارت حياته حين وجدت ناستنكا _ كما جاء اسمها في الراوية _ حبيبها ، وحين قتلت الوحدة في حياة الشخص الحالم برغبة صادقة لمساعدته وحبٍ صافٍ خالص .. لا منافع وراءه ولا أهداف ، فولدت في حياة الحالم دفقة نور من سعادة أبدية حقيقية تنير له باقي أيامه .
ناستنكا ذاتها لم تدرك أي محبة تولدت بينها وبين هذا الشخص إلا حين تراءى لها خيالُ الحبيب ، فهربت بعد أن ترددت بين حبيبها وهذا الشخص عدة مرات في مشهد حركي وصفي لا يجيد كتابته إلا الروس .. وفي الغد حين قرأ الحالم رسالتها وتحليلاتها وأعذارها أدرك أي حبٍ وقع بينهما كما أدركت هي ذلك ، هو حبٌ روحي يشبه حب الأخوة ، حين يذود الأخ عن أخته ويسعى لمساندتها لا لشيء سوى أنها أخته !
هو كان لديه شكٌ تجاه محبتها له ، ولكن كان لديه أمل أن تعشقه وتنسى حبيبها الشاب ، كان متوجساً خجلاً وهو يحكي حكايته وينظر في عينيها الخائفتين السوداوين . هي كانت تجد فيه الأمان متجرداً ، والحكمة الخالصة ،لذا لم تخجل وهي تحكي له عن علاقتها بجدتها وخوف الجدة عليها مثل طفلة غريرة .بينما خجلت هي حين اكتشف جارها وحبيبها أن ثوبها وثوب الجدة مرتبط بمشبك ، فبكت وانهارت ،وحاولت الفكاك ومراوغة ذلك القيد .
بضع ليالي انهار فيها عالم أحلام بطلنا ، وبدأ التحول بمهل لشخصٍ حقيقي وإن تأكدت نفسه واقتنعت بأن عالم الأحلام أجمل وأجلّ كما قال وهو يحكي الحكاية :
" الحلمُ الجديد معناه سعادة جديدة ! الحلم الجديد جرعة جديدة من السم الذي يميت الواقع ويجعله جثة هامدة فارقتها الحياة . "
" إنني في حقيقة الأمر يا ناستنكا أعتقد إعتقاداً راسخاً جازماً أن عالم الخيال هذا ليس مجرد سراب وأوهام ، ولكن له وجوده الحقيقي ، وهو ليس ناشئاً عن مجرد اختلاق مشاعري وإحساساتي ، وهو ليس مجرد خدعة خدعني بها خيالي وتصوراتي الشخصية ، ولكن له وجود حقيقي بالفعل ، وجود أصلي وليس مجرد انعكاس لنوع آخر من الوجود ، إنه وجود لعالم موجود يعيش حياة مستقلة كعالم مستقل بذاته . "

تعليقات

  1. كل ما تحتاج معرفته عن تأسيس كول سنتر-Call center
    https://modn.com/ar/all-what-you-need-to-know-about-settingup-a-call-center?utm_source=falsfaglam&utm_medium=organic&utm_id=V-103

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

( سرير الأشباح ) ... قصة قصيرة

أحسّ بموجة هواءٍ حارة ، عرف أن النافذة جواره فُتَحت لثانية ثم غُلَقت ، حاول أن يرفع رمشيه الباردين ، حاول أن يقاوم ثِقَل المرض الماكث في خلايا جفنيه ... ، حاول ولم يفلح ، تمنى أن يرى الدنيا من نافذة السيارة المُسجّى على مرتبتها .. كان رأسه يقع تحت كوتها مباشرة ، مرة ثانية أحس بشيئٍ حار يلسع وجهه دون أن يشم الهواء ، عَرَفّ أن الشمس نجحت في مقاومة غيمة وتبديد ظلمتها الرمادية . أعياه الإحساس المشلول بالأجساد والأشياء حوله ، تمنى لو يُقَطِعُ جسده ، يفتته إلى قِطّع صغيرة ، ثم يبعثر ذاته في الفضاء عبر النافذة حتى لا يبقى منه سوى دُفقة نور ... روحه المُنهكة ! حينها قد تفضحه رائحة المرض والسرطان الذي سكن هيكله المسكين بضع سنين ، ودمّر حياته ، حتى أنه ذاق الموت أو كاد مراتٍ عديدة... أصطدمت رأسه بالمرتبة الأمامية بفعل القصور الذاتي _ حين توقفت المركبة _ ... ماذا قُلت ؟؟ قصور ذاتي ؟؟ لازالت العلوم الطبيعية تحفر عقلي ، وتُذَكرني بأني كنت مُدرساً محبوباً لمادة العلوم ..احترق جفنّاي، لابد أن الدموع تثابر لمقاومة الصمغ المتلبد بين الرموش .. أحسست بيديّ إبني سعيد وهو يتحسس قدميّ ليطمئن عل...

نجار في رأسي (47)

أقرأ النباتية(١) الآن. كُنت قد قطعت شوطاً طويلاً حتى وصلت إليها مُعتبرة قراءتي لها الآن احتفاء بمثابرتي كما يجب: ١٥ كتاباً خلال ٥ شهور بواقع ٣ كتب شهرياً. *** تنتمي هذه الرواية لأدب الكارثة، وهي ثاني رواية  كارثية أقرأها خلال الفترة السابقة بعد رواية خرائط يونس للروائي المصري محمود حسني. في كل مرة أحاول التدوين تفترسني رغبة الحديث عن الخمسة عشر كتاباً! فأتبلبل وأضيع، تجاوزت معضلتي هذه بصعوبة في رمضان، ورغم التدوينة الرمضانية المحشورة محاولة مني لنفض غبار رأسي واستئناف الكتابة إلا أنها أتت كمن يطهو للمرة الأولى  ديك رومي ليلة الميلاد! لم أطهو ديكاً رومياً ولا مرة، إلا أن مشاهد ليلة رأس السنة  في الأفلام والمسلسلات جعلتني أقيس التجربة بخيالي وأقيم صعوبتها العظيمة، والتي لا يمكن مقارنتها بأي طبقٍ محلي أو عالمي أعرفه، ومارأيت من لذة في تلك الليلة من تناول لحمٍ طري كالزبد قد جعلتني ألمس صعوبته وتطلب إحساس الطاهي الرقيق في صنع الطبق... ليلة عيد وطبق مستحيل وثلج! معضلة متشابكة تشبه المشاريع الكتابية التي أؤجلها كل مرة، تدوينات ومقالات أحلم بتدوينها. أنا نجار فقد مهارة قطع...

أَكتُبْ كما لو كُنتْ في التاسع والعشرين من مايو (34)

هذه التدوينة عبارة عن مسودة ، كنت أشطب وأكتب وأضيف فيها طوال شهر مايو، ولمّ تُنشر إلا الآن ... العجيب ما حدث في مايو ! حيث تضاءلت كتاباتي وتدويناتي اليومية الخاصة فيما تصاعدت وتيرة قراءاتي، لتكن العلاقة بين القراءة والكتابة عكسية، لكن الأهم أن يبيقيان ضمن إطار علاقةٍ ما ...هذه التدوينة عبارة عن ماحدث مع القراءات في شهر مايو.. في هذا الشهر واللذي يصادف شهر رمضان ستكون قراءتي مرتكزة على كتابين : أسطنبول: الذكريات والمدينة لباموق، ومن شرفة إبن رشد للكاتب المغربي عبد الفتاح كيليطيو . *** خمسة أصوات ـ غائب طعمة فرمان قرأت هذاه الرواية بتدفق وإنهماك ثم توقفت قرابة الشهر .. لماذا ؟ لقد ضاع الكتاب في سيارة أحد إخوتي، لأجده بشكلٍ غرائبي داخل درج خزانتي .. صحيح أن رعدة سريعة مرت بي وأنا أتأكد من أن الكتاب هو ذاته كتابي ... لكنني إبتهجتُ جداً حين تأكدت من أنه هو : كتابي البنفسجي الضائع . قراءةٌ أولى لغائب، لقد أهداني أحد الأصدقاء هذه الرواية، طوال القراءة كان يمر بي طيف نجيب محفوظ، إنه يشبه سرد محفوظ إلى حدٍ ماـ خاصة في رواية ميرامار ـ حيث تتعدد أصوات الرواة كما فعل غائب متنقلاً بين خمسة ...