التخطي إلى المحتوى الرئيسي

2


لازلت في كتاب يوميات القراءة ...إنتصفت فيه ، وتيرة قراءتي له بطيئة نسبيا ،لكن القراءة البطيئة المتأملة تناسب هذا الكتاب ...يقولُ إنه سيكتب عن الثلج، وسيبحث عن أكثر الأوصاف التي أعجبته للثلج وهو يقرأ ،انتظر ما سيقتبسه من الكتب عن كريات الماء البيضاء ..

*
اتصفح عدد أكتوبر للمجلة العربية ،الملف الذي يحويه عن الإستعراب في أسبانيا .. تذكرت دون كيخوتة وحديثه عن العرب الأسبان " الموريسكيون " ،دون كيخوته حياة أسبانيا الكاملة في حقبة ما ..سأعود بحديثٍ يليق عن الدون المجنون !

**
قرأت قصة الليالي البيضاء لـ فيدرو دستويفسكي مرتين .. المرة الأولى وأنا في المرحلة الثانوية، أعترف أني قرأتها حين ذاك وأنا انتظر الصفحة الأخيرة ،كنت أريد أن يسقط من حسابي كتاب بدأت قراءته ويلزمني إنهائه وإن لم ألم بما جاء فيه ..لكن هذا لا يعني الجهل التام بالحكاية بين ناستنكا  والبطل الكهل ، فحين أعدت قراءتها قبل أشهر بإيعاز من القارئ والمدون يوسف بعد قراءة مقال عنها ،أكتشفت ان النسيان لم يهاجم بعد ذكريات تلك القراءة ..فمازلت احتفظ بتفاصيل الحكاية ،لكن القراءة الثانية أنضج وأمتع .. خصوصا حين علمت من بوسف بوجود فيلم فرنسي عن الرواية ،ومثل القراءة كانت أتراوح على الفيلم فشاهدته مرة ولم أكمله ..والآن ابحث عن أكثر الساعات هدوءا لمشاهدته ..
***
حين قرأتُ اليالي البيضاء مرة أخرى رددت على تدوينة يوسف بهذا الرد *:

(.. للمرة الثانية تحرضني سطورك على إعادة قراءة كتاب .. المرة الأولى حين أعدت قراءة رواية " هوارد فاست ": المواطن توم بين، بعد قراءتك لـ كتاب : في الثورة . والمرة الثانية الآن بعد قراءة ما كتبت عن قصة الليالي البيضاء لدستويفسكي ..
أدركت الآن أي نوعٍ من القراء أنا أما م هذا الروسي العبقري ، يجب أن أقرأ العمل أكثر من مرة ..ففي كل قراءة تتجدد المتعة ، تتسع الرؤية ،أُصدم من بعض حقائق النفس الإنسانية، والتي يعرج إليها دستويفسكي لشرح وتحليل شخوصه بطريقةٍ مبدعةٍ وأمينة للغاية ..
بضع ليالي حورت مسار الشخص الحالم من عالم أحلام اليقظة والعزلة إلى عالمٍ صلب حقيقي ، قاسي ، ولكن لا يخلو من جمال وسعادة حقيقية كتلك التي أنارت حياته حين وجدت ناستنكا _ كما جاء اسمها في الراوية _ حبيبها ، وحين قتلت الوحدة في حياة الشخص الحالم برغبة صادقة لمساعدته وحبٍ صافٍ خالص .. لا منافع وراءه ولا أهداف ، فولدت في حياة الحالم دفقة نور من سعادة أبدية حقيقية تنير له باقي أيامه .
ناستنكا ذاتها لم تدرك أي محبة تولدت بينها وبين هذا الشخص إلا حين تراءى لها خيالُ الحبيب ، فهربت بعد أن ترددت بين حبيبها وهذا الشخص عدة مرات في مشهد حركي وصفي لا يجيد كتابته إلا الروس .. وفي الغد حين قرأ الحالم رسالتها وتحليلاتها وأعذارها أدرك أي حبٍ وقع بينهما كما أدركت هي ذلك ، هو حبٌ روحي يشبه حب الأخوة ، حين يذود الأخ عن أخته ويسعى لمساندتها لا لشيء سوى أنها أخته !
هو كان لديه شكٌ تجاه محبتها له ، ولكن كان لديه أمل أن تعشقه وتنسى حبيبها الشاب ، كان متوجساً خجلاً وهو يحكي حكايته وينظر في عينيها الخائفتين السوداوين . هي كانت تجد فيه الأمان متجرداً ، والحكمة الخالصة ،لذا لم تخجل وهي تحكي له عن علاقتها بجدتها وخوف الجدة عليها مثل طفلة غريرة .بينما خجلت هي حين اكتشف جارها وحبيبها أن ثوبها وثوب الجدة مرتبط بمشبك ، فبكت وانهارت ،وحاولت الفكاك ومراوغة ذلك القيد .
بضع ليالي انهار فيها عالم أحلام بطلنا ، وبدأ التحول بمهل لشخصٍ حقيقي وإن تأكدت نفسه واقتنعت بأن عالم الأحلام أجمل وأجلّ كما قال وهو يحكي الحكاية :
" الحلمُ الجديد معناه سعادة جديدة ! الحلم الجديد جرعة جديدة من السم الذي يميت الواقع ويجعله جثة هامدة فارقتها الحياة . "
" إنني في حقيقة الأمر يا ناستنكا أعتقد إعتقاداً راسخاً جازماً أن عالم الخيال هذا ليس مجرد سراب وأوهام ، ولكن له وجوده الحقيقي ، وهو ليس ناشئاً عن مجرد اختلاق مشاعري وإحساساتي ، وهو ليس مجرد خدعة خدعني بها خيالي وتصوراتي الشخصية ، ولكن له وجود حقيقي بالفعل ، وجود أصلي وليس مجرد انعكاس لنوع آخر من الوجود ، إنه وجود لعالم موجود يعيش حياة مستقلة كعالم مستقل بذاته . "
أحببت التعليق ..
ودفعتني القراءة لكتابته هُنا وإن ترددت قبل ذلك ، لإن مثل هذه السطور لا تجابه ماكَتَبت عن هذا العبقري ..فشكراً لهذه المساحة، وأتلهف جداً لرؤية الفيلم. )
* هو رد ، وأعتبرهُ قراءة بسيطة :)


****
خبر في جريدة الرياض هذا اليوم : " طلاب سعوديون يخرجون من قاعة المحاضرات في بريطانيا عند الحديث عن نظرية النشوء والإرتقاء لداروين "
أملك كتابا وحيدا لداروين " العواطف عن الإنسان والحيوانات " متى سا أبدأ محاكمته والوصول لحكم ؟إما مع الداروينية أو ضدها ؟
لست أدري، أنا متهيبة !

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بحر وكتاب وقمر

" لتبدأ الحياة كل يوم كما لوأنها بدأت للتو " غوته ( 1 ) الإجازة فرصة لتغوص أكثر في ذاتك ، تجربة جديدة لأرضٍ جديدة تزورها.. تكتشفها ، تبحث عن تاريخها المدون على سمائها وفي أوراق حشائشها . الإجازة تعني لي لذةً جميلة تتناسل كل عام للتوحد مع كتاب وإتمامه في أيامٍ معدودات على ضوء قمر وشاطيء ورائحة ملح ، أو تحت ظل شجرة وهدوء ظهيرة باردة ، الإجازة محاولة للتحرر من الضغوط و الإلتزامات السخيفة المكبلة لي .. الإجازة حرية مؤقتة تُهديها نفسك ، وعلاقة تجددها مع الروح لتكون روحك هي صديقة روحك .. الإجازة أنت وأنا ولا شيء آخر . ( 2 ) البدايات صعبة و القراءة كأي بداية متعثرة متخبطة غير ثابتة كخطى الطفل الرضيع ، بداياتي كبداياتكم جميعاً قصص المغامرات والألغاز، شُغفت بها اقتنيت كل ما قدرت عليه .. المغامرون الخمسة ، رجل المستحيل ، ملف المستقبل ،( حتى الروايات العاطفية جاء عليها الدور بس ما طولت فيها ).. انغمست في أدب آجاثا حتى النخاع ، غمرني محفوظ ابو روايتنا بحنانه وقوته الروائية ، بدأت أتنوع ... أحرص على أن استفيد من الكُتب ومن القراءة .. قبل أن اقتني أي كتاب ابحث عنه وأصنفه وأق...

إنني لا أقرأ يا أمي

إنني لا أقرأ يا أمي، لم اعد أملك القدرة على فتح كتاب، غدا مخي يرسم خيالاتٍ حامضة في كل صفحة أقلبها.. توقفت عن الأخوة كارامازوف بعد أن ضقتُ ذرعاً بحديث الأب زوسيما الرتيب المنخفض، وعيون ألكسي المتسعة في إستنكارٍ صامت. ونقاشات الأخ إيفان و والسيد ميوسوف. أردتُ قراءة أهالي دبلن، ولم أقدر سوى على ثلاث قصص تحديداً .. مليئة برائحة السعوط والكهنة، مزاج جويس مخيف وقاتم لكنه حقيقي تماماً لدرجة ان رائحة موت الكاهن العفنة تسللت لأنفي وأنا أقرأ قصة "الأخوات" ، ورأيتُ بعينيّ ظلام سوق آرابي وهو يقفل مطفأً انواره في القصة الكاملة " سوق آرابي ". إنني لا أقرأ يا أمي، ونفسي بلونِ الكُحل، وجسدي واهن وضعيف كورقة مثقوبة، ولا أحد يتحمل شكاية بلا حجم سوى قلبك الممتد حباً، أعلمُ أن ما أكتبه وما كتبته قد لاتقرأه عيناكِ يا أمي، لكن ربما هذا السبب الذي يجعلني أكتب لك، لإن أحدثك دون أملأ قلبكِ بحزني ، وقلقلي ، ونزقي، ومزاجيتي ، وأحلامي، وثرثرتي.. حاولتُ مرة أن أحتويك وأن ألصقَ صدركِ بصدري حين بكيتي في المرات القليلة التي رأيتكِ تبكين فيه، حاولتُ إحتضانك، وإذ بكفيك المكورتين كقبضة لينة ت...

" المسخ " _ فرانز كافكا

أن تُسلم رأسك للمخدة وعينيك للرقاد وتحت وسادتك يقبع كتاب " المسخ "لكافكا لهو أمرٌ بالغ الصعوبة بل قد يصل حد الإستحالة ! فرانز كافكا الفتى التشيكي ذي الديانة اليهودية والنشأة الألمانية جعلني أفضل إكمال روايته على ان أستسلم للنوم وفي روايته بقايا صفحات غير مقرؤة ، مستحيل كيف يمكن أن أنام وانا لمّ أدرِ بعد بالذي حل بغريغور سامسا بعد تحوله الفضيع ؟ فجأة استقيظ الفتى المنهك في عملٍ كئيب مرهق ليجد نفسه حشرة ، صرصار ، خنفساء روث _ كما زعقت بذلك ذات مرة الخادمة العجوز _ استيقظ ليجد ظهره قاسياً محدباً بشكل مؤلم ، وبطنه مليء بحلقات بارزة سمراء وعدة أرجل قصيرة هشة .. ياإلهي ! كل ما فكرت فيه كيف تحول هكذا بين ليلة وضحاها ، فيما كان هو " غريغور " يُعمل فكره في إيجاد عذرٍ لتخلفه عن رحلة العمل حتى يعود لطبيعته .. مسكين غريغور كل ما وثب لحظتها في دماغه العمل ، العمل الذي يعيله ويعيل أسرته ويجعلها تعيش الحياة بشكلٍ مريح .. حاول النهوض ، أصيب بأكثر من رضة ولكنه كان يقول لنفسه " حسناً سألحق قطار الثامنة " نسي أو تناسى أنه حشرة ، فيما كانت ردة فعل أبيه وامه وأخته ...