التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ميمي



في نهاية كُلِ أسبوع أضعُ لها الطعام ، وكمية وافرة منّ الماء .. فواز يبكي ، يرغب بشدة أنّ تصطحبنا لزيارة والديّ .. فيصل يتسائل : ماذا لو أنهها ماتت مِنّ الحُزن ، لإننا تركناها وحيدة ؟


أحملُ الحقيبة وأنا أسوغ لهم مبرارتٍ حقيقية ، لعدم إصطحاب " " ميمي " " معنا .. يقتنعون سريعاً .. وحين نصلُ إلى منزل العائلة ينسون أمرها ، ولا يتذكرونها إلا حينما ندير المفتاح في باب الشقة يوم الجمعة .

كانتا في البداية إثنتين ، إقترحتُ عليهما أسماءاً .. فواز أختار اسمَ " ميمي " لإنه الأسم الأسهل في نطقه ، أما فيصل أختار لها إسم " نينجا " ، ليقينه أنها ستكبر ذات يوم وتغدو عضواً من أعضاء فرقة سلاحف ال " نينجا " الكرتونية !

كنتُ ممتعضة بشدة من وجود سلاحف في بيتي، فلا ألمس الحوض ولا أنظفها .. الصغار يتولون ذلك الأمر بناءاً على إتفاقية سبقت شراءها ... لاحظتُ أنّ " نينجا " خاملة ولها رائحةٌ عطنة ، خلاف " ميمي " الشقية ذات الرقبة الممطوطة.. بعد أيام ماتت " نينجا " !

أكره وجود الحيونات لديّ لإن حياتها قصيرة ..وجودها ذا أمدٍ صغير مقارنة بنا نحنُ البشر ، خشيتي منّ نهاية حياتها لديّ وزيارة الموت لأجل خطف روحها نفث فيَّ خوفاً من تربية الحيونات ، لإنها قد تموت سريعاً .. ولو أمكنني أن أعيش بمفردي حتى لا تفجعني النهاية بفقدان عزيز لفعلت ، لكنّي أسير وفق نواميس الحياة الذي خُلقت قبل أن أُخلق .. فاستسلمتُ لهذا المبدأ .. بل إنّ جزءاً صغيراً مني يتمنى لو مُتُ قبل موتِ منّ أُحب ، في محاولة مني لحلِ ألم الفقد المميت.. حين أُفكرٌ هكذا أستعيذ منّ أفكاري والشيطان وتلك الأمنية تطوفُ أمامي !

أصبحت " ميمي " في الحوضِ بمفردها ، أُمي تكره وجودها معنا نهاية الأسبوع ..فأصبحتْ كُل نهاية أسبوعٍ تقريباً تقضيه وحيدة . يومَ الأربعاء الفائت أستيقظتُ على صراخ فيصل ، أتى إلي بوجهٍ مفزوع وعينين منتفختين من أثر النوم ،وهو يهتف : ( ماما ، " ميمي " وجدتها في خُفِ الحمام ! ) ..

كُل ما قفز لذهني وقتها هو كيف قفزت من الحوض المرتفع وهي المبلولة دوماً _ لو فرضنا تسلقها _ ..رغم شبه إستحالة الفكرة ؟ بلّ كيف إهتدت إلى دورة المياة القريبة من غرفة النوم ؟

هلّ كانت توصل رسالةً لنا ؟

هلّ كانت تُريدُ أن توحي إلي بأن الوحدة تقتلها كُل أسبوع ، وأنّها تبحث عن أصوات صراخ الأطفال وضحكهم ؟

لستُ أدري .. ولكنّ فيصل في ذلك اليوم كان مُصراً على إصطحابها معنا ، بحجة أنّ " ميمي " قالت لهُ ذلك !

تعليقات

  1. فاطمة:

    في بوحك شيء يتقاطع معي ..
    أنا أيضًا لا أربي الحيوانات لخوفي من موتها عندي..
    أخاف من الحزن

    لروحك الشبيهة وردة من بنفسج

    ودمت عصفورة مبدعة

    محبتي

    لبابة أبوصالح

    ردحذف
  2. أستاذة لُبابة:
    لستُ أملكُ سوى دهشة !
    كُنتُ قبل يومٍ من تعليقكِ أطوف في أرجاء عشِ اليمامة ، وبعدَ أنّ قرأتُ تعليقك تسائلت هلّ كان تغريدي هذه المرة عالياً ليصل إلى عُشِ اليمام ؟
    كُل ما أثقُ به أن العصافير واليمام تمتلك اجنحة تهفو إلى التحليق ، وتتشابه بالتاكيد .. فتخاف موتا ً قريباً ، لإعتقادها أنها قد تكون سبباً في هذا الموت ، بطريقة أو أخرى ..
    باقة ياسمين عَطِرة ، وسعيدة جداً بهديلكِ في عُشي .
    حياكِ الله .

    ردحذف
  3. أفضل 3 شهادات لتكنولوجيا الاتصالات وأنظمة الشبكات
    https://modn.com/ar/top-3-IT-certificates-that-are-in-a-high-demand-in-2022?utm_source=falsfaglam&utm_medium=organic&utm_id=H-102

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

( سرير الأشباح ) ... قصة قصيرة

أحسّ بموجة هواءٍ حارة ، عرف أن النافذة جواره فُتَحت لثانية ثم غُلَقت ، حاول أن يرفع رمشيه الباردين ، حاول أن يقاوم ثِقَل المرض الماكث في خلايا جفنيه ... ، حاول ولم يفلح ، تمنى أن يرى الدنيا من نافذة السيارة المُسجّى على مرتبتها .. كان رأسه يقع تحت كوتها مباشرة ، مرة ثانية أحس بشيئٍ حار يلسع وجهه دون أن يشم الهواء ، عَرَفّ أن الشمس نجحت في مقاومة غيمة وتبديد ظلمتها الرمادية . أعياه الإحساس المشلول بالأجساد والأشياء حوله ، تمنى لو يُقَطِعُ جسده ، يفتته إلى قِطّع صغيرة ، ثم يبعثر ذاته في الفضاء عبر النافذة حتى لا يبقى منه سوى دُفقة نور ... روحه المُنهكة ! حينها قد تفضحه رائحة المرض والسرطان الذي سكن هيكله المسكين بضع سنين ، ودمّر حياته ، حتى أنه ذاق الموت أو كاد مراتٍ عديدة... أصطدمت رأسه بالمرتبة الأمامية بفعل القصور الذاتي _ حين توقفت المركبة _ ... ماذا قُلت ؟؟ قصور ذاتي ؟؟ لازالت العلوم الطبيعية تحفر عقلي ، وتُذَكرني بأني كنت مُدرساً محبوباً لمادة العلوم ..احترق جفنّاي، لابد أن الدموع تثابر لمقاومة الصمغ المتلبد بين الرموش .. أحسست بيديّ إبني سعيد وهو يتحسس قدميّ ليطمئن عل...

نجار في رأسي (47)

أقرأ النباتية(١) الآن. كُنت قد قطعت شوطاً طويلاً حتى وصلت إليها مُعتبرة قراءتي لها الآن احتفاء بمثابرتي كما يجب: ١٥ كتاباً خلال ٥ شهور بواقع ٣ كتب شهرياً. *** تنتمي هذه الرواية لأدب الكارثة، وهي ثاني رواية  كارثية أقرأها خلال الفترة السابقة بعد رواية خرائط يونس للروائي المصري محمود حسني. في كل مرة أحاول التدوين تفترسني رغبة الحديث عن الخمسة عشر كتاباً! فأتبلبل وأضيع، تجاوزت معضلتي هذه بصعوبة في رمضان، ورغم التدوينة الرمضانية المحشورة محاولة مني لنفض غبار رأسي واستئناف الكتابة إلا أنها أتت كمن يطهو للمرة الأولى  ديك رومي ليلة الميلاد! لم أطهو ديكاً رومياً ولا مرة، إلا أن مشاهد ليلة رأس السنة  في الأفلام والمسلسلات جعلتني أقيس التجربة بخيالي وأقيم صعوبتها العظيمة، والتي لا يمكن مقارنتها بأي طبقٍ محلي أو عالمي أعرفه، ومارأيت من لذة في تلك الليلة من تناول لحمٍ طري كالزبد قد جعلتني ألمس صعوبته وتطلب إحساس الطاهي الرقيق في صنع الطبق... ليلة عيد وطبق مستحيل وثلج! معضلة متشابكة تشبه المشاريع الكتابية التي أؤجلها كل مرة، تدوينات ومقالات أحلم بتدوينها. أنا نجار فقد مهارة قطع...

أَكتُبْ كما لو كُنتْ في التاسع والعشرين من مايو (34)

هذه التدوينة عبارة عن مسودة ، كنت أشطب وأكتب وأضيف فيها طوال شهر مايو، ولمّ تُنشر إلا الآن ... العجيب ما حدث في مايو ! حيث تضاءلت كتاباتي وتدويناتي اليومية الخاصة فيما تصاعدت وتيرة قراءاتي، لتكن العلاقة بين القراءة والكتابة عكسية، لكن الأهم أن يبيقيان ضمن إطار علاقةٍ ما ...هذه التدوينة عبارة عن ماحدث مع القراءات في شهر مايو.. في هذا الشهر واللذي يصادف شهر رمضان ستكون قراءتي مرتكزة على كتابين : أسطنبول: الذكريات والمدينة لباموق، ومن شرفة إبن رشد للكاتب المغربي عبد الفتاح كيليطيو . *** خمسة أصوات ـ غائب طعمة فرمان قرأت هذاه الرواية بتدفق وإنهماك ثم توقفت قرابة الشهر .. لماذا ؟ لقد ضاع الكتاب في سيارة أحد إخوتي، لأجده بشكلٍ غرائبي داخل درج خزانتي .. صحيح أن رعدة سريعة مرت بي وأنا أتأكد من أن الكتاب هو ذاته كتابي ... لكنني إبتهجتُ جداً حين تأكدت من أنه هو : كتابي البنفسجي الضائع . قراءةٌ أولى لغائب، لقد أهداني أحد الأصدقاء هذه الرواية، طوال القراءة كان يمر بي طيف نجيب محفوظ، إنه يشبه سرد محفوظ إلى حدٍ ماـ خاصة في رواية ميرامار ـ حيث تتعدد أصوات الرواة كما فعل غائب متنقلاً بين خمسة ...