" بأقدام مثقلة إنهاكًا وتعبًا، دخلتُ إلى المطبخ الرمادي، رفعتُ أكمامي البيضاء، ( دلقت ) الصابون في زبدية عميقة، أفتح الصنبور، أمكث لحظات حتى يسخن الماء الجاري بقوة، ليصطدم بالصابون الأحمر الممزوج برائحة الفراولة، فيغدو سائلاً يشبه الدم، تقززت حينما جال بخاطري أن أصابعي تتمرغ في دمٍ صافٍ أحمر. أدرتُ الصنبور في وجل، توقَّفَ اندفاع الماء، جففت يديّ بوضعهما على قميص الجامعة، درت نصف دورة حتى أُرخي جسدي، وتتهالك قدماي، معلنة عدم قدرتها على الوقوف، أُسند ظهري على دولاب (المجلى)، أُغمض عينيّ، صوَر عديدة تدور بين تلافيف مخِّي، ألتقط منها صورة محاضرة الفيزياء اليوم، صورة طفلٍ جميلٍ أشقر، تلفازٌ مظلم صامت. أبتر تتابع الذكرى القريبة، أتمتم.... ألعن الفيزياء في سرِّي، لا بد أنها لوثتْ عقلي هذه الظهيرة؛ لكن أطباق الصيني ما زالت لزجة، بقايا المكرونة الرطبة يغري بغسيلها. أثب ! ... أرفع أكمامي ( المعفطة ) المعروقة، تتصاعد رائحة الصابون مع الرغوة البيضاء في الحوض، أبدأ بغسل الأطباق بالماء، ألمح حركة خاطفة سريعة أمام بصري، ترفُّ عيني اليسرى لمشاهدتها، ألمح جسمًا كلون العسل، لامعًا، برَّاقًا...