التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المشاركات

عرض المشاركات من يونيو, ٢٠١١

ألوان الخوف

" بأقدام مثقلة إنهاكًا وتعبًا، دخلتُ إلى المطبخ الرمادي، رفعتُ أكمامي البيضاء، ( دلقت ) الصابون في زبدية عميقة، أفتح الصنبور، أمكث لحظات حتى يسخن الماء الجاري بقوة، ليصطدم بالصابون الأحمر الممزوج برائحة الفراولة، فيغدو سائلاً يشبه الدم، تقززت حينما جال بخاطري أن أصابعي تتمرغ في دمٍ صافٍ أحمر. أدرتُ الصنبور في وجل، توقَّفَ اندفاع الماء، جففت يديّ بوضعهما على قميص الجامعة، درت نصف دورة حتى أُرخي جسدي، وتتهالك قدماي، معلنة عدم قدرتها على الوقوف، أُسند ظهري على دولاب (المجلى)، أُغمض عينيّ، صوَر عديدة تدور بين تلافيف مخِّي، ألتقط منها صورة محاضرة الفيزياء اليوم، صورة طفلٍ جميلٍ أشقر، تلفازٌ مظلم صامت. أبتر تتابع الذكرى القريبة، أتمتم.... ألعن الفيزياء في سرِّي، لا بد أنها لوثتْ عقلي هذه الظهيرة؛ لكن أطباق الصيني ما زالت لزجة، بقايا المكرونة الرطبة يغري بغسيلها. أثب ! ... أرفع أكمامي ( المعفطة ) المعروقة، تتصاعد رائحة الصابون مع الرغوة البيضاء في الحوض، أبدأ بغسل الأطباق بالماء، ألمح حركة خاطفة سريعة أمام بصري، ترفُّ عيني اليسرى لمشاهدتها، ألمح جسمًا كلون العسل، لامعًا، برَّاقًا...

بالزاك والخياطة الصينية الصغيرة

داي سيجي ، مخرجٌ سينمائي فرنسي من أصلٍ صيني ، ألفّ روايتين :الأولى ما قرأته وقد حازت على جائزة غونكور، والثانية اسماها بعقدة داي وصفها النقاد بأنها نوع من عقدة " أوديب " وحازت على جائزة فيمينا...غادر داي سيجي الصين إلى فرنسامنذ حوالي عشرين عاماً .. غدا مواطناً فرنسياً، وقد كتب روايته هذه بعد إخراج عددٍ من الأفلام الطويلة . ماالذي دفعني لإلتقاط هذه الرواية من رفوف المركز الثقافي العربي للنشر في معرض العاصمة ما قبل الأخير؟ غلافُ الكتاب أبيضٌ مصفر ،تتوسطه صورةٌ لفتاة مرسومة بالفحم ، الفتاة بسيطة قُسم شعر مقدمتها من النصف وسرح على شكل ضفيرة ناعمة طويلة إتكأت على كتفها النحيل ، عيناها الصغيرتان المسحوبتان إلى الخلف ، وأنفها المكور الصغير الذي يماثل حجمه حجم شفتيها المضمومتين برقة ، ملامحها تلك توحي أنها من شعوب شرق آسيا . ألتقط الكتاب ، أقلبه وأقرأ ما كتب في الخلف : " داي سيجي .. فرنسي من أصلٍ صيني " لمُ أقرأ ولا مرة للآسيوين ، خلاف العرب طبعاً ، أقرر أخذه ..ألتقطه وأضعه مع مجموعة الكتب المصفوفة بشكلٍ عمودي أمام البائع .. أدفع الثمن وأودع كتبي الثقيلة البائع السوري...

الرسالة الثانية للسيد ( ع )

( ع ) : لماذا تُصِرُ على بعثرة الأفكار داخل مُخي الرمادي المسكين ؟ لماذا لا تتبع  أقصر السُبل وأسرعها للبتِ في أمرك ، كما نفعل حين نلجأ لرسمِ الخط المستقيم ، لإن أقصر المسافات بين أي نقطتين هو ذلك الخط ؟ أنتَ بإختياركَ السُبُلَ المُتعرجة ، ذات المسافات الطويلة المُمتدة بزمنٍ طويل  _ قد لا تَمْلُكه _ ، تجعلنا نبدو ونحنُ نُفكرُ في أمرك أشبه بدُمىً قُماشية مهدودة الحيلْ ، ذراعيها الصوفيتين مُتدليتين بحُزن .. أعياها الهمُ وترقُبِ قراراتك المُتوشحةِ عباءة التأجيلِ دوماً . أنتَ تعلمْ حين وصفتكَ في الرسالة السابقة بطرفٍ في معادلةٍ مستحيلة تؤول إلى فاي ،كُنتُ مُحقة لإنكَ وحدكَ منّ ستجعلها معادلة بلا حلّ أو معادلة بسيطة حينَ تُعطي ل ( ع ) قيمة مُحددة ووحيدة . أرجوك أعطِ ل ( ع ) قيمة ، وأجعل لهذهِ الرسائلِ نهاية ، إجعلني في الرسالة التالية أُهنئكَ بإيجاد الحلّ ، ولتكنّ آخر الرسائل ... وتذكرّ أنّ والدتكَ  الصبورةَ حقاً هيَ أكثر المتلهفين لذلك .

ميمي

في نهاية كُلِ أسبوع أضعُ لها الطعام ، وكمية وافرة منّ الماء .. فواز يبكي ، يرغب بشدة أنّ تصطحبنا لزيارة والديّ .. فيصل يتسائل : ماذا لو أنهها ماتت مِنّ الحُزن ، لإننا تركناها وحيدة ؟ أحملُ الحقيبة وأنا أسوغ لهم مبرارتٍ حقيقية ، لعدم إصطحاب " " ميمي " " معنا .. يقتنعون سريعاً .. وحين نصلُ إلى منزل العائلة ينسون أمرها ، ولا يتذكرونها إلا حينما ندير المفتاح في باب الشقة يوم الجمعة . كانتا في البداية إثنتين ، إقترحتُ عليهما أسماءاً .. فواز أختار اسمَ " ميمي " لإنه الأسم الأسهل في نطقه ، أما فيصل أختار لها إسم " نينجا " ، ليقينه أنها ستكبر ذات يوم وتغدو عضواً من أعضاء فرقة سلاحف ال " نينجا " الكرتونية ! كنتُ ممتعضة بشدة من وجود سلاحف في بيتي، فلا ألمس الحوض ولا أنظفها .. الصغار يتولون ذلك الأمر بناءاً على إتفاقية سبقت شراءها ... لاحظتُ أنّ " نينجا " خاملة ولها رائحةٌ عطنة ، خلاف " ميمي " الشقية ذات الرقبة الممطوطة.. بعد أيام ماتت " نينجا " ! أكره وجود الحيونات لديّ لإن حياتها قصيرة ..وجودها ذا أمدٍ صغ...

مُدونتي بثوبها الجديد : أهلاً !

كُنت أقرأ في كتاب مُتعة المُتخيل من إصدار دار التكوين ، وهو عبارة عن مجموعة من المقابلات لكُتابٍ عالميين _ كَ غونتر غراس وارنست همنجواي وغابرييل غارسيا ماركيز وفوكنر و جون ستانبيك وكونديرا ويوسا وفلاديمير نابكوف ومايا آنجلو وأكتافيو باز وتوني موريسن وآلان روب _ وفي قراءتي له كنتُ أتبع نمط الإنتقاء لهولاء الكُتاب ففضلت أن أبدا بهمنجواي وبدأت بعدها في مقابلة نابكوف التي لم أكملها ، لإنّي أدركت أن هذه المقابلة يستلزمُ فهمها قراءة أعماله .. وبعد هذا الدرس ولأنّي قرأت لماركيز عملين قفزتُ لمقابلته . قرأت مقابلته مستمتعة ، وأستطيع أن أضعني في خانة عاشقي ماركيز ، ففوق أن كتاباته ووصفه الرائع وهو يحكي يأسراني، هو يبعث فيّ إلهاماً ويوقد أفكاراً في عقلي ، تجعلني أبحثث عن قلم ، أو أهرع للوحة المفاتيح أدون ما رسمه الخيالُ قبل أنّ يضيع .. كما أفعلُ الآن . يقولُ هذا الكولومبي وهوَ يُجيبُ عنّ سؤالْ : " الأهم هو أنّ نكتب وليسَ أن يُكتبُ عنّا "  ! نعمّ من المُهم أن نكتب طالما وُجدت بذرة الكتابةُ فينا .. الكتابة أستطيع تشبيها كنخلة ، شجرة مُباركة ستظلُ تنهمر عليكَ بالرطبات ما دُمتَ تلقحها و...