التخطي إلى المحتوى الرئيسي

كتابان !





فيما مضى من الأيام رافقني كتابين ، الأول " شرفات بحر الشمال " لواسيني الأعرج اليوم وكان وقت إنهائها متزامناً مع مباراة الجزائر وإنجلترا ، كانت هذه القراءة الثانية لواسيني بعد حارسة الظلال ، بين الروايتين فرقٌ شاسع فشرفات الشمال أفضل وأمتع وأنضج مقارنة بـ حارسة الظلال التي أشبه بالفيلم الثقافي عن آثار الجزائر وأهميتها ...
استمتعت في الثانية بحكاية العشق الأسطوري الممزوج بغصة الوطن المجروح ، النازف ، المقتول بأيدي أولاده ،كان يروي حكاية النحات " ياسين " الذي عشعش الحب قلبه مذ تفتحت مداركه وأصبح عشيق صوتٍ لم يره ، وظل وفياً له عشرات السنين ...
كان يرسم الرواية بجمالٍ متقن ، بلغة أسطورية تشبه أسطورة " فتنة " المهبولة ، وبجمال الحب البريء .. لغةٌ راقية ، ثرية ، صادقة .... كان يصف بها ذاك الوصف الذي يعيش عقلك مدى الحياة ، كأنك ترى الرواية بشخوصها وأماكنها ماثلة أمام عينيك ،من فرط دقة اللغة وكثافتها .
إجمالاً استمتعت ب الرواية ، وأنصح بها كمدخل لواسيني ، عيبها الوحيد الإسهاب الطويل في الوصف الذي مللني قليلاً ، لذا إقرؤها بصبرٍ قليل ونفس ٍ قرائي طويل .
أكتشفت منها أن مفرداتٍ نستعملها في لهجتنا هي قمة في الفصاحة كـ " مهبولة " من الهبل والجنون ، و" فعل " حطتها " بمعنى وضعتها .
أجمل إقتباس : " أصدق مانكتبه هو ما ننجزه ونحن أطفال متشبثون بالوهم الكبير " .

_________




أما القراءة الثانية فكانت للمجموعة القصصية " حكاية الصبي الذي رأى النوم " للسعودي ( عدي الحربش ) في بداية قراءتي لهذه القصص تساءلت بتعجب مخلوطٍ بقليلٍ من الإستنكار : ما هذا الكاتب الذي يعبث يالتاريخ والأحداث الزمنية الخالدة عبر العصور كعبث طفلٍ مستهتر ، يريد أن يتشكل التاريخ بيديه كما تتشكل عجينة صلصال لينة ؟!
لكنني ودون أن أشعر بالوقت انتصفت فيها بعد أقل من ثلاث ساعات وأدركت حينها أني أمام كاتب نادر وقاص محترف لإن قصصه سحبتني إلى عالمها بخيطٍ رفيع لا مرئي ، فبعد أقل من يوم أكملتها وأنا اصفق بحرارة لكاتبها الرائع ، والغير تقليدي .. ( عدي الحربش ).
حين كونت رأياً متسرعاً عن هذهِ القصص أكتشفت فيّ ضيق الأفق ومحدودية النظرة .. ففي مقابلة مع الكاتب في جريدة الرياض وضّح لمَّ كتبها بذاك الأسلوب السلس الممتع والذي كنت أراه مناسباً للقراء المبتدئين _في البداية كان هذا رأيي ! _ فقد أراد لأقاصيصه أن تصل لأكبر شريحة من القراء وأن تكون بلغة قصصية سهلة ومشوقة وذكية ..كما كانت له مآرب سامية حين أدخل التاريخ بين ثنايا القصص فإن كان قارئاً مبتدئاً فسوف يبحث عن صحة التاريخ المكتوب وإن كان عالماً بعوالم الكتب فسوف تكون هذه القصص كمراجعة لمعلوماته ، أحب أن يقرب الفلسفة بصورة ميسرة في بعض القصص كما في: " حين أفاقت الجميلة النائمة " وَ " الأحداث الغريبة التي حدثت في قرية كَ " .. عرض أفكاراً مهمة بصورة غاية في الجمال مثل إختلاف الأديان .
أتوق الآن إلى عمله الروائي ، واتوقع انبثاق أديب سعودي يجاري منيف في زعامته إن كان ما يكتبه_ من رواية _ ببلاغة وروعة ما كتبه في " حكاية الصبي الذي رأى النوم " ..
شكراًَ عُدي للدهشة التي منحتني إياها..
تجاه نفسي ، وتجاه العالم !!
لأجل قراءة القصص هذا موقع الكاتب الشخصي :

http://alherbish.wordpress.com/

وهذا رابط لموضوعٍ رائع كتبه السيد يوسف في الإقلاع عن عدي :

http://vb.eqla3.com/showthread.php?t=462906


* شرفات بحر الشمال من إصدار دار الآداب في317 ص من القطع المتوسط .

* " حكاية الصبي الذي رأى النوم " من إصدار نادي الرياض الأدبي في 230 ص من القطع المتوسط .

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بحر وكتاب وقمر

" لتبدأ الحياة كل يوم كما لوأنها بدأت للتو " غوته ( 1 ) الإجازة فرصة لتغوص أكثر في ذاتك ، تجربة جديدة لأرضٍ جديدة تزورها.. تكتشفها ، تبحث عن تاريخها المدون على سمائها وفي أوراق حشائشها . الإجازة تعني لي لذةً جميلة تتناسل كل عام للتوحد مع كتاب وإتمامه في أيامٍ معدودات على ضوء قمر وشاطيء ورائحة ملح ، أو تحت ظل شجرة وهدوء ظهيرة باردة ، الإجازة محاولة للتحرر من الضغوط و الإلتزامات السخيفة المكبلة لي .. الإجازة حرية مؤقتة تُهديها نفسك ، وعلاقة تجددها مع الروح لتكون روحك هي صديقة روحك .. الإجازة أنت وأنا ولا شيء آخر . ( 2 ) البدايات صعبة و القراءة كأي بداية متعثرة متخبطة غير ثابتة كخطى الطفل الرضيع ، بداياتي كبداياتكم جميعاً قصص المغامرات والألغاز، شُغفت بها اقتنيت كل ما قدرت عليه .. المغامرون الخمسة ، رجل المستحيل ، ملف المستقبل ،( حتى الروايات العاطفية جاء عليها الدور بس ما طولت فيها ).. انغمست في أدب آجاثا حتى النخاع ، غمرني محفوظ ابو روايتنا بحنانه وقوته الروائية ، بدأت أتنوع ... أحرص على أن استفيد من الكُتب ومن القراءة .. قبل أن اقتني أي كتاب ابحث عنه وأصنفه وأق

هل ننجو من لعنة الفراعنة؟ إليكم ماحدث ..

مقولة مثل كل المقولات ! رماها أحدهم في الفضاء وتلقفتها الأفوه؛ لاكتها، عجنتها، تندرت بها، توجست منها، ثمّ: صدقتها . تلك هي حكاية لعنة الفراعنة باختصار ! منذ أن افتتح كارتر مقبرة توت غنع آمون وهناك من يؤمن بتلك اللعنة، وهناك من يضحك على من يؤمن بها … لعل ضحكه يدفع شراً ما، لكن الجميع يتفق على أنها ظاهرة غريبة ليس لها تفسير، أو قد تحمل تفسيراً أُوري في الخفاء كما يحدث مع ظاهرة موت لاعبي كرة القدم بالسكتات القلبية هذه الأيام :) ! لم يمت أحدٌ ممن اكتشفوا مقبرة (واح ـ تي) في نوفمبر  2018 ، وهو مسؤول كبير _ كاهن للسلالة الخامسة من أسرة الفراعنة _ ، حوت المقبرة عدة موميات لوالدة هذا الكاهن وأولاده وزوجته، إضافة لموميات لبوة وشبل أسد، حوت المقبرة قصة حياة " واح تي " وتاريخاً آخر لصراعٍ عاشه مع مواطن فرعوني آخر أراد أن يطمس حضوره بعد الموت واستولى على المقبرة عله يحظى بجنة (واح - تي) بعد الموت ! خلال ساعتان مركزة من السرد المرئي لاكتشاف غرفة  

ورطة القارئ في الأعياد: نصائح لقراءة منعشة خلال أيام الإجازة القصيرة

  تبدو عطل الأعياد بمثابة شهيق طويل نلتقط فيه أنفاسنا، بعد مسيرة الأعمال المحمومة، ودائرة الروتين اليومي، نخلد فيها للوسائد باطمئنان، نلتهم السعادة مع سكاكر الصغار وحلويات العيد. حتى تداهمنا تلك اللحظة الفارغة!  تلك اللحظة التي تقع وسط نهر الزمن اللاهث وتتجمد العقارب فيها فتبحث داخلك وحولك عن ما يمكن أن يملأها: فيلم؟ كتاب؟ أم نزهة مختلفة؟ بالنسبة لي تكون هذه العطل القصيرة  بمثابة احتفال قرائي أختار فيه كتاباً بعشوائية تلائم نمط فوضى هذه الأيام، أسميه كتاب العيد وأغوص فيه بكل حواسي. مررت بعشرات الأعياد، عشت فيها تجارب مختلفة مع كتب عديدة: منها ما كان اختياره في هذا التوقيت موفقاً ورسخ داخلي قراءة لا تنسى، ومنها ما كان اختياره مروعاً! وتحول لزومبي يزورني ليالي العيد الساكنة السوادء وأثناء غيبوبات نعاس العصر الطويل. في هذا المقال سأستعرض معكم بعض هذه التجارب، ولن أنسى إضافة بعض النصائح المركزة للفوز حقاً بقراءة منعشة في هذه الإجازة القصيرة. فرانكشتاين في بغداد: اخترت فرانكشتاين في بغداد دون الاعتبار لتنافر موضوع الرواية الرهيب مع توقيت (العيد).  بدأت بها مساء يوم العيد بعد إرهاق التقبيل ا