اسم الكتاب : في حضرة الغياب _ نص
إصدار : دار رياض الريس للنشر
عدد الصفحات : 181
درويش يحاكي الغياب ، كشخصٍ حميمٍ يسامره ، يسأله :
ياغياب أين أبي ؟
أين أُمي ؟
أين الرفاق ؟؟
.. تستمر المسامرة كهيئية محاكمة ، يقسو درويش عليه ،يُلح في الأسئلة ، ويوغل في فلسفتها .. فيسأله أين الموت ؟
" .. أما الموت، فلا شيء يهينهُ كالغدر : اختصاصه المُجرب .. "
وتستمر لُعبة الأسئلة القاتلة : ما الزمن ؟
" الزمنُ نهرٌ سلس لمن لا ينتبه إليه، وحشيٌّ شرسٌ لمن يحدق إليه، فتخطفه الهاوية !! "
وتأتي الغاية كُلِها من اللعبة، لُعبة إستحضار الغياب . فيُفتش عنّ الوطنّ يبحث عنه بين ركام جيوبه ، ودواخل نفسه، يسأل الذاكرة والقلب ولا يجد .. " إنّ ثلاثة عقود من غياب الذات عن مكانها تجعل المكان ذاتاً يتيمة .. "
.. ويحكي عنَّهُ حين رأى غزة :
" ....وأخيراً سافرتَ إلى غزة. لم ترها من قبل. كتبتَ لها وعنها كما رَسَمَتْ هي صورتها : قلعة محاصرة بالبحر والنخيل والغزاة والجميز. قلعة لا تسقط. غزة هي العزة المستفزة، بلا انقطاع، من صمت العالم على حصارها الطويل . وعلى الطريق الطويلمن القاهرة، على رمال سيناء، لم تفلح في نقل أحاسيسك المتأرجحة إلى كلماتٍ واضحة. كان الكلام عصياً على الوصول من القلب إلى اللسان، كحرف اللام الروسي الذي يصعد من البطن ويقف عند سقف الحلق . "
الكتاب في الحقيقة خفيف الوزن لكنّه مجازياً مثقل بروح درويش الكثيفة، المعجونة بالألم، واالدموع المقهورة، حوى قدراً كبيراً من الإستعارات والتشبيهات المعقدة، لكنّها ضرورية لإيصال جميع أحاسيس الشاعر المنفي، والوطن المسلوب ...
سأختم هذهِ القراءة_ الغير منصفة أبداً_ بهذهِ السطور التي تحكي عن أمه، أمه صاحبة القهوة الأشهر حين غنّى بحنين :
أحنُ إلى خبز أمي
وقهوةِ أمي
ولمسةِ أمي ..
وتكبر فيَّ الطفولةُ
يوماً على صدر يومِ
و أعشق عمري لأني
إذا متُّ
أخجل من دمع أمي !
خذيني .. إذا عدتُ يوماً
وشاحاً لهدبكْ
وغطي عظامي بعشبٍ
تعمَّد من طهر كعبكْ
وشدِّي وثاقي..
بخصلة شعرٍ ..
بخيطٍ يلوِّح في ذيل ثوبك..
عساني أصيرُ إلهًا
إلهًا أصير ..
إذا ما لمستُ قرارة قلبك !
ضعيني إذا مارجعتُ
وقودا بتنور ناركْ
وحبل غسيل على سطح داركْ
لأني فقدت الوقوف
بدون صلاةِ نهاركْ
هرمتُ فردّي نجوم الطفولة
حتى اشاركْ
صغار العصافير ..
درب الرجوع ..
لعُشِّ إنتظارك !!
فيقول عنّها في هذا الكتاب :
" أمك هي أمك وأنت ابنهاحين تكونان معاً. أما في حضرة الآخرين فإنها تلعب دور الشاهد. تبقيك ضيفاً خاصاً على أمومتها .. "
" ... في صباح اليوم التالي تشرب معها قهوتها ذائعة الصيت، بعدما انتشرت رائحتها في الأغنية التي كتبتها قبل أكثر من ثلالثة عقود من سجنك الثاني. تسألها: هل تعجبك الأغنية ؟ فتبتسم بحياء وتكتفي بالقول : الله يرضى عليك .. "
ـــــــــــــــ
مابين علامات التنصيص مقتبس من الكتاب
أفضل 5 برامج VPN موثوقة وآمنة لعام 2022
ردحذف