" في كُلِ زيارةٍ إلى بيته يُغمسُ فناجينَ القهوة وأكوابَ الشاي بثرثرته وسواليفه، تبدو عينيه مُتقدتين _ لمّ تفلح عدسات النظارة المُقعرة السميكة في إخفاء لمعانها _ ولمّ تؤثر تجاعيده المُتغضنة كجلد بعيرٍ جائع، ولا شيبهُ الرمادي المُكتسح لرأسهِ كُله في التقليل من إتقادهما، أو إخماد لسانه النشط . كُنتُ مُضطراً حينَ آتي لزيارته مع أبي كُلَ مرة، بحكم صداقتهما الضاربة بجذورها عميقاً كسِدرةٍ هرمة.. ولإن أبي في كُل مرة يُصرُ ويلحُ علي بزيارته .فلا أملكُ إلا هزةَ رأسٍ موافقة مداراة لخاطر أبي الشائب.. ونذهبُ كُل جمعة سويةً لبيت هذا الصديق . ثرثرته تُزعجني، حكيهُ متواصل كخيط صوف لا نهاية له، صوته عالٍ، ونبرتهُ نشاز، يخلطُ كُلَ الأمورِ ببعضها بشكلٍ مُنفر ! يتكلمُ في الماضي والحاضر، في الطبخِ والسفر، في الحبَ والأسرة، حتى الرقص وأسواق البورصة وأخبارُ إيران لمّ تفُته ... في آخر زيارةٍ له وضعتُ في جيبي قطعتين مدورتين من القطن، لأنعم بصممٍ مؤقت في حضرة هذا الستيني الثرثار، وليتولى رأسي المسكين بالإيماءات المُناسبة الخادعة . حينَ دلفنا بيت الشعر "خيمة "، وقبل أنّ أختلس وقتاً أضعُ فيه س...